عودة النيران إلى القوقاز: أرمينيا لا تهضم هزيمتها

عودة النيران إلى القوقاز: أرمينيا لا تهضم هزيمتها

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٥ سبتمبر ٢٠٢٢

لم تَدُم حالة الهدوء بين أرمينيا وآذربيجان طويلاً؛ فمنذ التوقيع على اتّفاق وقف إطلاق النار في العاشر من تشرين الأوّل 2020، والذي لم يُنهِ حالة الحرب بين البلدَين، تتواتر الاشتباكات، وهي تكبر أو تصغر تبعاً للظروف. إلّا أن جولة الاقتتال الأخيرة، وهي الأكبر من حيث اتّساعها جغرافياً وعدد القتلى الذين قضوا فيها، تُنذر بجولات أخرى لن تنفع معها المهدّئات. وإذ لم يتّضح بعد السبب وراء تَجدّد الاشتباكات، يذهب المحلّلون إلى القول إن يريفان تسعى إلى تعطيل فتْح ممرّ زينغيزور، لأنه سيعني التسليم بهزيمتها النهائية في المنطقة. وتُحاول، بدلاً من الاستسلام التامّ، تفعيل مسارات جديدة، ومنها «مسار مينسك»، أي إشراك الولايات المتحدة في المعادلة، علّها تَخرج بمكسبٍ ما، يخفّف من وطأة الهزيمة التي مُنيت بها قبل عامَين
على الرغم من أن اتفاق العاشر من تشرين الثاني 2020 بين أرمينيا وآذربيجان، والذي وُقّع برعايةٍ روسية، قد أعطى الأمل، للمرّة الأولى، بإمكانية دخول النزاع بين البلدين مرحلةً جدّية من التهدئة والعمل على إيجاد الحلول، إلّا أن العلاقات بينهما ظلّت تشهد، من وقتٍ إلى آخر، اشتباكات تكبر أو تصغر تبعاً للظروف. وجاءت اشتباكات ليل الإثنين - الثلاثاء، لتَكشف عن تصعيد غير مسبوق في حدّة المواجهة العسكرية القائمة، إذ يكفي رقم قتلى الجيش الأرميني والبالغ 50، الذي أفاد به رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، للدلالة على خطورة ما يجري. إلّا أن صحيفة «يني شفق» التركية التي وصفت الاشتباكات بـ«الأكبر» منذ الإعلان عن وقْف إطلاق النار قبل عامَين، تتحدّث عن أرقام أكبر من تلك المذكورة، إذ تقول إن أرمينيا خسرت 100 جندي، فيما قضى 50 جنديّاً آذربيجانيّاً. وبدا لافتاً في جولة الاقتتال الأخيرة بين يريفان وباكو، أنها وقعت على الحدود الأرمينية - الآذربيجانية الرسمية، وليس في منطقة قره باغ. وإذا كان للأخيرة علاقة بالاشتباك الأحدث، فهذا يعني أن مسار الصراع الميداني حولها بدأ يأخذ أشكالاً تكتيكية جديدة، وفقاً لصحيفة «خبر تورك»، علماً أن المواجهات التي يَتّهم كلّ طرف الطرف الآخر بافتعالها، تَركّزت في مناطق لاتشين جنوباً، وكلبيجير في الوسط، وطاشكيسان في الشمال.
ويورد كورشاد زورلو، في «خبر تورك»، ثلاثة أسباب وراء تَجدُّد الاشتباكات:
- أوّلاً: لم «تهضم» أرمينيا بعد هزيمتها في حرب الـ44 يوماً في خريف عام 2020. وهي تسعى إلى أن تُوازِن وضعها في الداخل، من خلال إثارة الشعور القومي، وربّما تعزيزه أيضاً على طاولة المحادثات المفتوحة مع آذربيجان.
- ثانياً: التوتّر الجديد مرتبط بممرّ زينغيزور الذي أقرّه اتفاق 10 تشرين الثاني، والذي فيه يُلحَظ ربط نخجوان ذات الحُكم الذاتي، بالأراضي الآذربيجانية عبر الأراضي الأرمينية، حيث تصرّ باكو على إنشاء هذا الممرّ في مقابل فتْح ممرّ لاتشين بين أرمينيا وقره باغ، فيما تعتقد يريفان أن موافقتها على فتح «زينغيزور» تعني التسليم بهزيمتها النهائية في المنطقة. كما أن الربط بين نخجوان وآذربيجان يُعادل، بالنسبة إلى أرمينيا، تحوُّلاً كبيراً في الصراع القائم بين الجانبَين لمصلحة باكو. وعلى هذه الخلفية، ستسعى أرمينيا إلى التنصّل من بند الممرّ المذكور، بهدف منْع خلْق وقائع جغرافية «خطيرة»، ستكون لها انعكاساتها الإقليمية.
ثالثاً: تريد أرمينيا وضْع قره باغ مجدّداً في دائرة الاهتمام الدولي، للحصول على ضمانات دوليّة. وقد تحرَّك باشينيان في الآونة الأخيرة، لتفعيل اتفاقيّة الدفاع مع روسيا، كما لإحياء «مسار مينسك»، وذلك من خلال الاتصال بكلّ من الرئيسَين الروسي فلاديمير بوتين، والفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. لذا، فإن هناك احتمالاً، وفقاً لزورلو، لإحياء اجتماعات «مجموعة مينسك» التابعة لـ«منظّمة الأمن والتعاون الأوروبي»، ما يعني دخول الولايات المتحدة على خطّ المعادلة، مع ضرورة الإشارة إلى أن الصراع على الغاز ومحاولات أوروبا وحليفتها الأميركية تأمين بديل للغاز الروسي، لا يدفعان الغرب للوقوف إلى جانب أرمينيا، نظراً إلى الحاجة الراهنة والمستقبلية لغاز آذربيجان التي يمكن أن تنتج 45 مليار متر مكعب، أي ما يعادل ربع صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا.
وفي السياق عينه، يرى إيلهان شاهين أوغلو، مدير «مركز أبحاث الأطلس» في آذربيجان، أنه من دون حلّ ثلاث مشكلات، هي: الحسم النهائي لخطّ الحدود، إنشاء ممرّ زينغيزور، وتطبيق اتفاق السلام، فإن الاشتباكات بين البلدَين لن تتوقّف، فيما يعتقد روفيز حافظ أوغلو، نائب مدير «ترند ميديا» في باكو، أن أرمينيا هي التي افتعلت الاشتباكات لتحريض الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا، على موازنة الدوْر الحاسم لروسيا وتركيا في الصراع في القوقاز. وفي المقابل، ومن أجل أن تكون واشنطن وباريس على الطاولة من جديد، فهما تحاولان تحريض يريفان على تصعيد موقفها. وفي الاتّجاه نفسه، يذهب البعض إلى القول إن الاشتباكات تزامنت مع اجتماع قمّة «منظّمة شنغهاي للتعاون» في أوزبكستان يومَي 15 و16 أيلول الجاري، ومحاولة يريفان تخريب اللقاء بين بوتين وإردوغان على هامش القمّة. ويرى الجنرال التركي المتقاعد، إحسان باش بوزغورت، أن الجماعات العسكرية الأرمينية المعارِضة لباشينيان ولسياساته الانفتاحية على تركيا وآذربيجان، هي التي دبّرت الاشتباكات.
مع هذا، تتباين الآراء حتى داخل آذربيجان في ما إذا كان هناك رابط بين الاشتباكات، ومسألة إنشاء ممرّ زينغيزور من نخجوان إلى آذربيجان عبر أرمينيا، ورغبة هذه الأخيرة في عدم الالتزام بالبند المذكور. والجدير ذكره، هنا، أن رئيس وزراء أرمينيا كان أعلن أمام البرلمان الأرميني، أكثر من مرّة، أن الاتفاق لا ينصّ على فتح الممرّ المُشار إليه، بل على إيجاد صلة ما بين نخجوان وآذربيجان، متّهماً باكو بأنها تحرّف وتفسّر خطأً نصوص الاتفاق، لافتاً إلى أنه لا يمكن يريفان التخلّي عن سيادتها على أراضيها، وبالتالي على المعبر المفترض. وبحسبه، فإنه إذا كانت هناك رغبة إقليمية في إنشاء معبر تستفيد منه كلّ الدول، فأرمينيا مستعدّة لمناقشة المقترح، من دون التخلّي عن سيادتها الكاملة على أراضيها.
من جهته، يلفت فؤاد شاه بازوف، المحلّل الآذربيجاني، إلى أن نقاط الاشتباك لم تكن معتادة، نظراً إلى أن المعارك سابقاً كانت تتركّز في قره باغ. ولكن بعدما سيطرت آذربيجان على معظم الإقليم، انتقلت الاشتباكات إلى أماكن جديدة. ويعتقد شاه بازوف أنه لا علاقة لممرّ زينغيزور بالمواجهات الأخيرة، لأن آذربيجان بدأت مشاريع اقتصادية في المناطق المستعادة، كما أنها أبرمت اتفاقاً مع إيران حول الوصول من آذربيجان إلى نخجوان عبر الأراضي الإيرانية. وبالتالي، لم يَعُد الممرّ المُشار إليه مهمّاً للغاية، كما كان من قَبل، ما يعني أن ليس من مصلحة باكو توتير الوضع. لكن خديجة إسماعيلوفا، رئيسة التحرير في تلفزيون «طوبلوم» الآذربيجاني، تقول إن روسيا، كما باشينيان، لا ينظران بحرارة إلى خطّ زينغيزور، ولذا، قد تكون المعارك الأحدث ذريعة لطيّ صفحته. وتُورد إسماعيلوفا أن من أسباب البرودة الروسية تجاه الممرّ، هو أن موسكو تسيطر على كامل خطوط سكك الحديد في أرمينيا، وليس من مصلحتها إنشاء المعبر، فضلاً عن أن إقامته غير ممكنة أساساً. وفي الصورة الأعمّ، يرى شاه بازوف أن الاشتباكات تشكّل فرصةً لأذربيجان لدفْع أرمينيا نحو التوقيع على اتّفاق سلام نهائي، لأن اتفاق العاشر من تشرين، لا ينهي حالة الحرب. وباستثناء تبادل محدود للأسرى وجثث الجنود، لا تزال الحدود مقفَلة، فيما لم يحدث أيّ تقدُّم على أيّ صعيد. ووفق المحلّل، فإن لأرمينيا «صورة العدوّ المحتل لدى الآذربيجانيين... شَنُّ الحرب عليها من جانب باكو، لا يواجه أيّ اعتراض، وهو ما يشجّع السلطة على مواصلة المعارك تحقيقاً لأهداف معينّة».