مشروع محاكمة ترامب: وصْفة ديموقراطية لـ«التطهر»

مشروع محاكمة ترامب: وصْفة ديموقراطية لـ«التطهر»

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٢

لفترة من الوقت، حاول الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، تصوير مجمل التحقيقات والدعاوى القضائيّة الجنائيّة والمدنية الموجّهة ضدّه، كجزء من «مطاردة الساحرات» الحزبيّة التي يتمثّل هدفها النهائي في إحباط محاولته العودة إلى السلطة. وإنْ كانت إدارة جو بايدن «تسعى جاهدة إلى عدم تسييس هذه العملية»، إلّا أن الخلاصات التي خرجت بها لجنة التحقيق البرلمانية في أحداث «الكابيتول»، تُظهر تسييساً لا لَبس فيه، ومحاولة من جانب الحزب الديموقراطي المشرف على التحقيق، لتحميل ترامب منفرداً تبعات العنف السياسي المتفشّي في الولايات المتحدة، والخدوش العميقة التي أصابت الديموقراطية الأميركية في ذلك اليوم
لا تزال مفاعيل هجوم السادس من كانون الثاني 2021، على مبنى «الكابيتول» مستمرّة، فيما تَمضي قُدُماً مساعي إدانة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لتحميله منفرداً تبعات العنف السياسي المتفشّي في الولايات المتحدة، والخدوش العميقة التي أصابت الديموقراطية الأميركية في ذلك اليوم، الذي تُوازي تداعياته، كما يقول بعض المعلّقين، تداعيات هجمات الحادي عشر من أيلول. وفي بلد منشطر على أُسس حزبية، لن تصوّب مخرجات لجنة تحقيق السادس من كانون الثاني البرلمانية، وغالبية أعضائها من الحزب الديموقراطي، الاعوجاج الذي أصاب عميقاً النظام السياسي، ولن تزيد أنصار ترامب المصرّين على تبنّي رواية تزوير الانتخابات وسرقتها، إلّا تمسُّكاً بزعيمهم.
بعد تحقيقات تواصلت على مدى 18 شهراً، أوصت لجنة التحقيق البرلمانية في الهجوم على مبنى «الكابيتول» (لا تمتلك سلطة مباشَرة الملاحقات الجنائية، ولا تتعدّى صلاحياتها رفْع توصية في هذا الصدد إلى وزارة العدل المخوّلة وحدها توجيه اتهامات إلى الرئيس الأميركي السابق)، بإجماع أعضائها التسعة، وهم سبعة ديموقراطيين وجمهوريان معاديان لترامب، بإطلاق ملاحقات جنائية في حقّ الأخير، تشمل إحداها «الدعوة إلى العصيان»، والتي تُعدُّ التهمة الأخطر التي قد تُوجَّه إلى الرئيس السابق. وفي حين أن هذه التوصيات غير الملزمة - تُعدّ تاريخية لكوْنها تستهدف رئيساً سابقاً للبلاد - لا تَحمِل وزناً قانونياً، فقد تنظر وزارة العدل فيها كجزء من تحقيقها الذي يقوده مدّعٍ خاص في سلوك ترامب بعد انتخابات عام 2020. وتسعى اللجنة، من وراء إحالاتها الأربع، إلى إثبات أن ترامب كان «في قلب» ما حدث، عندما هاجم أنصاره، يوم السادس من كانون الثاني العام الماضي، مقرّ الكونغرس في واشنطن لوقْف جلسة المصادَقة على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. وما هي إلّا ساعات حتى دان ترامب «الملاحقات الزائفة»، وقال، في منشور على منصّته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشل»، إن «كلّ هذه الأفعال الرامية إلى ملاحقتي، هي على غرار محاكمة عزلي - محاولة فئوية لإقصائي، أنا والحزب الجمهوري» من الانتخابات الرئاسية المقبلة، مضيفاً: «لا يدرك هؤلاء الأشخاص أنه عندما يقتصّون مني، يحتشد حولي كلّ محبّي الحرية. وهذا يعزّزني». والملاحقات الأربع التي أوصى بها أعضاء اللجنة، هي: جريمة دعوة إلى العصيان، والتي تتعلّق بالتحريض أو المساعدة أو الانخراط في «أيّ تمرُّد ضدّ السلطة في الولايات المتحدة»، إذ جادلت اللجنة بأن ترامب شجّع أنصاره على القدوم إلى واشنطن وإحداث فوضى، ومع استمرار الهجوم، فشل في اتّخاذ الإجراءات المناسبة لإنهاء العنف؛ مؤامرة ضدّ الدولة الأميركية: تعتقد اللجنة أن ترامب عمل مع آخرين لعرقلة عمل الحكومة الأميركية وتضليل الجمهور حول نتائج انتخابات 2020؛ عرقلة آلية رسمية (المصادقة على نتائج انتخابات رئاسية): أوصت اللجنة بهذه التهمة لأنها تعتقد أن الرئيس السابق حاول، مراراً، وقْف أو تقويض مصادقة الكونغرس على نتائج الانتخابات في الأسابيع التي سبقت السادس من كانون الثاني؛ تصريحات كاذبة: تزعم اللجنة أن ترامب وداعميه خطّطوا لتقديم قائمة بالناخبين المزيّفين في الولايات المتأرجحة الرئيسة، والذين كانوا سيعطونه الرئاسة في تحدٍّ لنتائج الانتخابات. وفي حال أُدين ترامب بالجرائم المُشار إليها، فقد يواجه إلى جانب الغرامات المالية الضخمة، السجن لمدّة تصل إلى 20 عاماً، كما سيُمنع من الترشُّح لأيّ منصب سياسي في المستقبل.
هذه الخلاصات الصادرة عن اللجنة، زادت الضغوط على وزير العدل، ميريك غارلند، ليوجّه التهمة جنائيّاً إلى الرئيس الجمهوري السابق. وإذ يدرك غارلند أنه لم يسبق أن وُجّه اتهام جنائي إلى رئيس سابق في تاريخ الولايات المتحدة، فإنه سيحرص على التأكّد من أنه يمتلك ملفاً متيناً قبل أن يُقدِم على أيّ تحرُّك، ذلك أن إدانة ترامب ستنال من سمعة الحياد التي حرص على المحافظة عليها طوال مسيرته المهنية. لهذا، أقدم، في 18 تشرين الثاني الماضي، على تعيين جاك سميث مدّعياً عاماً مستقلّاً وكلّفه دراسة دور الرئيس السابق، خصوصاً في أحداث السادس من كانون الثاني. وتولّى سميث مهمّة باشرها عشرات المدعين العامين الفيدراليين وعناصر من «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (أف بي آي) الذين جمعوا كميات كبيرة من العناصر حول مناورات الرئيس الجمهوري السابق للطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية، وتحرّكات أنصاره التي أفضت إلى أحداث «الكابيتول»؛ وبنتيجة هذه المهمّة، سيحكم عندها ما إنْ كان ثمة مسوّغ قانوني لملاحقة الملياردير الجمهوري من عدمه. وينظر سميث أيضاً في تحقيقَين اتحاديَّين آخرين في حقّ ترامب يتعلّقان بمحاولته قلْب هزيمته في انتخابات عام 2020، ونقل ملفّات سريّة من البيت الأبيض. وفي ما يؤكد إصرار الحزب الديموقراطي على ملاحقة ترامب تعطيلاً لحظوظه في الدورات الرئاسية المقبلة، صوّتت لجنة في مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء، لمصلحة نشْر التصاريح الضريبية للرئيس السابق الذي خاض معركة قضائية ضارية استمرّت سنوات عدّة لإبقاء إقراراته الضريبية طيّ الكتمان، مخالفاً بذلك تقليداً اتّبعه كلّ أسلافه منذ سبعينيات القرن الماضي.
تقول إدارة جو بايدن إن السلطة التنفيذية «تسعى جاهدة إلى عدم تسييس هذه العملية»، على رغم أن لجنة التحقيق المناهضة لترامب سعت، من خلال تسليط الضوء على سلوك الرئيس السابق ومواقفه قبل وأثناء السادس من كانون الثاني 2021، إلى إثبات أن رفْضه لنتائج الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني 2020 لم يكن مجرّد ردّ فعل على هزيمته، بل كان عنصراً أساسياً في استراتيجية مدروسة للبقاء في السلطة. وسبق لبيني تومسون، رئيس لجنة التحقيق البرلمانية، أن قال إن ترامب «كان في قلْب محاولة الانقلاب».