روسيا وأوكرانيا تُسابقان الشتاء: عودة الاحتدام إلى الميدان

روسيا وأوكرانيا تُسابقان الشتاء: عودة الاحتدام إلى الميدان

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٢ سبتمبر ٢٠٢٢

تُسابق أوكرانيا الزمن في محاولة تحصيل إنجاز ميداني قبل حلول الشتاء، لن يكون بوسعها تحقيقه آنذاك بفعل الظروف الطبيعية والجغرافية. وبعدما اكتفت لأشهر بتعزيز خطوطها الدفاعية وتحصين مواقعها، بدأت القوات الأوكرانية هجوماً مضادّاً شاملاً مكّنها من تحقيق اختراقات في الجبهات الشمالية الشرقية، سهّلها أداء القوات الروسية، التي آثرت الانسحاب من مناطق لا تُعدّ أولوية بالنسبة لخطّتها الرئيسة المتمثّلة في استكمال السيطرة على الدونباس بحلول الخريف. وفي انتظار ما ستحمله الساعات والأيام المقبلة، يبدو كلا الطرفَين أمام مرحلة صعبة، حيث سيكون على موسكو إيجاد حلّ لمشكلة نقص العديد القتالي، فيما ستُواجه كييف مصاعب جدّية في تثبيت مكاسبها الأخيرة
شهدت جبهات ضواحي منطقتَي خاركوف وإيزيوم، طوال ليل السبت - الأحد، انسحابات متسارعة للقوات الروسية، وصولاً إلى إخلاء الضفة الغربية لنهر سيفيرسكي دونيتس جنوب إيزيوم. وبعدما تمكّنت القوات الأوكرانية من السيطرة على القسم الشمالي من إيزيوم، في مقابل نجاح الروس في الاحتفاظ بالقسم الجنوبي منها، جاءت خطوة الانسحاب بهدف إفشال الخطّة الأوكرانية المتمثّلة في عزل التشكيلات الروسية في إيزيوم وخاركوف عن البعد الجغرافي الواقع تحت السيطرة الروسية. وبهذا، يبدو أن خطّاً جبهوياً جديداً في طوْر التشكُّل على طول نهر أسكول مروراً بسدّ أسكول المائي. بالتوازي مع ذلك، لم تُوفَّق القوات الأوكرانية في تحقيق خرق كانت ترجوه عند منطقة ستاري كارافان في اتّجاه ليمان، الأمر الذي لو نجحت فيه، كانت لتتمكّن من محاصرة معظم التشكيلات الروسية في اتّجاه إيزيوم وتهديدها بالإبادة.
وكانت القوات الأوكرانية بدأت، منذ الثامن من أيلول، هجوماً مضادّاً، في محاولة لتحقيق خروقات في الجبهات الممتدّة على طول 1500 كلم، بعدما اكتفت طوال أشهر بتعزيز خطوطها الدفاعية وتحصين مواقعها. والظاهر أن تَوفّر فائض في العديد، إلى جانب دفَق الأسلحة الغربية، حفّزا كييف على بدء هذا الهجوم بأيّ ثمن. في المقابل، لا تزال القوات الروسية تعاني نقصاً في العديد القتالي، وهو ما عكسه أداؤها في الجبهات الممتدّة من ضواحي خاركوف مروراً بمدينة إيزيوم وصولاً إلى مدينة بارفينكوفو. واللافت أن الهجوم الأوكراني في تلك الجبهات لم يعتمد في بدايته على القوات المدرّعة والميكانيكية، بل استغلّ ثغرات في تثبيت مواقع القوات الروسية في الوسط، وانطلق بقوات خفيفة في مدينة بالاكليا وبلدة شيفتشينكوفو، الأمر الذي قد يُعدّ فشلاً للاستخبارات العسكرية الروسية، التي كانت تدرك حتمية حصول هجوم في الاتّجاه المذكور، ولكنها لم تستطع تحديد موقعه، وظنّت أنه سيحصل انطلاقاً من المواقع الأوكرانية المعزَّزة بالآليات والمدرّعات (خاركوف وبارفينكوفو).
لا تزال القوات الروسية تعاني نقصاً في العديد القتالي، وهو ما عكسه أداؤها في عدّة جبهات
وفي أعقاب النجاح الجزئي الذي حقّقته في أوّل يومَين من الهجوم، وجّهت القوات الأوكرانية كلّ ما لديها من إمكانيات لتثبيت هذا التقدّم، واستعدّت لخوض معركة استنزاف لتحقيق جملة أهداف، أوّلها وقف تقدُّم القوات الروسية في منطقة دونباس، وتغيير خريطة التموضع في الجنوب وتحديداً عند محاور خيرسون - نيقولايف، وفي الشمال الشرقي على محاور خاركوف - إيزيوم - بارفينكوفو. والظاهر أن كييف تجد في الأسابيع الجارية، الفرصة الأخيرة أمامها لتحقيق تقدُّم ميداني قبل حلول فصل الشتاء، وتعطُّل قدراتها على نقل وإيصال الدعم بسبب الظروف الجوية والجغرافية والطبيعية. في المقابل، لا ترى القيادة العسكرية الروسية في ما يحدث تحوُّلاً مصيرياً في المعركة التي تحتمل كرّاً وفرّاً، وهي تَعتبر أنها نجحت في سحب قوّاتها الأساسية، والبدء بتنفيذ عمليات خاصة خلف الخطوط، حيث سيواجه الأوكران - بحسبها - مصاعب في تأمين خطوط الدعم وحماية مواقعهم المستحدَثة. ويُضاف إلى ما تَقدّم أن القوات الروسية تعاملت مع الهجوم الأوكراني بما لديها من تشكيلات وما استطاعت تأمينه من دعم، من دون اللجوء إلى وقف العمليات على المحاور الأخرى، أو سحب القوات المشاركة فيها لتعزيز تلك المتصدّية للحملة الأوكرانية، بل جرت الاستفادة من المنسحِبين من محاور إيزيوم - خاركوف لتعزيز التقدُّم على محاور دونيتسك. بيد أن المعارك أصبحت طاحنة عند محور بالاكليا - شيفتشينكوفو، حيث سيطرت القوات الأوكرانية على معظم مدينة بالاكليا، وقامت بتثبيت مواقعها في ضواحيها الشرقية. إلا أن الإنجاز الميداني الأوكراني النسبي لا يزال هشّاً، ولم يصل إلى نتيجة حاسمة بعد. ويرى خبراء عسكريون أن خيار القوات المهاجِمة قد يكون التخلّي عن بالاكليا، التي شهدت مواجهات شرسة حتى أمس، والتموضع عند ضفاف نهر ستفالوفسكايا، وتطوير مسار الهجوم جنوباً باتجاه سافينتس فيشنيوفا.
وكانت القوّات الأوكرانية تمكّنت، في التاسع من أيلول، من اختراق خطوط الدفاع الروسية في بلدة شيفتشينكوفو، وواصلت تقدُّمها في اتّجاه جنوب مدينة كوبيانسك، مستعينةً بمجموعات تكتيكية خفيفة لتنفيذ عملية التفاف على مواقع تموضع القوات الحليفة لروسيا ومحاصرة المناطق السكنية. وتحتلّ مدينة كوبيانسك، الواقعة على بعد 120 كلم جنوب شرقي خاركوف، أهمّية استراتيجية منذ سيطرة القوات الروسية عليها مع بداية الحرب في 24 شباط الماضي، وذلك بسبب وجود خطّ سكك حديد متّصل بالمناطق الغربية الروسية بشكل مباشر، وتعتمد عليه الأركان الروسية كمحطّة نقل إمدادات عسكرية. وبينما فشل الروس في منع الأوكران من السيطرة على كوبيانسك، فهم قاوموا لوقت في بالاكليا بهدف حماية خطّ الدعم الحيوي ما بين الأخيرة وسافينتسي، والذي أتاح الانسحاب الآمن لقواتهم من إيزيوم. وعلى رغم هذا التراجع الروسي، إلّا أن الجانب الأوكراني يظلّ في المناطق التي سيطر عليها حديثاً، تحت خطر تلقّي ضربات من الجهات كافة، خصوصاً أن قدرة الروس على استقدام الدعم عبر الجوّ تفوق قدرة الأوكران.