شرعيّة ناشئة في قلْب الشارع: «عرين الأسود» تجتاح الضفة

شرعيّة ناشئة في قلْب الشارع: «عرين الأسود» تجتاح الضفة

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢

 في اللحظات الأولى من فجر الثلاثاء، بدا المشهد في الضفة الغربية عامّة، ومدينة نابلس على وجه الخصوص، أشبه ما يكون بإعلان حرب واستنفار في صفوف المواطنين، استجابةً لتعميم مجموعة «عرين الأسود»، الذي دعا الأهالي إلى الخروج إلى أسطح المنازل والشوارع والمساجد للتكبير. وعاش الفلسطينيون تلك الليلة حالة قلق كبيرة، حرمت أغلبهم من النوم حتى الصباح، بالنظر إلى صيغة البيان، التي مزجت بين التحريض على القتال، والتشديد على الاستعداد للمواجهة، والحضّ على التمسّك بطريق المقاومة، فضلاً عن إشارة إلى اقتراب المعركة ودعوة إلى حمْل السلاح؛ وكلّها رسائل أثارت الترقّب في أوساط المواطنين من تطوّرات دراماتيكية قد تحملها الساعات المقبلة. وجاء في البيان: «هذا بيان للنفير لكلّ مواطن يستطيع حمل السلاح، كُنْ على أتمّ الجاهزية في هذه الليلة المباركة (...) أراد الاحتلال أن يخدعنا مرّة أخرى من خلال إعلامه هذه الليلة، وتغيير صوت طائراته، ولكن أخوتكم يعلمون ما لا يعلمه الاحتلال، وإنّا بإذن الله ننتظر هذه الساعة المباركة، الساعة التي سننتصر فيها أو سنلقى أحبابنا عند مليك مقتدر». وأضاف: «يا كلّ المواطنين، اخرجوا الليلة إلى أسطح منازلكم، وأسمِعونا أصوات تكبيراتكم (...) أيهّا المقاتلون الأشاوس، نحن ننتظركم، سنسمع رصاصاتكم وهي تنطلق في صدور العدو، سنُقاتل معاً صفّاً صفّاً، نقول للعدو افعلها فقد طال الانتظار».
وعلى رغم أن ليل الثلاثاء - الأربعاء لم يشهد تطوّراً بارزاً، إلّا أن المشهد الذي عاشته الضفة، بعد ساعات من صدور بيان «العرين»، أظهر تنامي المكانة الشعبية للمجموعة، التي أصبحت عنواناً للعمل الفدائي المقاوم هناك، ورمزاً للقيادة المستنِدة إلى شرعيّة حقيقية مستمَدّة من الشارع، الذي بات يعيش على وقْع توجيهات «العرين» وبياناتها، ويتحرّك وفق توقيتها. على أن هذا لم يَكُن الموقف الأول الذي دلّل على التزام شريحة كبيرة من الفلسطينيين بما يَصدر عن المجموعة الناشئة، إذ سبق أن عمّ الإضراب الشامل مناطق واسعة من الضفة، استجابةً لدعوة أطلقتها «العرين» إسناداً لمخيّم شعفاط والعصيان المدني الذي أعلنه، بعد محاصرته من قِبَل قوات العدو. ومن هنا، أضْحت المكانة التي يحظى بها «الأسود» مصدر قلق للاحتلال والسلطة الفلسطينية على حدّ سواء؛ إذ تخشى إسرائيل من احتمال انتقال هذا النموذج، بما يحمله من قدرة على الحشد والتعبئة وتأثير كبير على الشارع، إلى أماكن أخرى، خصوصاً بعدما نجح في تنفيذ عمليات فدائية أوْجعت العدو وأرْهقت جيشه، وهو ما دفع قادته السياسيين والأمنيين إلى عقْد جلسة مخصوصة لبحث التحدّيات التي تشكّلها «عرين الأسود» وشقيقاتها. ووضَع قادة العدو على الطاولة خيار شنّ عملية عسكرية خاصة للقضاء على هذه المجموعات، عبر اجتياح واسع لأماكن تواجدها، تُشارك فيه الدبّابات والمروحيات والمسيّرات، كما حدث في اجتياح عام 2002.
إلّا أنه قبل الوصول إلى ذلك الخيار، يلجأ العدو إلى أدوات أخرى علّها تُعفيه من الاجتياح الشامل، الذي يبدو غير متأكّد من أنه لن يُلحق به خسائر كبيرة في صفوف جنوده، خصوصاً أن «المقاومين الجُدد» يتبنّون عقيدة الاستمرار في الاشتباك حتى الرصاصة الأخيرة. ومن بين تلك الأدوات، فرْض الحصار المشدّد على مدينة نابلس منذ عملية «شافي شومرون» في 11 تشرين الأول، بالحواجز العسكرية والسواتر الترابية، مع تكثيف تحليق الطائرات المسيّرة، والذي تقول إسرائيل إنه سيستمرّ حتى إشعار آخر، إلى جانب المراهنة على إمكانية أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً في احتواء المجموعة وتفكيكها. وفي هذا الإطار، كشفت الصحافة العبرية، أخيراً، أن إسرائيل قدّمت عرضاً، من خلال السلطة، لعناصر «عرين الأسود» من أجل تسليم أسلحتهم مقابل العفو عنهم والتوقّف عن ملاحقتهم، لكن هؤلاء رفضوا العرض الإسرائيلي، معتبرين أنه ينمّ عن جهل مطبِق لدى العدو بعقيدة المقاومة الشعبية، ومؤكدين أنهم سيواصلون التصدّي للاحتلال وإرباكه.
ويرى المحلّلون الفلسطينيون أن «عرين الأسود» باتت تملك من الشرعية والتأييد الشعبي، ما يزعج السلطة الفلسطينية نفسها. ولفت الكاتب زكريا محمد، في منشور على «فايسبوك»، إلى أن «المجموعة طلبت من الناس الخروج للتكبير في الشوارع ضدّ الحصار، فخرجت نابلس عن بِكرة أبيها للتكبير، وهذا هزيمة للسلطة ولسياستها»، مضيفاً: «أظنّ أن على الدعوة إلى التكبير الليلي أن تتكرّر في كلّ المدن والقرى والبلدات والمخيّمات في كلّ أنحاء فلسطين من أجل هزيمة حصار نابلس. لقد تَحوّل حصار المدينة إلى أبِ المعارك كلّها وأمّها، وعلينا أن نؤمّن انتصار نابلس في هذه المعركة». وختم كلامه بأن «العدو يريد أن يكسر المجموعات المقاوِمة عبر حصار السكّان المدنيين وتجويعهم، وضرْب حياتهم الاقتصادية، أي أنه يلجأ إلى سياسة العقوبات الجماعية الكريهة، وسلطة رام الله لا تفعل شيئاً لمواجهة خطوات العدو هذه، بل يبدو أنها تتواطأ معه من تحت الطاولة». وفي الاتجاه نفسه، قال الكاتب والمحلّل السياسي، هاني المصري: «لبّت نابلس عن بِكرة أبيها، والعديد من المواقع الأخرى في الضفة، نداء عرين الأسود للتكبير، رغم الوقت المتأخّر، ما يقدّم مثلاً حيّاً على أن القيادة تنمو في غمار المعارك، وما يدلّ على أن هناك فراغاً كبيراً تحاول أن تملأه الكتائب والعرين قبل أن يملأه الاحتلال وأعوانه».
على المقلب الإسرائيلي، يواصل الإعلام تسليط الضوء على «عرين الأسود» والتحريض عليها في الوقت نفسه. إذ نقلت «القناة 14» العبرية عن مصدر قالت إنه مقرّب من المجموعة، وكان أحد قيادات «كتائب شهداء الأقصى» في الانتفاضة الثانية، وتعاوَن مع «حزب الله» وأمضى سنوات في سجون الاحتلال، أن «العرين سحبت البساط من تحت أقدام السلطة الفلسطينية، وسحقت عقيدة الجنرال دايتون الذي أراد بناء أجهزة أمن فلسطينية لمحاربة الإرهاب». كما نقلت عنه أن «هذه الظاهرة الثورية ليست محلّية، عناصرها تمكّنوا من الإفلات من جهاز الشاباك الإسرائيلي، وهي تتلقّى الدعم وتعمل تحت إشراف قيادة حماس وحتى بتمويل خاص منها».