البرازيل.. لولا إلى بكين بعد واشنطن: مهمّة «ضبْط» الانحياز

البرازيل.. لولا إلى بكين بعد واشنطن: مهمّة «ضبْط» الانحياز

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٨ فبراير ٢٠٢٣

لم يكن اختيار الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الولايات المتحدة وجهة أولى لرحلاته خارج أميركا اللاتينية، بلا دلالة، وخصوصاً في ظلّ ما أظْهره الرئيس العمّالي، منذ تولّيه منصبه، من ميْل إلى مُوازنة علاقات بلاده الخارجية، وكسْر عزلتها على المسرح الدولي، واحتلال موقع وسطي، أوّلاً - على ما يبدو - من خلال تحديد شكل العلاقات مع الولايات المتحدة. من هنا، لم يكن مستغرَباً أن يشكّل ملفّا الصين والحرب الروسية على أوكرانيا عنوانَي الزيارة الرئيسَين، في ظلّ ميْل برازيليا إلى اتّخاذ موقف «الحياد» في هذَين الصراعَين. وكانت البرازيل قد دانت الغزو الروسي، لكنها رفضت، في المقابل، المشاركة في فرْض عقوبات على موسكو، وأحجمت أيضاً عن إرسال الذخيرة التي طلبها المستشار الألماني، أولاف شولتز، لدبّابات «ليوبارد - 2». كذلك، حاذر الرئيس الجديد، الذي سبق أن تولّى المنصب نفسه بين عامَي 2003 و2010، الانخراط في أيّ مبادرة أميركية يمكن أن تؤدّي إلى إيذاء روابط بلاده مع الصين، أكبر شريك تجاري للبرازيل، والتي بلغ حجم التجارة معها في عام 2022، 152.6 مليار دولار، فيما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بـ 88.8 مليار دولار.
ودعا دا سيلفا، تكراراً، إلى «مزيد من التعاون» بين البرازيل والصين وروسيا في سياق مجموعة «بريكس»، التي تضمّ إلى الدول الثلاث المذكورة، كلّاً من الهند وجنوب أفريقيا. كما أنه، على غِرار الصين وروسيا، لطالما انتقد سياسة واشنطن الخارجية، ولا سيما في ما يخصّ تدخّلاتها في أميركا اللاتينية. وبالنظر إلى التوتّرات المتصاعدة بين واشنطن من جهة، وكلٍّ من موسكو وبكين من جهة أخرى، قد يرى الرئيس البرازيلي أن الحفاظ على الودّ مع هاتَين الأخيرتَين سيقلّل من اعتماد بلاده على الجارة الشمالية. وانطلاقاً من ذلك، على ما يَظهر، كرّر لولا الذي جمعه إلى نظيره الأميركي، جو بايدن، الحديث عن حياد بلاده في ما يتّصل بالحرب في أوكرانيا، معترضاً، مرّة أخرى، على الجبهة العالمية التي تقودها واشنطن في مواجهة موسكو، فيما بدا لافتاً عدم تضمين البيان الختامي الذي صدر في أعقاب القمّة، أيّ إشارة إلى الصين، على رغم أن ما يحفّز «اهتمام واشنطن بأميركا اللاتينية، إنّما هو شبح الغزو الصيني»، وفق ما يرى الكاتب في مجلّة «فورين بوليسي» الأميركية، روشيو فابرو، فيما يشير الكاتب في مجلّة «ذا نايشن» الأميركية، أندريه باجلياريني، إلى أن «الحكومة الأميركية تتطلّع إلى الردّ على ما تَعتبره تحدّياً في مجال نفوذها المزعوم»، حيث تموّل الصين مشاريع للبنية التحتية.
على أن تطلّع دا سليفا إلى إمساك العصا من المنتصف بين الولايات المتحدة من جهة، وخصومها من جهة أخرى، لن يَسلم من العقبات والتحدّيات، فيما سيشكّل في المقابل عُقدة إضافية أمام واشنطن سيكون عليها التعامل معها، شأنها شأن المواقف الرمادية التي يدأب حلفاؤها في غير منطقة من العالم على اتّخاذها. وفي هذا الإطار، رأى السيناتور الأميركي، ماركو روبيو، أن الرئيس البرازيلي اختار الولايات المتحدة كوجهة خارجية أولى، لأن «واشنطن تظلّ الشريك المفضّل لمعظم البلدان في منطقة الأميركيّتَين، والبرازيل ليست استثناءً»، مستدرِكاً بأنه «عندما يحتاج (لولا) إلى مبالغ نقدية كبيرة من دون طرح أيّ أسئلة، فإنه يتّجه إلى الصين». من هنا، يدعو روبيو، بايدن، إلى اتّخاذ موقف حازم تجاه نظيره البرازيلي، و«محاسبته على صداقته مع الحزب الشيوعي الصيني». من جهته، أعرب الباحث في معهد «كوينسي»، نيك كليفلاند ستاوت، عن اعتقاده بأن «واشنطن تريد من برازيليا أن تُعامل بكين كخصم»، ورأى أنه «بدلاً من الضغط على البرازيل للاختيار بين أميركا والصين، سيكون من الحكمة إدراك الأميركيين أن الصين باتت قوّة دافعة وراء صنْع السياسات في المنطقة».
وبينما يُفترض أن تتّضح صورة ما يتطلّع إليه دا سيلفا من علاقته مع بكين، في الزيارة التي يقوم بها إلى الأخيرة، الشهر المقبل، فإن الرئيس البرازيلي ليس، على أيّ حال، في وارد فكّ الارتباط مع الأميركيين، بل هو أراد، وفق فيرناندا ماغنوتا، منسّق العلاقات الدولية في مؤسّسة «Armando lvares Penteado»، في ساو باولو، من خلال زيارته لواشنطن، تأكيد «علاقات البلدَين المتّزنة، والشراكة الاستراتيجية التي يتمّ من خلالها تنشيط التعاون في المجالات المركزية وتقوية التحالف المتبادل في أجندات حسّاسة في الوقت الحالي للبلدَين، مِن مِثل البيئة والدفاع عن الديموقراطية»، فضلاً عن حماية الأمازون، ومحاربة اليمين المتطرّف. ومع ذلك، سعى دا سليفا إلى الحصول على تأييدٍ أميركي لاقتراحه إنشاء مجموعة صغيرة من الدول، تضمّ الصين، للتفاوض على حلٍّ سلمي للصراع الروسي - الأوكراني، وهو ما لم يلقَ اهتماماً أميركيّاً، لكنه، على أيّ حال، أظْهر أن نهج صاحبه في السياسة الخارجية أبعدَ البرازيل، قدر الإمكان، عن الصراعات، وأتاح لها تالياً الحفاظ على قدْر من الصدقية للعمل كوسيط في المستقبل، وفق اعتقاد خبراء. أيضاً، «اقترح الرئيس البرازيلي إنشاء نادٍ لدول عدم الانحياز للوصول إلى السلام من خلال الوسائل الدبلوماسية»، وفق الكاتبة في «أتلانتيك كاونسيل»، فالنتينا سادر، التي رأت أنه يمكن دا سيلفا أن يكون «عنصراً مهمّاً في المحادثات النهائية حول حرب روسيا في أوكرانيا، وخاصة أن بلاده ستتولّى رئاسة مجموعة العشرين (G20) في عام 2024».