باكستان في شرنقة الانقسام: استعدادات لـ«معركة الصيف»

باكستان في شرنقة الانقسام: استعدادات لـ«معركة الصيف»

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٥ مارس ٢٠٢٣

لا تزال الأزمة السياسية التي أعقبت إزاحة رئيس الحكومة الباكستانية السابق، عمران خان، عن السلطة، إثر حجْب الثقة عنه في البرلمان، وانشقاق بعض نوّاب حزبه عنه، في نيسان من العام الماضي، تتفاعل، فيما تظلّ أدوات الصراع بين لاعب «الكريكيت» السابق، ومَن خلَفَه في سدّة الحكم في إسلام آباد، منذ ما يقارب العام، منحصرةً في السياسة والقضاء. وفي خضمّ هذا الصراع، لم يتوانَ خان مُذّاك، عن توظيف شخصيّته الكاريزمية ومهاراته الخطابية في تحريك الجماهير، مستغلّاً الصعوبات السياسية والاقتصادية الراهنة التي تمرّ بها البلاد، ومُوظِّفاً وعوده بـ«دولة الرفاه على النمط الإسلامي في عصر النبوّة»، وتعهّداته بالاستمرار في «الجهاد (السياسي)»، من أجل تسيير تظاهرات مناهضة للجيش والحكومة الجديدة برئاسة شهباز شريف، فضلاً عن مواصلته إطلاق اتّهاماته للأخير بترتيب مؤامرة، بدعم من واشنطن والمؤسّستَين العسكرية والقضائية الباكستانيتين، لإطاحته. أمّا المعسكر الحاكم، برئاسة شريف، فقد بات يستشعر خطر خان، المستمرّ في دعوته إلى إجراء انتخابات نيابية مبكّرة، على وقْع شعبيّته المتنامية. وهكذا، لم يَجِد إلّا محاولة ترهيب أنصار المعسكر الآخر، ومن ضمنهم مسؤولون في الحكومة السابقة وصحافيون، عبر اتّهام زعيمهم تارةً بـ«الحضّ على الكراهية والقتل» على خلفيّة تَعرّض أحد مُعارضيه لاعتداء بالضرب، وتارةً أخرى بـ«الإرهاب» بسبب أعمال الشغب التي قام بها أنصار خان خلال عدد من التظاهرات. كلّ ذلك جاء لتبرير تشديد الحملة الأمنية ضدّهم وملاحقتهم، وصولاً إلى حدّ حجْب بثّ خطابات رئيس حزب «إنصاف» عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً اعتقال بعض أبرز مُساعديه، وعلى رأسهم شهباز جيل.
 
أخيراً، وصلت تلك الحملة إلى درجة ملاحقة خان شخصياً، حين سلّمته الشرطة الباكستانية مذكّرة لحضور جلسة محاكمة أمام القضاء، بذريعة «شراء وبيع هدايا كان قد تلقّاها من شخصيات أجنبية»، علماً أن الرجل يواجه أيضاً تهماً تتعلّق بـ«إهانة القضاء»، على خلفيّة ما اعتبرتْه السلطات «تهديداً» لإحدى القاضيات ومسؤولٍ أمني رفيع في قضية اعتقال وتعذيب شهباز جيل، الذي كان قد دعا عناصر الجيش إلى التمرّد على أوامر القيادة العسكرية بعد إزاحة زعيم «إنصاف» عن الحُكم. وعلى ما يبدو، فإن عدم اعتقال رئيس الحكومة السابق، حتى الآن، على رغم كثرة القضايا المُثارة ضدّه، يتّصل بوجود انقسام داخل المؤسّسات السياسية الباكستانية، ولا سيما القضائية، حيال الموقف منه، إضافة إلى خوف السلطات من أن يسبب أمر اعتقاله انتفاضة شعبية من قِبَل مناصريه، وسط حالة من التأزّم السياسي والأمني والاقتصادي تعيشها باكستان. وعلى رغم أن البعض يرجّح القبض عليه في لحظة سياسية مناسبة تتحضّر لها حكومة شريف، يرى المحلّل السياسي في صحيفة «Dawn» الباكستانية، زاهد حسين، أن «أيّ تحرّك (من جانب السلطات) لاعتقاله يمكن أن يتسبّب بتفجّر الوضع السياسي المضطرب أصلاً».
وما يزيد من حراجة الموقف العام في البلاد، تصاعُد أعمال العنف والإرهاب خلال الأشهر الماضية، في أعقاب عودة حركة «طالبان» إلى الحُكم في الجارة أفغانستان، إذ كثّف تنظيم «طالبان باكستان» هجماته في الداخل، انطلاقاً من معاقله على الحدود الأفغانية - الباكستانية، وقد طاولت إحداها مسجداً في بيشاور، الواقعة في شمال غرب باكستان، مطلع العام الجاري، قبل أن يَعقبها هجوم على مركز أمني في كراتشي منذ أسابيع قليلة. أمّا التطور الأبرز على هذا الصعيد، فتَمثّل في استهداف السفارة الباكستانية في كابول، والذي يُرجَّح وقوف التنظيم المتشدّد وراءه.
 
عودة خان القوية إلى المشهد السياسي
على مدى أشهر من صراعه مع خصمه اللدود في إسلام آباد، وعلى رغم المساعي لقطع الطريق على إعادة تَرشّحه للانتخابات البرلمانية المقبلة عبر قرار قضائي قضى بمنعه من الترشّح لمدّة خمس سنوات، سَجّل خان عودة قوية إلى المشهد السياسي في البلاد، بعدما تمكّن من خلْق حَراك جماهيري واسع داعم له، مع انضمام مئات الآلاف إلى التظاهرات التي دعا إليها في غير مناسبة، وفي أكثر من مدينة رفضاً لسياسات الحكومة الحالية. وقد تجسّدت تلك العودة من خلال نجاح حزبه في تحقيق انتصار مفاجئ في الانتخابات الفرعية التي أجريت في تموز الفائت في إقليم البنجاب، الذي يُعدّ معقلاً تقليدياً لخصومه في «حزب الرابطة الإسلامية» الباكستانية، إضافة إلى تحقيقه فوزاً آخر في كراتشي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، وهو ما أثار مؤشّرات قلق إضافية لدى شريف، كونه يعكس تحوُّل الرياضي السابق إلى قوّة سياسية وازنة في الشارع الباكستاني، وبالتالي ارتفاع حظوظ فوزه في الانتخابات البرلمانية المقرّرة في آب المقبل.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد أفضت الانتصارات الانتخابية لخان إلى تقويض الشرعية السياسية لحكومة شريف؛ ذلك أن خصمه السبعيني استطاع أن يُبقي نفسه وحزبه في قلْب المعادلة السياسية الباكستانية، بعدما برهن على قدرته على الاستفادة من مشاعر الإحباط والاستياء لدى عموم مواطنيه من النظام السياسي، وتسخيرها في كسْب تعاطف الجماهير. ووفق الصحيفة نفسها، فإن تنظيم التظاهرات الاحتجاجية في إسلام آباد، وهو أسلوب بات مألوفاً في باكستان، وخاصة خلال الأعوام الماضية، لا يُسهم في إسقاط حكومات، بقدر ما يفضي إلى تآكُل «رأس المال السياسي» لأيّ سلطة أو حزب حاكم. وللدلالة على ما تَقدّم، توضح الباحثة في «معهد بروكينغز» للدراسات الاستراتيجية، مديحة أفضال، أن ما يميّز تحرّكات أنصار خان، هو مدى قوّتها وزخمها اللذَين يكشفان ما يتمتّع به «الزعيم الكاريزماتي» لدى جمهوره، من شعبيّة وتأثير. وتعتقد أفضال أن ذلك النوع من التأثير قادر على صنْع الفرق في المشهد السياسي، حتى عندما لا تكون متاحةً ترجمته عبر صناديق الاقتراع.
وفي بلد يلعب فيه الإعلام والمناهج التعليمية على حدّ سواء، دوراً ملحوظاً في تغذية المشاعر المناهضة للولايات المتحدة بسبب ملفّ «الحرب على الإرهاب»، انطلاقاً من الغضب الشعبي المتجذّر إزاء استخدام الأجواء الباكستانية في خضمّ تلك الحرب، وللمؤامرات الخارجية التي تستهدف باكستان لكونها «الدولة الإسلامية الوحيدة المسلّحة نووياً»، تَقاطَعَ حرصُ خان على إظهار مظلوميّته للرأي العام، وتصوير نفسه بصورة مستمرّة على أنه «الشهيد الحيّ للنظام العسكري» المتحالف مع الولايات المتحدة، و«ضحيّة» الطغمة السياسية الحاكمة المتحالفة معه، مع تطوُّر دراماتيكي هو الأكثر خطورة منذ تنحيته، حين تَعرّض لمحاولة اغتيال في إحدى الفعاليات الجماهيرية في مدينة وزير آباد شرق البلاد. هذا الأمر بالتحديد، أدّى إلى ترسيخ تلك «المظلومية» بشكل أكبر أمام الرأي العام، فيما عمد خان إلى تعزيزها أكثر عبر اتّهام مَن يَصفه بـ«رئيس الحكومة المستورَدة من الخارج»، ووزير داخليته، وأحد كبار قادة جهاز الاستخبارات، بتدبير المحاولة. وبالفعل، شكّل عنصرا تفاقُم النقمة الشعبية ضدّ دور الجيش في السياسة، وتعاظُم السخط إزاء فساد الطبقة السياسية التقليدية، مزيجاً داعماً لنيّة القائد الجماهيري، التصدّي لمحاولات إقصائه عن الحياة السياسية، الأمر الذي يُعدّ ظاهرة مقاومة غير مألوفة في بلادٍ اعتادت على صيغةٍ ما من «الحُكم بالتواطؤ» بين السياسيين والعسكريين.
وما زاد الأمور سوءاً أمام خصوم خان، هو الفيضان المدمّر الذي ضرب البلاد خلال العام الماضي، والذي تسبّب بخسائر اقتصادية للبلاد تُقدَّر بنحو 30 مليار دولار، ما أدّى إلى انكشاف هشاشة الحكومة الباكستانية أمام الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتلاحقة. المفارقة أن المشكلات الاقتصادية التي لعبت دورها في إسقاط الحكومة السابقة، باتت تُشكّل العقبة ذاتها أمام الحكومة الجديدة. فأمام ارتفاع معدّلات التضخّم إلى أعلى مستوياتها منذ 48 عاماً لتصل إلى حدود 27.55%، وهبوط حجم الاحتياطي النقدي في المصرف المركزي الباكستاني إلى 3.7 مليارات دولار، إلى جانب انخفاض تصنيف باكستان الائتماني بعد تعثّرها في الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين الدوليين مع وصول دينها العام إلى أكثر من 250 مليار دولار، بدأت حكومة شريف اتّباع إجراءات تقشّفية غير شعبية، على غِرار رفْع الدعم عن بعض السلع الأساسية، ولا سيما المحروقات، وذلك نزولاً عند رغبة «صندوق النقد الدولي»، وتلبيةً لأحد شروطه لمنح إسلام آباد قرضاً بستّة مليارات دولار، وهو ما كان خان امتنع عن الاستجابة له.
وفي الإجمال، يمكن القول إن الحملة الأمنية والقضائية ضدّ خان ومُناصريه، والتي أراد شريف من خلالها إقصاء خصمه عن المشهد السياسي، صبّت في صالح الأوّل، مع تمكّنه من تغيير قواعد اللعبة بما ساعده في الوقوف في وجه الجيش والقضاء معاً، باعتبارهما يشكّلان الأداتَين التقليديتَين المستخدمتَين تاريخياً في إنهاء دور أيّ زعيم باكستاني لا يروق قادة المؤسّسة العسكرية. وفي هذا الإطار، يرى عميد «كلّية فريدريك إس باردي للدراسات العالمية» في جامعة بوسطن، والخبير المتخصّص في السياسة الباكستانية، أن «عمران خان بات أقوى بكثير ممّا كان عليه عندما تمّت تنحيته»، معتبراً أن «إزاحته ربّما كانت أفضل شيء حدث له». وبحسب محلّلين غربيين، فقد كانت الانتخابات الفرعية الأخيرة في إقليم البنجاب، أشبه باستفتاء شعبي على مزاعم الفريقَين بشأن الأزمة السياسية، بين فريق خان الذي يزعم وقوعه ضحيّة مؤامرة خارجية بتواطؤ من بعض الأطراف الداخلية، وبين فريق الحكومة الذي يؤكّد أن خروج زعيم «إنصاف» من السلطة كان دستورياً. ومع تحقيق الحزب المذكور فوزاً ملحوظاً في تلك الانتخابات، تضاءل حجم التفويض الشعبي الممنوح للحكومة، وبات واضحاً إلى أيّ من الفريقَين يميل الرأي العام في البلاد، وفق هؤلاء.
ومع بروز حجم الهزيمة التي حاقت بشريف والمعسكر السياسي والأمني الداعم له، يُشاع أن صراعاً كبيراً بدأ يحتدم في صفوف المعسكر المذكور، بين مؤيّدين لإجراء انتخابات مبكّرة بدعوى مصالحة الجماهير، وبين مُعارضين لذلك وعلى رأسهم شريف الذي لا يريد منْح خصمه نصراً سياسياً مجانياً على أمل النجاح في تدارُك الوضع الاقتصادي المتردّي عبر دعم مالي من «صندوق النقد الدولي»، يمكن أن يعطيه الحافز لخوض الانتخابات من موقع أقوى. ومع هذا، لا تخلو رهانات حكومة إسلام آباد من مخاطر، وخصوصاً أن حصولها على دعم «الصندوق» مشروط بفرض إجراءات مؤلمة على الصعيدَين الاجتماعي والمالي، وأن الوقت بدأ يضيق لإنجاح أيّ خطّة اقتصادية قد تقرّها حكومته مع اقتراب موعد الانتخابات الصيف المقبل.
خان والجيش: رحلة الصعود والهبوط
كما بات معلوماً، فقد أسهمَ قائد الجيش الباكستاني السابق، قمر جاويد باجوا، في وصول طموحات خان السياسية إلى نهايتها السعيدة، حين صعد به إلى رأس السلطة التنفيذية في باكستان، على خلفيّة تملمُل المؤسّسة العسكرية من حزبَي «الشعب» و«الرابطة الإسلامية» اللذَين تعاقبا على حُكم البلاد سنوات طويلة. وقد أثمرت «سنوات الودّ» بين الرجلَين عن تغطية الجيش لمحاكمة خصوم خان السياسيين قضائياً، وفي طليعتهم رئيس الحكومة الأسبق، نواز شريف، (حين بدأ يولي اهتماماً أكبر لكبح نفوذ القادة العسكريين)، إضافة إلى فرْض بعض القيود على حرية الصحافة الناقدة للحُكم، في مقابل تمرير رئيس الوزراء السابق قراراً بإعادة تعيين باجوا لولاية ثانية كقائد للجيش عام 2019.
ومع الوقت، بدأت الخلافات بين خان وقائد جيشه تطفو على السطح، منها ما يتعلّق بسياسته الداخلية ومحاولته تعيين أحد المقرَّبين منه كرئيس لجهاز الاستخبارات، على رغم معارضة المؤسّسة العسكرية؛ ومنها ما له ارتباطات خارجية، يحصرها البعض في تبعات أزمة ارتفاع أسعار الوقود والغذاء بسبب حرب أوكرانيا، فيما يضعها آخرون في سياق محاباة الرجل لكلّ من روسيا والصين على حساب العلاقة التحالفية التاريخية بين إسلام آباد وواشنطن. ولعلّ المقاطعة الأميركية شبه الكاملة للحكومة السابقة، باعدت المسافة بين الرجلَين أكثر، قبل أن تنفجر التوتّرات بينهما حين بدأت حكومة الأخير التدخّل في عمل الجيش والتعيينات في المؤسّستَين العسكرية والأمنية خلافاً للعرف السائد، ولا سيما حين خالفت رغبة باجوا أواخر عام 2021، بتنحية فايز حميد من منصبه كمدير عام لوكالة الاستخبارات، وسط شائعات عن أن خان كان يتحضّر لتعيين حميد قائداً للجيش.
هكذا قرأت الأحزاب الباكستانية المُعارضة في «طالع» خلافات خان - باجوا جيّداً، وتيقّنت من أن غطاء الجيش لم يَعُد متوفّراً للحكومة السابقة، قبل أن تعدّ نفسها لإطاحتها، وهذا ما كان.
 
موقف خان من القائد العسكري الجديد
واقع الأمر أن خان نفسه يدرك، يوماً بعد يوم، أهمّية الجيش الراسخة في المعادلة الوطنية على مختلف الصعد، حتى إنه أقرّ، في إحدى إطلالاته الإعلامية أخيراً، بأنه لا غنى عن دور المؤسّسة العسكرية «البنّاء»، على حدّ تعبيره، في إخراج البلاد من أزماتها. ولعلّ ما يفسّر هذا التقاطع غير المرئي بين زعيم «إنصاف» وقادة القوّات المسلّحة، هو أن قطاعاً واسعاً من مؤيّدي الرجل، وتحديداً من فئة الشباب وأبناء الطبقة الوسطى التي تقطن في المدن، يميل تقليدياً إلى تأييد الجيش، على رغم تصادُم البعض منهم مع الشرطة إبّان التظاهرات التي عمّت البلاد تنديداً بمحاولة اغتياله في تشرين الثاني الماضي. وفي الاتّجاه نفسه، أعرب «بطل الكريكيت السابق» عن استعداده للتعاون مع «صندوق النقد الدولي»، كجزء من مشروعه الانتخابي لاستعادة التعافي الاقتصادي لبلاده. كذلك، خفّف من حدّة لهجته حيال الولايات المتحدة، مشدّداً على أهمّية التعاون العسكري الباكستاني - الأميركي، في ما اعتبره مراقبون بمثابة «مغازلة» للجيش الباكستاني، ومؤشّراً إلى رغبة الرجل في إخراج علاقته مع قادة الجيش من مربّع التوتّر إلى مربّع المهادنة والتعاون قُبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وبحسب صحيفة «واشنطن بوست»، فإنه يمكن فهْم اللهجة الجديدة لخان على أنها رهان على إمكانية عودته إلى السلطة مجدّداً بمباركة من القادة العسكريين والأمنيين، وتحصينه من أيّ محاولة اعتقال، أو ملاحقات قضائية مستقبلاً. إلّا أن محلّلين يستبعدون تلك العودة، مُعلِّلين رأيهم بالعلاقة السيّئة التي جمعت بين قائد الجيش الجديد سيد عاصم منير، وخان، إبّان فترة تولّي الأخير رئاسة الحكومة، حين عارض استمرار الأوّل في منصبه السابق على رأس جهاز الاستخبارات. فالوافد الجديد إلى قيادة الجيش يبدو منهمكاً في التركيز على تعزيز وحدته، واستعادة ثقة الشعب الباكستاني به، بالتوازي مع معالجة التبعات السلبية لحملات تحريض عناصره على عصيان أوامر قادتهم، والتي يقودها زعيم «إنصاف» وبعض مساعديه ضدّ المؤسّسة العسكرية التي باتت تعاني انقساماً بين مؤيّدين لخان، ولا سيما في صفوف الضبّاط من ذوي الرتب الدنيا، وبين معارضين له معظمهم من كبار الضبّاط. وخلافاً لواقع الحال مع خان، يُكنّ منير، أسوةً بأقرانه من المؤسّسة العسكرية، تقديراً ملحوظاً لمواقف شهباز شريف الداعمة لكبار جنرالاتها. ويرى المحلّل السياسي الباكستاني، خالد مسعود رسول، المعروف بعدم حماسته للعِب الجيش دوراً سياسياً، أن «الامتحان الجوهري والحاسم لمنير يتمثّل في إظهار التزامه بالوعد الذي قَطعه سلفه بتحييد الجيش عن السياسة، وتحسين صورة الجيش التي تلطّخت بفعل الاستقطاب السياسي والحملات الإعلامية الشرسة ضدّه عبر وسائل التواصل الاجتماعي». فأيّ مشهد ينتظر الساحة السياسية الباكستانية بعد الانتخابات؟