إيران - آذربيجان: نهاية التوتّر... قطيعة؟

إيران - آذربيجان: نهاية التوتّر... قطيعة؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٣٠ يناير ٢٠٢٣

 بلغت العلاقات الإيرانية - الآذربيجانية مستوى توتّر غير مسبوق، على خلفية الهجوم الذي استهدف سفارة باكو في طهران، والذي قالت سلطات الجمهورية الإسلامية إنه ذو «دوافع شخصية»، فيما وصفه رئيس آذربيجان، إلهام علييف، بأنه «عمل إرهابي». وعلى رغم أن العلاقات بين الجانبين لم تتّسم يوماً بـ»الود»، إلّا أنها ظلّت مضبوطة على مدى العقود التي سبقت حرب أرمينيا - آذربيجان حول قره باغ، والتي خلص اتفاق وقْفها، بعد انتصار باكو، إلى إنشاء ممرّ من شأنه أن يحرم طهران ميزة الترانزيت إلى أوروبا. وتُضاف إلى ما تَقدّم، الحميمية التي تجمع آذربيجان بإسرائيل، والتي تشكّل مصدر قلق دائم للجمهورية الإسلامية
باتت العلاقات الإيرانية - الآذربيجانية التي شهدت، على مدى الأشهر الأخيرة، تعقيدات كثيرة، أكثر تعقيداً والتهاباً في أعقاب الهجوم المسلّح الذي استهدف سفارة باكو في طهران، يوم الجمعة الماضي، فيما قدّم كل من الجانبَين روايته للحادثة، ودوافع المنفّذ. وندّدت السلطات الإيرانية بالهجوم الذي أودى بحياة أحد موظفّي السفارة الآذربيجانية وإصابة اثنين آخرين، مؤكدة أنه لا يقع في خانة «العمليات الإرهابية والممنهجة»، بل إن لدى منفذه «دوافع شخصية»، وإنه «كان يتخيّل، على خلفية نزاع عائلي، أن زوجته موجودة داخل مبنى السفارة الآذربيجانية. ولهذا السبب، أقدم على إطلاق النار». لكن الرئيس الآذربيجاني، إلهام علييف، وصف إطلاق النار هذا، بأنه «عمل إرهابي»، مطالباً بإجراء تحقيق عاجل. وفي الإطار ذاته، حمّل الناطق باسم الخارجية الآذربيجانية، إيران كامل المسؤولية، قائلاً إن «الحملة الأخيرة المناهضة لآذربيجان في وسائل الإعلام الإيرانية، شجّعت على تنفيذ الهجوم».
ولم يكن للاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسَين الإيراني إبراهيم رئيسي، ونظيره الآذربيجاني، أثر في خفض التصعيد بين الجانبَين. فبعد یوم من هذه المكالمة، تحدّثت وسائل الإعلام، أمس، عن إجلاء كامل لموظّفي سفارة آذربيجان في طهران، عملاً بتعليمات وزارة خارجية بلادهم. ونقلت وكالة «ترند» الآذربيجانية غير الرسمية للأنباء، عن مصدر مطلع، قوله، إن منفّذ الهجوم، ويدعى ياسين حسين زادة، هو مواطن إيراني يُعتقد أنه كان على صلة بـ»حرس الثورة الإسلامية». ووفق الوكالة أيضاً، فإن الحملات الواسعة المناهضة لآذربيجان في وسائل الإعلام والمكاتب الإيرانية، خلال الأشهر الأخيرة، أسفرت عن هذا الهجوم.
 
جذور التصعيد
وجاء هجوم الجمعة، على وقْع توتّر متزايد تشهده العلاقات بين إيران وجمهورية آذربيجان، إذ إن من شأنه إذكاء وتأجيج هذه التوتّرات. ولم يكن البلدان صديقين حميمين أبداً، إذ إن ملايين المواطنين الآذربيجانيين (الأتراك) في إيران وسكان جمهورية آذربيجان - ومعظمهم من الشيعة -، يقعون في مركز هذه العلاقة غير الودية نسبيّاً؛ وهي خصائص يقول كلا الطرفَين إنها تمثّل تهديداً موجّهاً من جانب الطرف الآخر إليه. وثمّة مسألة أخرى، وهي أن جمهورية آذربيجان تُعدّ حليفة وثيقة لإسرائيل، وهي استخدمت، في حرب قره باغ الثانية، من بين ما استخدمت، أسلحة اشترتها من تل أبيب، وانتصرت. وللدلالة على العلاقات الوثيقة، التقى السفير الإسرائيلي في باكو جورج ديك، مساعد الرئيس الآذربيجاني حكمت حاجييف، في أعقاب الهجوم. وأغلب الظنّ أن هذا اللقاء ليس إلّا خطوة استعراضية لإظهار الدعم من جانب حليف، لكن وفضلاً عن ذلك، قد يكون علامة على تعاون استخباري، وهو الأمر الذي لن تستسيغه طهران.
غير أن الأرضية الرئيسة للتصعيد بين طهران وباكو، تكمن في القضايا الجيوسياسية في قره باغ. إذ ثمّة خلاف قائم، منذ سنوات، بين آذربيجان وأرمينيا حول منطقة قره باغ، وهي منطقة تشترك مع إيران بحدود يبلغ طولها 28 كيلومتراً، وتخضع للسيطرة الأرمينية، ومعروفة بممرّ «زنغه زور» أيضاً. لكن باكو تعتزم، من خلال إنشاء ممرّ يمرّ من جنوب أرمينيا، الوصول إلى جمهورية نخجوان ذات الحكم الذاتي (تشكّل جزءاً من أراضي جمهورية آذربيجان)، لكي يربطها مباشرة بتركيا، لكنها ترى أن أرمينيا والجمهورية الإسلامية تشكّلان أكبر عقبة تعترض طريقها هذا. ومن شأن تفعيل هذا الممرّ البرّي الذي يحظى بدعم كل من تركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية، أن يسهّل الارتباط البرّي بين آسيا وأوروبا من دون الحاجة إلى المرور والترانزيت عبر إيران، كما يتيح لتركيا الوصول مباشرة إلى منطقة آسيا الوسطى والقوقاز. ومن شأنه أيضاً، أن يزيل الميزة الترانزيتية لإيران للتنقّل براً بين جمهورية آذربيجان ونخجوان وتركيا، وهو ما يزيد من هواجس طهران وقلقها. ومن جهة أخرى، يقلق هذه الأخيرة أن إنشاء ممرّ بين آذربيجان ونخجوان الذي يمرّ عبر حدود أرمينيا إلى إيران، سيمسّ بالارتباط البرّي بينها وبين منطقة القوقاز، وسيجعلها أكثر تبعيّة لتركيا للتواصل مع أوروبا.
ومن جهة أخرى، وفي ظلّ تكثيف العقوبات الدولية على الجمهورية الإسلامية، فإن بعض التقارير تشير إلى أن إيران تستخدم هذه الحدود الضيّقة للالتفاف على العقوبات، وهو الأمر الذي أسهم في تمتين علاقاتها مع يريفان. ويخشى مسؤولو الجمهورية الإسلامية من أن يؤدّي وجود إسرائيل وأوروبا في هذه المنطقة ودعمهم لجمهورية آذربيجان، في النهاية، إلى تغيير الحدود الاستراتيجية وفقدانها. وعلى مدى الأشهر الأخيرة، أقدمت إيران وآذربيجان على إجراء مناورات عسكرية بالتناوب في المناطق الحدودية، إذ يرى كثيرون أنها تهدف إلى توجيه رسائل للطرف الآخر.
 
انفجارات غامضة
في غضون ذلك، كانت إيران، مساء السبت، مسرحاً للعديد من الأحداث والتطوّرات في مختلف مناطقها، إذ دوّت انفجارات في مصنع لإنتاج الذخيرة التابع لوزارة الدفاع في مدينة أصفهان وسط البلاد، أكدت الوزارة وقوعها، وقالت إن أجساماً طائرة صغيرة (مُسيّرات صغيرة) هاجمت هذا المجمع التابع لها، بيد أنه تمّ إحباط الهجوم، بحيث تمّ استهداف إحدى هذه المسيّرات بنيران المضادات الجوية، وعلقت المسيّرتان الأخريان في «فخاخ دفاعية» وانفجرتا. لكن وزارة الدفاع لم تحمّل، في بيانها الذي نشر أمس، مجموعة أو دولة بعينها، مسؤولية ما جرى.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، وقعت تفجيرات ونشبت حرائق عدة في مراكز عسكرية ونووية إيرانية، إذ أكدت الحكومة، في بعض الحالات، أن هذه الانفجارات كانت متعمّدة، وهي «أعمال تخريب من صنْع قوى العدو». واتجهت الأنظار والتكهنات، في معظم هذه الاعتداءات، نحو الكيان الصهيوني، المشتبه في ضلوعه فيها، لكنه، وبحسب تقاليده المعمول بها في شأن العمليات خارج حدوده، لم يؤكد دوره في هذه التفجيرات. غير أن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين أكدوا، في تصريحاتهم بشكل عام، أن العدو نفّذ عمليات داخل إيران استهدفت برنامجها النووي والعسكري.
ووقع الانفجار في أصفهان، في الوقت الذي كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي أي»، ویلیام بیرنز، موجوداً في إسرائيل، التي من المقرّر أن يزورها أيضاً، اليوم، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
وفي الأجواء التي يكتنفها الغموض، فإن أيّ حادث يقع، يتحوّل إلى موضوع للكثير من التكهنات، بما في ذلك الحريق الهائل الذي اندلع في مصنع لإنتاج زيوت المحرّكات في أحد الأحياء الصناعية في أذر شهر في محافظة آذربايجان الشرقية شمال غربي البلاد، وبُث الخبر بالتزامن مع انفجار أصفهان، من دون أن يتّضح سبب نشوب الحريق.