أوّل اقتحام إسرائيلي رسمي لـ«الأقصى»: العدو يتلاعب بصواعق القدس

أوّل اقتحام إسرائيلي رسمي لـ«الأقصى»: العدو يتلاعب بصواعق القدس

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٤ يناير ٢٠٢٣

على رغم إعلانه تراجعه عن خطوته، وتتالي التحذيرات الفلسطينية والعربية والدولية من مغبّتها، عاد الوزير الإسرائيلي المتطرّف، إيتمار بن غفير، ليقتحم المسجد الأقصى في الساعات الأولى من صباح أمس. اقتحامٌ بدا كفيلاً برسم بعضٍ من معالم العام الجديد الذي افتتحه الفلسطينيون، والذي يبدو أنه سيكون حاسماً ومفصلياً، ودموياً كذلك في ظلّ تصاعد السياسات العدوانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلّة. وعلى رغم الطابع الاستعراضي لهذه الخطوة أمام جمهور «الصهيونية الدينية»، إلّا أن تزكيتها من قِبَل المؤسّستَين السياسية والأمنية، واندراجها في إطار برنامج متكامل لاقتلاع الفلسطينيين والدوس على مقدّساتهم، يُنبئان بأنها قد تتكرّر وتجرّ معها خطوات أكثر خطورة، وهو ما تَعيه المقاومة جيّداً، واضعةً إيّاه على طاولة التحدّيات الماثلة أمامها في سنة 2023
تّضحت باكراً ملامح العام الجديد، الذي يبدو أنه سيكون بالنسبة إلى الفلسطينيين حاسماً ومفصلياً، ودموياً كذلك، بعد تولّي حكومة اليمين الفاشي دفّة الحُكم في إسرائيل، حيث لم تتردّد تلك الحكومة في تسريع مخطّطاتها العدوانية والاستيطانية، والتي تُعدّ جميعها بمثابة صواعق لانفجار الوضع الفلسطيني برمّته. ومع أوّل 72 ساعة من سنة 2023، شيّع الفلسطينيون 3 شهداء ارتقوا برصاص الاحتلال في جنين وبيت لحم، فيما جرى تفجير منزلَي شهيدَين في جنين، وشهدت مدن وبلدات عدّة في الضفة الغربية اشتباكات مسلّحة، وسُجّل فشل أكثر من عملية عسكرية إسرائيلية في جنين ونابلس لاعتقال مطلوبين أو اغتيالهم. لكنّ التصعيد الأبرز الذي أطلق جرس الإنذار من تدهور الأوضاع الأمنية، تَمثّل في اقتحام وزير الأمن القومي المتطرّف، إيتمار بن غفير، المسجد الأقصى فجر الثلاثاء، والذي تَبِعه اقتحام قوّات الاحتلال مسجد قبّة الصخرة، على الرغم من التحذيرات العربية والدولية من مغبّة هذه الخطوة.
وفيما لا تزال تهديدات المقاومة إزاء ذلك التصعيد حاضرة على الطاولة، تتالت ردود الفعل الرافضة له في الداخل الإسرائيلي أيضاً، إذ قال رئيس حكومة الاحتلال السابق، يائير لبيد: «هذا ما يَحدث عندما يضطرّ رئيس وزراء ضعيف إلى تكليف أكثر رجل غير مسؤول في الشرق الأوسط، بالمكان الأكثر تفجّراً في المنطقة»، في حين اعتبر عضو «الكنيست»، نعما لازيمي، أن «ما يَهمّ بن غفير ليس الأمن القومي، بل السلطة والسيطرة من خلال إجراءات تؤدّي إلى العنف وإراقة الدماء، يجب أن نبذل قصارى جهدنا لمنع هذا المجنون من تهديد الأمن القومي، وجعْلنا ندفع ثمناً باهظاً لاستفزازاته». ورأت صحيفة «هآرتس» العبرية، بدورها، أن «حاجة بن غفير الماسّة إلى التقاط الصور ونشْر الابتسامات التي لا معنى لها، لإظهار السيادة على وجه التحديد في واحد من أقدس الأماكن للفلسطينيين، هي إصبع ليست في عين الفلسطينيين فقط، ولكن كلّ إسرائيلي أيضاً».
ويُعدّ الاقتحام الذي باشره بن غفير، واستمرّ لمدّة 12 دقيقة بعد ساعات من إعلانه تراجعه عن هذه الخطوة، أوّل اقتحام من جانب شخصية حكومية إسرائيلية للأقصى منذ 20 عاماً، وهو قد يحمل مؤشّرات حقيقية إلى نوايا حكومة اليمين إزاء المسجد، وذلك بالتنسيق مع جمعيات الهيكل، التي وفّرت الدعم لقادة «الصهيونية الدينية» في الانتخابات. وتكمن خطورة هذا التصعيد، الذي يمثّل تغيّراً كبيراً في سياسة الاحتلال عمّا كان سائداً خلال السنوات الماضية، في أنه أصبح رسمياً؛ فلأوّل مرّة، يُقدِم وزير في حكومة إسرائيلية على هكذا خطوة، ما يدلّل على تبنّي الحكومة الحالية مواقف اليمين الفاشي وتوجّهاته. وعلى رغم أن تصرّف بن غفير لا يخلو من الاستعراض أمام جمهوره، إلّا أنه قد يؤسّس لاقتحامات مستقبلية، إلى جانب المُضيّ قُدُماً في خطّة التقسيم الزماني والمكاني، من خلال زيادة عدد الدقائق المسموح للمستوطِنين خلالها باستباحة الأقصى، وعدد الأمكنة والبوّابات التي يُتاح لهم الدخول منها وإليها.
وتدرك جماعات الهيكل التغيّرات التي طرأت على بُنية حكومة الاحتلال، وهي تشعر أنها باتت أقوى من أيّ وقت مضى، وقادرة على تحقيق ما عجزت عنه خلال السنوات الماضية. وانطلاقاً من ذلك، فقد وجّه «مجلس السنهدرين الجديد» (المؤسّسة الحاخامية المركزية لجماعات الهيكل الاستيطانية المتطرّفة) رسالة إلى مفوّض الشرطة الإسرائيلية في القدس، يَطلب فيها تحديد جلسة استماع مباشرة مع بن غفير لإطلاعه على مطالب تلك الجماعات، واستكشاف موقف الحكومة والشرطة منها. وبحسب الإعلام العبري، فقد تضمّنت الرسالة 11 مطلباً، وهي: تمديد ساعات اقتحام المتطرّفين للمسجد، والسماح للمستوطِنين المقتحِمين بأداء كامل الصلوات والطقوس التوراتية داخله، وفتْح الباب للاقتحامات طيلة أيام الأسبوع، وعدم إغلاق الأقصى بوجه المستوطِنين يومَي الجمعة والسبت، والسماح بإدخال ما يسمّونها «الأدوات المقدسة» إلى الحرم، بما يشمل رداء الصلاة والقبعة ولفائف التوراة وتابوت العهد والأبواق والقرابين النباتية والحيوانية، وتحديد موقع لبناء كنيس يهودي داخل الأقصى، وإنهاء مرافقة الشرطة للمتطرّفين خلال اقتحاماتهم، والسماح بالاقتحامات من جميع الأبواب وعدم قصْرها على باب المغاربة الذي تسيطر عليه سلطات العدو منذ احتلال شرقي القدس عام 1967، وعدم إغلاق المسجد أمام المقتحمين خلال المناسبات الإسلامية، وإعلان «الحق المتساوي» لجميع الأديان في الأقصى، وإلغاء سياسة الإبعاد عنه بحق اليهود.
في المقابل، يتابع الفلسطينيون بغضب التطوّرات الجارية في المسجد الأقصى، بعدما كانت المقاومة بعثت إلى حكومة الاحتلال، عبر الأمم المتحدة ومصر، برسائل شديدة اللهجة مفادها أنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال أيّ تغيير لـ«الوضع القائم» في المسجد، فيما حذّر الوسيطان المذكوران، تل أبيب، من أنهما قد يعجزان عن التأثير على الفصائل، وتحديداً على حركة «حماس»، لالتزام الهدوء. وسواء جاء ردّ المقاومة سريعاً أو لم يأتِ، إلّا أن الاقتحام يُعدّ من صواعق الانفجار، ويضيف عدّة نقاط لتقريب المواجهة القادمة، كونه يندرج في سياق برنامج كامل لحكومة اليمين، هو أقرب ما يكون إلى برنامج إعلان حرب على الفلسطينيين على طول فلسطين التاريخية، كما أنه حظي بمباركة المستوى السياسي ممثَّلاً برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والمؤسّسة الاستخباراتية ممثَّلة برئيس «الشاباك» رونين بار، وإنْ كانت بشروط كأنْ يكون الاقتحام باكراً، وأن لا يتخلّله أداء الصلاة أو الطقوس التلمودية. ولربّما تريد حكومة الاحتلال جسّ نبْض الفلسطينيين إزاء هذه الخطوة، حتى تقيس ردود أفعالهم عند أيّ خطوة مشابهة مستقبلاً. لكنها في الوقت نفسه تأخذ تحذيرات المقاومة على محمل الجدّ؛ إذ أعلنت المنظومة الأمنية رفْع حالة التأهّب بعد تهديدات «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وسط مخاوف من إطلاق صواريخ من قطاع غزة، فيما أبلغت الولايات المتحدة، حكومة نتنياهو، معارضتها أيّ إجراء من شأنه «المساس بالوضع الراهن في الأماكن المقدّسة في القدس».
ويتزامن التصعيد في القدس مع استمرار حالة المقاومة والاشتباك في الضفة الغربية وتحديداً في جنين ونابلس، إذ استطاعت المقاومة، أمس، إفشال هجوم إسرائيلي على مدينة جنين لاعتقال اثنَين من المقاومين، بعد اكتشاف قوّة خاصة تسلّلت إلى المدينة. كما شهدت طوباس، في الوقت نفسه، اشتباكات مسلّحة بين قوات الاحتلال والمقاومين الذين استهدفوها بالرصاص خلال انسحابها من المدينة. وفي نابلس، استهدف المقاومون جنود العدو أثناء اقتحامهم قرية كفر قليل ومنطقة الضاحية، توازياً مع ضربْهم إيّاهم في محيط مخيم بلاطة. واعترفت المصادر العسكرية الإسرائيلية بإصابة جندي بجروح طفيفة جرّاء إصابته بشظية طلقة نارية، بعد أن تعرّضت قوات الاحتلال في مدينة جنين لإطلاق نار وإلقاء عبوات، بينما شهد مخيم الدهيشة للاجئين مواجهات عنيفة أُلقيت خلالها عبوات ناسفة وزجاجات حارقة تجاه جنود العدو، وأسفرت عن استشهاد الطفل آدم عباد. ويأتي ذلك في وقت تَواصلت فيه عمليات المقاومة في الضفة مع بداية العام الجديد، حيث سُجّل 28 عملاً مقاوماً خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، بينها 8 عمليات إطلاق نار. كما وثّق «مركز المعلومات الفلسطيني - معطى» تفجير 5 عبوات ناسفة، وإلقاء زجاجة حارقة صوب قوات الاحتلال، والتصدّي لاعتداءات المستوطِنين، إلى جانب تحطيم مركبتَين تابعتَين للمستوطِنين.