تحرّك تركي لتكبيل المعارضة... والأميركيون يستعدّون للعرقلة.. أنقرة - دمشق: التطبيع سالك

تحرّك تركي لتكبيل المعارضة... والأميركيون يستعدّون للعرقلة.. أنقرة - دمشق: التطبيع سالك

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٤ يناير ٢٠٢٣

يتواصل مسار التقارب السوري - التركي، وفق خطّة العمل التي أرساها وزيرا دفاع البلدَين، بإشراف روسي وتزكية إيرانية، فيما من المفترض أن يرتقي إلى المستوى السياسي قبل نهاية شهر كانون الثاني الحالي. وعلى رغم حملات الرفض التي يثيرها هذا التقارب في الشمال السوري، إلّا أن أنقرة تبدو ماضية قُدُماً فيه وفق ما تؤشّر إليه تحرّكاتها لـ«قمع» أيّ احتجاجات يمكن أن تَخرج عن السيطرة في مناطق نفوذها. وفي ظلّ «ضيق يد» الفصائل الموالية لها، وجد زعيم تنظيم «جبهة النصرة» الفرصة سانحة للعودة إلى صدارة المشهد، والإعلان عن خطّة لـ«توحيد المعارضة» و«استمرار الحرب»، بينما بدأت واشنطن، بدورها، خطوات عملية لتضعيف أيّ نتائج يمكن أن يسفر عنها التطبيع بين أنقرة ودمشق
خطوات كبرى تنتظر التقاربَ السوري - التركي خلال الشهر الحالي، عبر تكثيف اللقاءات الأمنية بين البلدَين، والتمهيد للقاء سياسي يجمع وزيرَي خارجيتَيهما، من المقرَّر عَقده في النصف الثاني من الشهر الحالي. ويأتي ذلك بعد أن رسم لقاء وزيرَي دفاع البلدين، بحضور نظيرهما الروسي، في موسكو الأسبوع الماضي، ملامح الانفتاح والطريق الذي سيسلكه، وفق جدول أعمال محدَّد يتضمّن خطوات متبادلة، يلعب فيها العاملان الأمني والاقتصادي دوراً محورياً. وعلى خلفية تقدُّم هذا المسار، والاستياء الذي أثاره في الشمال السوري، خرج وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي استقبل وفداً من «الائتلاف السوري» المُعارِض، بتصريحات عديدة في محاولة لتهدئة الأجواء هناك، إذ أكد استمرار تمسّك بلاده بالمعارضة، والعمل على تنشيط مسار الحلّ السياسي، معتبراً أن «معظم السوريين في مناطق المعارضة يرغبون في الحلّ».
وبالتوازي مع التصريحات المتقدّمة، أطلقت الفصائل التابعة لتركيا حملة أمنية في ريف حلب، لمنع تكرار أحداث سابقة شهدتها تلك المناطق خلال الشهور الماضية، وقام خلالها متظاهرون بإحراق العلم التركي ورفْع شعارات مناوئة لأنقرة، وفق ما أفادت به مصادر معارِضة «الأخبار». وأوضحت المصادر أن هذه الحملة تُعتبر استمراراً لحملات سابقة، ضمن خطّة تهدف إلى حفظ الأمن، مبيّنة أن التوجّه التركي يقضي بعدم منْع التظاهرات بشكل كامل، وإنّما ضبطها ومنع حدوث حالات انفلات تؤدّي إلى مهاجمة نقاط تركية، أو إطلاق شعارات مناوئة للحكومة التركية والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهو «ما يتمّ تنفيذه بشكل شبه حرفي على الأرض». وكانت المعارضة (الائتلاف) التزمت الصمت بعد الإعلان عن نتائج اللقاء بين وزيرَي دفاع سوريا وتركيا، بينما استثمر زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، الموقف، وخرج مرّات عديدة بتصريحات معارِضة لهذه التحركات، معيداً الحديث عن مشروعه لـ«توحيد المعارضة»، واستمرار القتال، معتبراً الانفتاح السوري - التركي «انحرافاً خطيراً يمسّ أهداف الثورة»، وفق تعبيره.
وبالتوازي مع محاولة الجولاني استثمار المشهد السياسي لتوسيع دائرة نفوذه، التي تشمل حتى الآن إدلب ومناطق في ريف حلب من بينها عفرين، أكدت مصادر ميدانية في إدلب، لـ«الأخبار»، أن توجيهات أصدرها أمنيون في «الهيئة» لدفع الشارع إلى الخروج في تظاهرات حاشدة رفضاً للتقارب بين دمشق وأنقرة، بما يكفل خلْق مشهد مناقض للحالة التي تعيشها مناطق سيطرة الفصائل الأخرى، وبالتالي تصعيد الضغوط على الأخيرة حتى تنخرط في مشروع الجولاني.
وتُعتبر تحرّكات رجل «القاعدة» السابق في سوريا «منطقية»، بالنظر إلى جدول الأعمال السوري - التركي، والذي وضع مسألة إدلب كأولوية، ما يعني حتميّة تزايُد الضغوط التركية على الجولاني من أجل إبعاده عن الطرق الرئيسة، وأبرزها طريق حلب - اللاذقية، لضمان تمرير البضائع التركية عبر سوريا. وتُضاف إلى ما تَقدّم، المخاطر التي تُواجه «تحرير الشام» بشكل عام، في ظلّ تمسّك دمشق بتصنيفها «تنظيماً إرهابياً»، تقع مسؤولية إنهائه على أنقرة، وفق تعهّدات تركية عديدة سابقة، سواء «اتفاقية سوتشي» المُوقَّعة عام 2019، أو ملحقاتها المُوقَّعة عام 2020، أو التعهّدات اللاحقة ضمن مسار «أستانا» الروسي الذي يضمّ إيران أيضاً.
أمّا في الشرق السوري، فلا يبدو المشهد أقلّ اضطراباً، في ظلّ تركيز المباحثات السورية - التركية على الأكراد، ووضْع بند واضح لمكافحة «حزب العمال الكردستاني»، الذي تصنّف تركيا حزب «الاتحاد الديموقراطي»، قائد «قسد» (قوات سوريا الديموقراطية) و«الإدارة الذاتية»، امتداداً له. وعلى هذه الخلفية، سَجّل قياديون في «قسد» و«مسد» (مجلس سوريا الديموقراطي - الذراع السياسية لقسد) تصريحات عديدة تطالب واشنطن بعرقلة الانفتاح بين أنقرة ودمشق، على اعتبار أنه يهدّد بالدرجة الأولى الوجود الأميركي، بما يشكّله هذا الأخير من ستار يتحصّن وراءه مشروع «الذاتية». وفي وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة، بالفعل، رفْضها خطوات التطبيع السوري - التركي، فقد نشّطت عملياتها الميدانية على الأرض لملاحقة مقاتلي تنظيم «داعش»، متعمّدة أن يتّخذ ذلك شكلاً استعراضياً يبرّر زيادة تحرّكاتها الميدانية في الرقة وفي منطقة التنف، ومتطلّعةً من ورائه إلى تحصين وجودها في سوريا، والحدّ من الآثار المتوقعة للانفتاح بين السوريين والأتراك، خصوصاً في ظلّ إعلان الأخيرين اتّباع تكتيكات جديدة في محاربة القوى الكردية، تستهدف في المقام الأوّل مصادر تمويلها (خطوط تهريب النفط ومراكز تكريره البدائية).
وبالإضافة إلى التحرّكات الميدانية، بدا لافتاً تمرير استثناءات جديدة من قانون العقوبات الأميركية (قيصر) لعمل عدد من المنظمات، بهدف توزيع الأعباء الاقتصادية وفتْح مجالات جديدة لتمرير المساعدات. ويأتي ذلك وسط إصرار موسكو على ربط ملفّ المعونات الإنسانية بزيادة تمويل مشاريع التعافي المبكر، بما من شأنه توفير البيئة المناسبة لتوسيع دائرة إعادة اللاجئين السوريين. وإذ ترفض واشنطن الاستجابة لهذا الربط، فهي لم تجد بدّاً من البحث عن منافذ أخرى لتمرير المساعدات، على رأسها منفذٌ عبر كردستان العراق، يُفترض أن يجَري منه نقْلها إلى مناطق نفوذ تركيا في الشمال السوري. والظاهر أن الولايات المتحدة تعوّل على هذا المعبر بالذات، لتمهيد الأرض لفتح قنوات التواصل بين مناطق «الإدارة الذاتية» ومناطق سيطرة الفصائل، خصوصاً مع تصاعد المزاج الرافض في هذه الأخيرة للتقارب بين أنقرة ودمشق. غير أن معوّقات عديدة تواجه التحرّك الأميركي في الاتّجاه المذكور، أبرزها الإجراءات الميدانية التركية، والتي تنذر بتكثيف العمل العسكري ضدّ «قسد»، ما يعني استمرار إشعال خطوط التماس.