أنقرة - دمشق: مسار التطبيع لم يَمُت

أنقرة - دمشق: مسار التطبيع لم يَمُت

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٨ نوفمبر ٢٠٢٢

| يوماً بعد آخر، تتبلور نتائج الحوار التركي - السوري الذي لا يزال مقتصراً إلى الآن على المستوى الأمني، فيما تأمل روسيا دفعه إلى المستوى السياسي، بهدف إنهاء القطيعة التي امتدّت لأكثر من 11 عاماً بين البلدَين. وتَجلّى جانبٌ من هذه النتائج في الخطوات التي بدأ كلّ من الطرفَين باتّخاذها في إطار «بناء الثقة»، سواء من خلال إلزام تركيا الفصائل المسلّحة الموالية لها بفتْح أبواب المعابر بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة الدولة السورية، أمام الراغبين في العودة إلى مدنهم وبلداتهم، أو من طريق إلغاء الحكومة السورية إجراءات أمنية كانت متّبعة سابقاً، تشجيعاً لعودة النازحين. وفي هذا السياق، صدر تعميم أمني بإلغاء المراجعات الأمنية للسوريين الحاصلين على الجنسية التركية، بعد أن كانت تشترط الجهات الأمنية مراجعتهم لها إثر دخولهم إلى البلاد. ويتكامل ذلك الإجراء مع تشريع الباب أمام أهالي معرة النعمان في ريف إدلب للعودة إلى منازلهم، ودعم خطّة خدمية لإعادة الحياة إلى المدينة بعد نحو ثلاث سنوات من استعادة القوّات السورية إيّاها، فضلاً عن تمهيد الحكومة الأرض لتسوية أوضاع الأهالي في إدلب وريف حماة وريف دمشق، بالإضافة إلى تَواصل تلك التسويات في كلّ من ريف حلب ودير الزور والرقة.
وتُعدّ هذه الإجراءات بمثابة خطوات أوّلية على طريق المصالحة السورية - التركية، والتي يبدو أن ثمّة نقطة تقاطع بين الطرفَين للولوج إليها، متمثّلة في معالجة ملفّ اللاجئين، الذي يريد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، التخلّص من عبئه على أبواب الانتخابات الرئاسية، فيما تتطلّع دمشق من جهتها إلى تثبيت الاستقرار في المناطق المستعادة، من خلال حلحلته. وعلى رغم أهمّية هذا الملفّ في مسار تطبيع العلاقات، إلّا أن الحكومة السورية لا تزال تُبدي حذراً إزاء ذلك المسار، خصوصاً أن مسألة الانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية هي مثار خلاف كبير، وأن موافقة أنقرة على إنهائها تستوجب إزالة مخاوفها الأمنية من وجود «قسد» على الحدود، من دون الانزلاق إلى أيّ مواجهات عسكرية. ولذا، حرص الجانب السوري على خوْض مفاوضات غير مباشرة وغير معلَنة مع «الإدارة الذاتية» في كلّ من الحسكة ودمشق، في محاولة للتوصّل إلى تفاهمات، تتيح إقفال ملفّ الشمال السوري سلمياً، بما يشمل حماية الشريط الحدودي الشمالي من أيّ اعتداء تركي جديد، وهو ما يفسّر التعزيزات العسكرية التي أُرسلت إلى هناك خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. في المقابل، يَظهر الحرص السوري، في كلّ الحوارات مع «قسد»، على ضرورة تعهُّد الأخيرة بفكّ ارتباطها مع الأميركيين حال التوافق على المحدّدات الأساسية للحلّ، وإلغاء شرطها الاعتراف بكيانها دستورياً قبل الدخول في أيّ ترتيبات للوضع. وإذ تدرك دمشق أن «قسد» لن تلبّي تلك المطالب من دون ثمن، فهي تعزّز انفتاحها على الأحزاب الكردية، وتبحث في مطالبها الممكنة التحقيق، من خارج الخطوط الحمراء السورية، المتعلّقة بسيادة الدولة على كامل أراضيها.
وفي هذا المجال، تَكشف مصادر سورية مطّلعة على مسار الحوار بين الحكومة و«قسد»، أن «لقاءات عديدة جرت في الحسكة بين ممثّلين عن الإدارة الذاتية و24 حزباً كردياً ناشطاً في المنطقة، وبين مسؤولين حكوميين سوريين في الحسكة، للاطّلاع على مطالب تلك الأحزاب، ومحاولة خلْق خطّ حوار محلّي، ينطلق بداية من الحسكة، مع إمكانية تطويره لاحقاً لعقد لقاءات مباشرة في دمشق». وتؤكد المصادر أن «دمشق منفتحة على الحوار مع كلّ الأطراف، وتريد دائماً إزالة كلّ المخاوف، للوصول إلى حوار وطني مع قسد وغيرها، وإنهاء ملفّات شديدة التعقيد، في شمال وشرق البلاد»، مستدرِكةً بأن «الحوارات لم تصل إلى نتائج حتى الآن، لكن مجرّد وجودها هو أمر مشجّع ويُبنى عليه». وترفض «ربْط الحوار مع قسد والأحزاب الكردية المختلفة بملفّ المصالحة السورية - التركية»، موضحةً أن «لكلّ منطقة خصوصيتها، مع وجود ملفّات تربط التسويات في الشمال بالشرق، وبالعكس»، مؤكّدةً أن «الدولة السورية متمسّكة بالحوار، وتسعى بشكل متواصل وبدعم من الأصدقاء الروس للوصول إلى حلول سياسية، تُنهي الحرب المستمرّة في البلاد منذ أكثر من 11 عاماً».