نتنياهو في «حيص بيص»: إرضاء الفاشيين لا يزال أولوية

نتنياهو في «حيص بيص»: إرضاء الفاشيين لا يزال أولوية

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

الحديثُ عن سهولة تشكيل الحكومة الإسرائيلية، على أساس ما تراءى للبعض لدى صدور نتائج انتخابات «الكنيست» بداية الشهر الجاري، يبدو اليوم مباَلغاً فيه، وهو ما تُجلّيه العقبات التي تعترض طريق تشكيل هذه الحكومة، نتيجةَ الخلافات بين مكوّناتها، من دون أن ينفي ذلك احتمال النجاح في تأليفها في نهاية المطاف. على أن أهمّ ما يكشفه مشهد المفاوضات الحالية، هو التداعيات المتوقّعة لولادة الائتلاف العتيد برئاسة بنيامين نتنياهو، والذي سيكون التطرّف والفاشية سمتَيه الغالبتَين، الأمر الذي يجيز َتوقّع مزيد من الانقسامات في الداخل الإسرائيلي، فضلاً عن اختبارات وتحدّيات مشبَعة بالتهديدات على الساحة الفلسطينية والساحات الخارجية. إزاء ذلك، ثمّة احتمالان: إمّا أن تتثبّت الصورة الإسرائيلية الفاشية كما هي في العلن، ومن دون أيّ تليين أو تجميل، وإمّا أن تعود الحياة السياسية إلى «المكان التطرّفي» المعتاد، أي أن تكون بصورة أقلّ تعبيراً عمّا هو قائم بالفعل. في هذا المجال، قد تكفي الإشارة إلى ما ورد على لسان المرشّح لتولّي وزارة الأمن، رئيس حزب «الصهيونية الدينية»، بتسلئيل سموتريتش، الذي اعتبر، أمس، أن منظّمات حقوق الإنسان تشكّل «تهديداً وجوديّاً لدولة إسرائيل» - على رغم أن هذه الأخيرة لا تتجاوز مساعداتها للجانب الفلسطيني حدوداً خجولة جدّاً -، للتدليل على ما يدور في ذهن هؤلاء، والذي لن يقتصر إنفاذه على الفلسطينيين، بل سيطاول طيفاً واسعاً من الإسرائيليين أنفسهم، الذين لا يتناغمون مع التطرّف كما تريده «الصهيونية الدينية».
 
ولطالما اشتغلت إسرائيل، عبر حكوماتها المتعاقِبة، على قضْم الحقّ الفلسطيني بما تسمح لها إمكاناتها، فيما أرجأت ما لم تَقدر عليه إلى ظروف تكون أكثر ملاءمة، من دون أن تُلغيه. بتعبير آخر، كانت دولة الاحتلال تُفاضل بين الفائدة والأثمان؛ وبناءً على النتيجة، تحدّد أفعالها. لكن اعتبار الآخر، لمجرّد وجوده، «تهديداً وجودياً» للكيان، يعني أنه لا مكان للمفاضلة، وأن إزالة «التهديد» باتت مطلباً بغضّ النظر عن الكلفة داخلية كانت أم خارجية، وأيضاً عن الضرر تكتيكيّاً كان أم استراتيجيّاً. ولعلّ هذا يمثّل واحداً من أهمّ الاختلافات بين الحكومات الإسرائيلية السابقة، وبين الحكومة المقبلة التي ترى إلى وجوب هدْر حقوق الفلسطينيين واستباحة أصولهم وممتلكاتهم وطرْدهم، مهما كانت التبعات. على هذه الخلفية، يدير نتنياهو مفاوضاته الائتلافية مع الأحزاب الدينية واليمينية الفاشية، محاولاً الحدّ من تأثيرات الأخيرة على القرارات الإسرائيلية ذات الصلة، في مواجهة إصرارها على تولّي حقائب ومسؤوليات حسّاسة ووازنة، فهل سينجح في إبعادها عن دوائر القرار ما أمكنه ذلك، أم أنه سيرضخ لشروطها كما هي في نهاية المطاف؟
يسعى نتنياهو إلى تشكيل حكومة تكون قادرة على المناورة بين التطرّف ومتطلّباته، وبين تبعاته الداخلية والخارجية. وهو يجد صعوبة، حتى الآن، في تلبية مطالب شركائه، وعلى رأسهم «الصهيونية الدينية» التي يمثّلها حزبا «الصهيونية الدينية» و«القوّة اليهودية»، برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير على التوالي. ويضع الحزبان على رأس سُلّم أولوياتهما سلْب الأرض الفلسطينية وطرْد أهلها منها، مع «تعزيز الهوية اليهودية» للكيان، وهو التعبير الملطّف للعنصرية في مواجهة كلّ ما هو غير يهودي، وحتى اليهود من المذاهب الأخرى، وعلى رأسهم اليهود في شمال أميركا، حيث الأكثرية اليهودية الساحقة خارج إسرائيل. ويريد أصحاب هذا التطرّف الإمساك بالقرار الأمني والعسكري، وكذلك الاقتصادي والمالي، وكلّ ما يرتبط بالاستيطان وتعزيزه، عبر تولّي وزارات مِن مِثل الأمن، المالية، الأمن الداخلي، الداخلية، الإسكان، الرفاه، تطوير النقب والجليل، التعليم، الهجرة والاستيعاب، وكلّ ما من شأنه تعزيز العنصرية إزاء الفلسطينيين وحتى اليهود «غير الأسوياء» تماماً، وفقاً للمذهب الأرثوذكسي السائد في إسرائيل.
في الموازاة، يواجه نتنياهو مطالب متطرّفة أيضاً من الأحزاب «الحريدية»، غير المتطابقة في تطرّفها مع «الصهيونية الدينية» والمشكَّلة من «شاس» و«يهودت هتوراه». وتتمثّل مطالب هذه الأحزاب في مناصب ومراكز تتيح لها تعزيز مكانتها واستدامة معتقداتها وسلوكياتها، وحمايتها من أيّ أضرار يسعى العلمانيون في إسرائيل إلى إلحاقها بها. وعلى هذه الخلفية، تجتهد في الحصول على وزارات المال، الصحة، الرفاه، الاستيعاب، الداخلية، الإسكان، وغيرها، الأمر الذي يتناقض، في قدْر منه، مع مطالب «الصهيونية الدينية». كذلك، تَمثل أمام الرئيس المكلّف مطالب حزبه الخاص، «الليكود»، الذي يرى أقطابه، على كثرتهم، أن تلبية مطالب المتديّنين لا تُبقي لهم أيّ حقائب وزارية وازنة، وهو ما يمثّل «وجع رأس» غير سهل لنتنياهو، ليس في مرحلة التشكيل فحسب، بل أيضاً في اليوم الذي يلي، حيث للأجندة الشخصية لديه مكان متقدِّم، ومن بينها خَلاصه من قوس المحكمة التي تهدّد مستقبله السياسي وربّما الشخصي، على خلفية دعاوى الرشى والفساد.
كيف لنتنياهو أن يوفّق إذاً بين التناقضات؟ المهمّة ليست سهلة، وإن لم تكن محكومة بالفشل. إذ إن الجميع، بمَن فيهم «الليكود»، وكذلك «الصهيونية الدينية» و«الحريديم»، يدركون أن التوجّه إلى انتخابات مبكرة لا يعني بالضرورة الإبقاء على الأكثرية في «الكنيست» بيد المعسكر اليميني - الديني، ما يعني بالتبعيّة وجود خشية من الذهاب مجدّداً إلى صناديق الاقتراع، والاندفاع في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة عبر تسويات وتنازلات متبادَلة، بخاصّة وأن المهلة القانونية لتشكيل الحكومة ما زالت كبيرة نسبيّاً، ويمكن نتنياهو أن يطلب تمديدها وإنْ لمرّة واحدة. وإذ تبدو حظوظ نتنياهو كبيرة، فإن تشكيلة حكومته العتيدة تحتمل أكثر من وجه، من دون أن يلغي أيّ منها الحضور الطاغي للفاشيين.
يبقى السؤال الأكثر حضوراً لدى الخبراء في إسرائيل وخارجها: هل الحكومة الفاشية، الكاملة أم النسبية، ستضرّ بالفلسطينيين فحسب، أم أن ضررها سينسحب كذلك على الداخل الإسرائيلي، وعلى صورة إسرائيل التي ستَظهر كدولة عنصرية فاشية على غرار دول أخرى حكمت على نفسها بالتقزّم نتيجة عنصريّتها؟ وماذا إن أجادت إسرائيل التعبير عن فاشيّتها كما هي، من دون تبعات حقيقية على كيانها السياسي؟