حلفاء واشنطن في «حرب التكنولوجيا»: كلفة معاداة بكين تتعاظم

حلفاء واشنطن في «حرب التكنولوجيا»: كلفة معاداة بكين تتعاظم

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١ مارس ٢٠٢٣

لا تزال الوفود الأميركية تتقاطر إلى تايوان، في ظلّ تصاعُد التوتّر بين الولايات المتحدة والصين، وآخرها وفد من الكونغرس وصل إلى تايبيه، الأسبوع الماضي، في مسعى لـ«تعزيز العلاقات الأمنية والاقتصادية» بين الجانبين، فيما شكّل ملفّ أشباه الموصلات، العنوان الأبرز على جدول أعماله. وعلى رغم أن تداعيات المواجهة الأميركية - الصينية أرخت بظلالها على الحلفاء، وفي مقدمهم تايوان التي تراجعت صادراتها التكنولوجية بنحو 27% هذا العام، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية وهولندا التي تتعرّض لضغوط أميركية شديدة للإحجام عن التعاون مع الصين في الميادين التكنولوجية، لا يبدو أن هذه الدول في وارد الاعتراض على الرغبة الأميركية، فيما تتعاظم كلفة معاداتها بكين
في ظلّ تصاعُد التوتّر بين الولايات المتحدة والصين، على خلفيّة عوامل تأزيم عديدة بدأت بواقعة المنطاد الصيني، ولا يبدو أنها ستنتهي عند حدود اتّهام واشنطن، بكين، بالاستعداد لتزويد موسكو بمساعدة عسكرية، وصل وفد من الكونغرس الأميركي، يضمّ مشرّعين من الحزبَين «الديموقراطي» و«الجمهوري»، إلى تايوان، الأسبوع الماضي، في زيارة تمحورت حول «تعزيز العلاقات الأمنية والاقتصادية»، وفق ما أعلن رئيس الوفد، النائب الديموقراطي، رو خانا. والتقى هؤلاء، في أثناء زيارتهم التي استمرّت خمسة أيّام، رئيسة تايوان، تساي إنغ وين، التي أكدت، من جهتها، مواصلة تايبيه «تعزيز الروابط العسكرية والتعاون بشكل أوثق مع أميركا والشركاء الديموقراطيين الآخرين لمواجهة التوسّع الاستبدادي»، في إشارة إلى الصين. وشكّل ملفّ أشباه الموصلات، العنوان الأبرز على جدول أعمال الوفد، وهو ما برز في تصريحٍ لخانا، قال فيه إن «اهتماماتي تتمحور حول الجانب الاقتصادي - أشباه الموصلات، والتصنيع، وإعادة ذلك إلى هنا (أميركا)»، علماً أن اقتصاد تايبيه القائم على التكنولوجيا، «بدأ بالانفجار نتيجة القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على توريد الرقائق إلى الصين»، على ما يقول الكاتب ويليام بيسيك، في صحيفة «آسيا تايمز». وتكمن المشكلة الأكبر، في نظر بيسيك، في «مكانة تايوان المحفوفة بالمخاطر وسط التوتّرات التجارية بين واشنطن وبكين»، وخصوصاً مع تسجيلها أكبر تراجُع لصادراتها من الرقائق إلى البرّ الصيني وهونغ كونغ، منذ عام 2009، ما يشير إلى تراجُع عالمي في الطلب على الإلكترونيات. ووفق الكاتب، فإن تداعيات المواجهة الأميركية - الصينية «ألقت بظلالها على تايوان بشكل خاص؛ إذ تقلَّص الاقتصاد فيها بنسبة 0.86% في الربع الأخير من عام 2022»، فيما رصدت وكالة «بلومبرغ» الأميركية، بدورها، تراجعاً في صادرات الرقائق من الجزيرة بنحو 27.1%، مقارنةً بعام 2022. وعلى هذه الخلفية، جاء لقاء الوفد الأميركي برجال أعمال تايوانيين، على رأسهم موريس تشانغ، مؤسّس شركة «تايوان لصناعة أشباه الموصلات» (TSMC) الرائدة، في محاولة لتقليل «التكلفة التي تتكبّدها تايوان ودول أخرى حليفة في المنطقة للولايات المتحدة، في وقوفها إلى جانب الأخيرة في حربها ضدّ صعود الصين الاقتصادي»، على حدّ تعبير بيسيك.
وليست تايبيه الوحيدة التي تستشعر هذا الخطر، بل يبدو أن طوكيو وسيول لديهما المخاوف نفسها، وخصوصاً مع «تسجيل مصانعهما تباطؤاً بداية العام الجاري، بفعل تراجُع الطلب»، وفق ما تنقل «بلومبرغ» عن الخبير الاقتصادي في «بنك باركليز»، بوم كي سون.
وحملت الولايات المتحدة، أخيراً، اليابان وهولندا، صانعتَي بعض أكثر المعدّات تطوّراً في العالم لتصنيع أشباه الموصلات، على توقيع عقْد يحدّ من صادرات الآلات عالية التقنية إلى الصين، غير آبهة بالضرر الكبير الذي قد تُلحقه هذه الخطوة باقتصاد البلدَين، وخصوصاً أن بكين كانت قد صُنّفت، في عامَي 2020 و2021، باعتبارها أكبر مشترٍ لمعدّات تصنيع الرقائق، وفق بيانات صادرة عن الاتحاد الصناعي «Semi». إلّا أن طوكيو وأمستردام لم تجدا بدّاً في نهاية المطاف من الامتثال لتلك الضغوط؛ إذ إن «واشنطن لديها سلطة قضائية كاملة على شركة Cymer الكائنة في سان دييغو والتابعة لـ ASML»، الهولندية الرائدة في إنتاج الجيل الجديد من آلات الطباعة الحجرية لتصنيع الرقائق، وفق مدير الأبحاث في شركة «Global Data» للتحليلات والاستشارات، جوزيب بوري. وفي تقرير نُشر على موقع الشركة، يوضح بوري أن «Cymer»، التي تأسّست عام 1986، هي التي طوّرت تقنية الليزر والطباعة الحجرية لصناعة أشباه الموصلات، وقد استحوذت «ASML» عليها في عام 2013، لكن الولايات المتحدة تستطيع تعطيل أعمال الأخيرة من خلال الأولى الموجودة على أراضيها، إذا لم تمتثل «ASML» لحظر التصدير.
مع ذلك، يرجّح الكاتب في موقع «World Politics Review»، جودا غرونشتاين، أن «تزداد التوترات الناشئة»، وخصوصاً أنه بدلاً من التنافس الفعلي مع الصين، دفعت أميركا شركاءها إلى «التوقيع على شروط عدم المنافسة»، وهو الأمر الذي ينطبق على حالة هولندا واليابان. ويبدو واضحاً، بالنسبة إلى الكاتب، أن دفْع واشنطن العالم نحو الحمائية «لن ينتهي بشكل طيّب بالنسبة إلى طموحات حلفاء أميركا التكنولوجية، وخصوصاً الشركات الصناعية العملاقة في اليابان»، أحد أهمّ مراكز صناعة الرقائق. إذ إن هذه الخطوة «ستضرّ بسوق مهمّة، وستؤثّر على عائدات أكبر الشركات الصناعية في العالم»، وفق ما تقول أنجاني تريفيدي في «بلومبرغ»، على اعتبار أن الصين تمثّل أكثر من ربع مبيعات الشركة اليابانية المصنِّعة لمعدات الرقائق «Tokyo Electron Ltd»، فيما تمثّل 20% من مبيعات شركة «Nikon Corp» لتصنيع آلات الطباعة الحجرية.
وإذ يشكّل تعزيز التحالفات في مواجهة الخصوم عنواناً رئيساً ومستمرّاً للسياسة الخارجية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، غير أن واشنطن «تُواجه اليوم تحدّياً جديداً أكثر رعباً، وهو الاستجابة الجماعية لنفوذ الصين الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي المتنامي»، وفق الكاتبَين ليندسي فورد، وجيمس غولدغير، في تقريرٍ مفصّل نُشر في معهد «بروكينغز» الأميركي. وعلى رغم أن فورد وغولدغير يشيران إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ بدأوا بالنظر بجدّية أكبر إلى التحدّيات التي تفرضها الصين، إلّا أنهما شدّدا على أن ذلك لن يكون كافياً بالنظر إلى عاملَين: الأوّل، استخدام بكين براعتها الاقتصادية، لناحية تعميق الانقسامات المحلية والدولية داخل شبكة التحالفات؛ والثاني، عدم اتّفاق الحلفاء على رأي واحد في ما يتّصل بعلاقاتهم مع الصين من جهة، أو بطريقة إدارة الولايات المتحدة للمواجهة مع الأخيرة، من جهة ثانية.