المستوطِنون يقرّعون جيشهم: مَن لِحمايتنا؟

المستوطِنون يقرّعون جيشهم: مَن لِحمايتنا؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢١ أكتوبر ٢٠٢٢

«إن أكثر ما يعرّض إسرائيل للخطر هو غياب التضامن في المجتمع». «منذ سنوات، ليس هناك تهديد وجودي تقليدي على إسرائيل، بينما هناك تهديد وجودي داخلي». «ما يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي يهدّد مستقبل إسرائيل». هذا ما قاله رؤساء الأركان الإسرائيليون السابقون، موشيه يعالون، غادي آزينكوت وإيهود باراك، خلال «قمّة الرؤساء السابقين» التي بثّت فعّالياتها «القناة 12» الإسرائيلية ضمن برنامج «أولبان شيشي» (استديو الجمعة) مطلع الشهر الفائت، بمناسبة تعيين هرتسي هليفي رئيساً لهيئة الأركان خلَفاً لأفيف كوخافي. الانقسام والاستقطاب الاجتماعي هما، إذاً، الهمّ الذي يؤرّق هؤلاء. همٌّ سَجّل ليل الأربعاء - الخمس نموذجاً جديداً مصغّراً منه، عندما هاجم عشرات المستوطنين جنود الاحتلال الذين وصلوا لـ«التفريق» في ما بينهم وبين الفلسطينيين في المواجهة التي اندلعت عند مدخل قرية حوارة جنوب نابلس، ما أدّى إلى إصابة أربعة جنود وقائدهم من «الكتيبة 202» في سلاح المظلّيين. ولم ينتهِ الأمر هنا؛ إذ اعتقلت الشرطة الإسرائيلية، صباح أمس، جندياً (20 عاماً) من مستوطنة «إيتمار»، إثر مشاركته في الاعتداء على زملائه، فيما من المتوقّع بحسب موقع «واينت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن تعتقل الشرطة مزيداً مِمَّن شاركوا في مهاجمة الجيش.
وتنمّ هذه الواقعة، التي «تبرّأت» منها كلّ ألوان القوس السياسي الإسرائيلي، عن عدم رضى مستوطِني الضفة عن أداء الجيش، الذي فشِل إلى الآن في «كسر أمواج» المقاومة. كما تُقدّم مثالاً حيّاً لِما يُحتمل أن تبدو عليه صورة التنافر الداخلي عند حلول «اللحظة الحاسمة». أمّا التجاهل والإنكار اللذان أبداهما كلّ من كوخافي، ورئيس الوزراء يائير لبيد، ووزير الأمن بيني غانتس، من طريق نعت المستوطِنين المهاجمين بقلّة من «المعربدين المشاغبين والمجرمين...»، فلن يفلحا في ترميم الواقع الذي يتعامون عنه، وهو واقع أَوجده هؤلاء ومَن سبقهم إلى مناصبهم. أمّا خصمهم في المعارضة، رئيس «الليكود» بنيامين نتنياهو، فندّد بالعنف الممارَس من قِبَل المستوطنين تجاه الجيش، منادياً بـ«محاسبة المعتدين». ورأى أنه «لا يمكن تعميم أمر على جمهور واسع، بسبب أن قلّة قليلة ارتكبت عملاً مداناً. معظم المستوطنين يحترمون القانون، ويخدمون في الجيش وممتنّون لمقاتلينا الذين يدافعون عنهم»، فيما اكتفى رئيس كتلة «الصهيونية الدينية»، بتسيلئيل سموتريتش، بالقول: «ممنوع مهاجمة جنود الجيش... نقطة على السطر». وفي حين شدّد زميله في الكتلة نفسها، إيتمار بن غفير، على أن «العنف ضدّ جنود الجيش هو أمر مُدان ولا مكان له»، فقد استدرك بأنه «في الحقيقة، المتحدّث باسم الجيش قدّم رواية كاذبة أحادية الجانب؛ إذ لم يَقُل إن من بدأ رشق الحجارة على المستوطنين هم الفلسطينيون». واعتبر بن غفير، الذي يقود أمثال هؤلاء المستوطِنين، أن ما حصل هو «نموذج إضافي من تسييس الجيش الذي يحاول غانتس إحداثه. لقد تخلّى (غانتس) عن حياة المستوطنين في الضفة، وعن جنود الجيش الذين كبّل أيديهم في الحرب الدائرة على الإرهاب. كما أنه تخلّى عن أمن إسرائيل»، مُحمِّلاً إياه مسؤولية الاعتداء.
«طوشة» البيت الداخلي أمس، أتت إثر تحذيرات أطلقتها المنظومة الأمنية الإسرائيلية خلال الأيام السابقة، مفادها أن «مقاتلي الجيش وجدوا أنفسهم مضطرّين للتعامل مع العنف من الجانب اليهودي أكثر من اضطرارهم للحفاظ على الأمن». وطبقاً لـ«واينت»، فإن «مسؤولين في الجيش والشاباك والشرطة توجّهوا إلى قادة المستوطِنين، مطالبين إيّاهم بلجم مستوطِنيهم». لكنّ رئيس «المجلس الإقليمي» في الضفة، يوسي دغان، وجد طريقه للتبرّؤ من مستوطِنيه، إذ اعتبر أن «الذين هاجموا الجيش ليسوا جزءاً من روح شومرون (الضفة). نحن نحبّ مقاتلي الجيش وقادته. هؤلاء لا يمثّلون المستوطنات في الضفة، ومَن يقول غير ذلك فهو منافق. كما أن الكلّ يعرف أن الجزء الأكبر من المعتدين ليسوا من مستوطنات الضفة». أمّا رئيس المجالس المحلّية للمستوطنات، شلومو نئمان، فرأى أن «هؤلاء المهاجمين هم قلّة قليلة تمسّ قِيم البيت الوطني. إن كلّ مَن تمتدّ يده على أخيه اليهودي ليس منّا. ندين ونستنكر ما حصل ونطالب بمحاسبة هؤلاء قانونياً».
من جهتها، رأت وزيرة النقل، ميراف ميخائلي، في ما حدث فرصه لمناكفة خصومها في اليمين، إذ قالت: «عندما يُعبّر المستوطنون عن بلطجيّتهم بالمسدّسات في الشوارع، وسط تأييد من نتنياهو، فهكذا تكون النتيجة. إنهم (المستوطنون) يشعرون بأنهم فوق القانون. لقد حان الوقت لكي نتوقّف عن الخوف من اللوبي (لوبي المستوطنين)، من البيبيزيين (المؤيّدين لبيبي نتنياهو)، ومن البنغفيريين (المؤيّدين لبن غفير) لكي نوقف هذا الإرهاب. لقد حان الوقت لكي نضرب بيد من حديد ونضع هؤلاء المشاغبين والفوضويين تحت المساءلة والقانون». وفي وقت سابق، استنكر رئيس الأركان، أفيف كوخافي، ما حدث بشدة، واصفاً إيّاه بأنه «حدث خطير جدّاً، وتصرّف مجرم معيب يتطلّب المحاسبة السريعة والحادّة». أمّا رئيس الوزراء، يائير لبيد، فقال إن «المشاغبين (الزعران) اليهود الذين هاجموا الجيش بعنف في حوارة، هم مجرمون خطيرون تجب معاقبتهم ومحاسبتهم بصورة سريعة. إنهم يعرّضون حياة الجنود للخطر ويلحقون الضرر بدولة إسرائيل».
بالنتيجة، يمكن فهم ما حصل من خلال السياق العام للعمليات المتصاعدة في الضفة؛ فالفلسطينيون «يطبخون» على مهَل عملية سلْب الأمن من المستوطِنين، مرّة بإطلاق النار على «بيوتهم»، وأخرى برشْق سيّاراتهم بالحجارة والرصاص، وثالثة بتكثيف حوادث إطلاق النار والعبوات على الحواجز، وليس انتهاءً بتأدية «التحية العسكرية في صدورهم». وإزاء كلّ هذا، يجد الجيش، الذي من المفترض أن يعيد لهم الأمن، نفسه مشغولاً بترميم التصدّعات في جداره المثقوب، أمام أمواج المقاومين الفلسطينيين.