قنبلة كوسوفو الموقوتة: شبح الانفجار ينزاح... ولا يرحل

قنبلة كوسوفو الموقوتة: شبح الانفجار ينزاح... ولا يرحل

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٣ أغسطس ٢٠٢٢

يُنذر التوتّر الذي نشب بين حكومة بريشتينا وصرب كوسوفو، الذين لا يعترفون باستقلالها، كما صربيا وحليفتها روسيا، بعودة حربٍ لم تندمِل جروحُها بعد. سريعاً، لوّح «حلف شمال الأطلسي» باستخدام قُوّته المُنتشرة في «الجمهورية» غير المعترَف بها أُممياً، فيما تَدخّل الاتحاد الأوروبي الذي تعترف معظم دُولِه بها، لإعادة الطرفَين إلى طاولة الحوار. وتُزخِّم الأزمة الراهنة الاتهامات بدورٍ لروسيا، من خلال صربيا، في ما يجري من تطوّرات عند الحدود، ليست بعيدة من الحرب الدائرة في أوكرانيا
دقّ إطلاق النار، أخيراً، عند الحدود بين صربيا وكوسوفو، ناقوس خطر تَجدّد الأحداث الدامية التي وقعت بين الطرفَين، في نهاية القرن الفائت. الأزمة بدأت بفرض بريشتينا (عاصمة كوسوفو)، بدايةً من آب 2022، تصاريح إقامة مؤقَّتة على الأشخاص الذين يدخلون العاصمة ببطاقة هويّة صربية، وإلزام صرب كوسوفو باستبدال لوحات «جمهورية كوسوفو» بلوحات تسجيل سيّاراتهم. ودفع هذا القرار الأقلية الصربية إلى الاعتراض بإقفال الطرق المؤدّية إلى معبرَي يارينجي وبرنجاك الحدوديَّين مع صربيا، علماً بأن عدد الصرب الذين يعيشون في المنطقة الشمالية لكوسوفو يصل إلى 50 ألفاً، وهم لا يعترفون بالاستقلال وبالمؤسّسات التابعة للعاصمة بريشتينا، ويُصرّون على استخدام الوثائق الصربية. ووفق شرطة كوسوفو، فإن التوتّر الذي نشب في المنطقة تَطوَّر إلى إطلاق أعيرة نارية «باتجاه وحدات الشرطة، لكن لحُسن الحظ لم يُصَب أحد». كما اعتدى متظاهرون غاضبون بالضّرب على «العديد من الألبان الذين كانوا يمرّون على الطرق التي أُغلقت». كذلك، دوّت صفّارات الإنذار الخاصة بالغارات الجوّية لأكثر من ثلاث ساعات في بلدة ميتروفيتشا الشمالية الصغيرة، التي يُشكّل الصرب أغلب سكّانها.
صربيا: لن نستسلم... وسننتصر
خرج الرئيس الصربي، ألكسندر فوسيتش، في خطاب إلى «الأمّة الصربية»، عقب الاحتجاجات التي نشبت على حدود الجانبَين، ليؤكد بوضوح دعمه الحركة الاحتجاجية، وعزمه على حماية صرب كوسوفو. «لن يكون هناك استسلام وستنتصر صربيا. إذا حاولوا البدء في اضطهاد الصرب، التنمّر على الصرب وقتل الصرب، فإن صربيا ستنتصر»، قال فوسيتش. سريعاً، دخلت الولايات المتحدة عبر سفيرها في كوسوفو، جيفري هونفيه، على خطّ الأزمة، لتُعلن حكومة بريشتينا عقب اجتماعٍ معه، تأجيل موعد تنفيذ قرارها إلى الشهر المقبل، فيما قابل صرب كوسوفو خطوة الحكومة برفع الحواجز التي أغلقوا بها المعبرَين الحدوديَّين. وفيما اتّصل الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، بالرئيس الصربي ورئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، ونبّههما إلى استعداد قوة «كفور» الأطلسية، المُؤلَّفة من 3775 جندياً من 28 دولة، للتدخُّل «إذا تعرَّض الاستقرار للخطر»، دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، كِلا الطرفين إلى بروكسل، و«قبِل الرئيس فوسيتش ورئيس الوزراء كورتي دعوته، وسيجتمعان في 18 آب الجاري مع الممثّل السامي والممثّل الخاص للاتحاد الأوروبي، ميروسلاف لاجاك، لمناقشة سبل المُضيّ قُدُماً في إطار الحوار بين بلغراد وبريشتينا». وعلى رغم كلّ جهود سحب فتيل التّوتر، تَجدّد إطلاق النار في 6 آب الجاري نحو شرطة كوسوفو، من دون إصابة أحد.
بداية الآلام
تقع كوسوفو في منطقة البلقان (جنوب شرق أوروبا)، وتحدّها من الشرق والشمال صربيا، ومن الغرب الجبل الأسود، ومن الجنوب الغربي ألبانيا، ومن الجنوب مقدونيا الشمالية. ويعيش فيها أكثر من مليون و800 ألف نسمة، غالبيّتهم ألبان (مسلمون) وإلى جانبهم أقلّية صربية (أرثوذكسية) وقوميات أخرى. تمتّعت كوسوفو بالحُكم الذاتي ضمن الاتحاد اليوغوسلافي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1989، أطلق الرئيس الصربي، سلوبودان ميلوشيفيتش، الشرارة الأولى للأحداث الدامية التي ستندلع بعد سنوات، بإلغائه - في الذكرى الـ 600 لهزيمة الصرب أمام العثمانيين في كوسوفو - الحُكم الذاتي الذي منحه دستور عام 1974 للإقليم، واستخدامه القوّة لإحكام سيطرته عليه. رفضت الغالبية الألبانية ذلك، وأعلن قادتها في العام التالي استقلال كوسوفو، قبل أن يُنتخب الكاتب الألباني، إبراهيم روغوفا، رئيساً لها، في عام 1992. أخذ التوتّر بين الجانبَين منحى تصاعُدياً، حتى خرجت الأمور من عقالها في عام 1998، لتبدأ حرب مفتوحة بين «جيش تحرير كوسوفو» الألباني وصربيا، انتهت في عام 1999 بتدخّل «حلف شمال الأطلسي» لمصلحة الألبان. ومع انسحاب صربيا من كوسوفو وانتشار 45 ألف عسكري للحلف في الإقليم، كان عدد القتلى والمفقودين قد تجاوز 13.500 شخص، معظمهم مدنيون ألبان (ما يزيد على 8 آلاف قتيل أو مفقود)، علماً بأن عدد القتلى والمفقودين في صفوف المدنيين الصرب تجاوَز 1700 شخص، بينما هرب آلاف آخرون من الإقليم تحت موجة من الهجمات الانتقامية. أجرت كوسوفو أوّل انتخابات عامّة بعد الحرب في عام 2001، وأعلنت استقلالها في عام 2008، على رغم الرفض الصربي المدعوم من روسيا، التي منعت الاعتراف بكوسوفو في مجلس الأمن الدولي، في مقابل دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأساسية لاستقلالها، ليتجاوز عدد الدول التي أعلنت اعترافها بالاستقلال، مع الوقت، المئة دولة.
بالعودة إلى الأزمة الراهنة، ليست هذه المرّة الأولى التي تحاول فيها بريشتينا فرض تبديل اللوحات على صرب كوسوفو؛ إذ تراجعت قبل عام عن محاولة مماثلة، عقب احتجاجات في المنطقة الشمالية نشرت خلالها بريشتينا قوات شرطة خاصة، وأطلقت بلغراد طائرات مقاتلة بالقرب من الحدود. ترى كوسوفو أن من حقّها فرض سيادتها «على جميع أراضيها»، كما تضع فرْضها الإقامات المؤقّتة على حاملي الهويات الصربية في إطار «المعاملة بالمثل»، حيث تفرض بلغراد إجراءً مماثلاً على حاملي الهويّات الكوسوفوية. في المقابل، ترفض صربيا المقارنة؛ فكوسوفو بالنسبة إليها «ليست دولة مستقلّة (...) هي جزء من صربيا بموجب القانون الدولي».
«بوتين الكبير» يُشعل البلقان؟
عقب شنّ روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، دافع الرئيس فلاديمير بوتين عن مشروعيّتها، في اجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتشبيه الوضع في الدونباس بالوضع في كوسوفو، التي اعترف باستقلالها «خصومنا في الغرب». استفزّ التشبيه يومها الصرب، ورأت فيه صحف صربية شعبية داعمة تقليدياً لروسيا وبوتين «طعناً لصربيا في الظهر»، ما استدعى إصدار توضيح من موسكو، أكدت فيه عدم نيّتها تغيير موقفها «الدائم وطويل الأمد» بشأن كوسوفو. ومع اندلاع الاضطرابات عند الحدود بين صربيا وكوسوفو، حرصت روسيا على إبداء دعمها للأولى سريعاً؛ فطالبت وزارة خارجيتها بـ«وقف الاستفزازات واحترام حقوق الصرب في كوسوفو»، ورفضت ما وصفته بـ«قواعد تمييزية لا أساس لها» تحاول بريشتينا فرضها على الأقلّية الصربية، فيما اتّهم السفير الروسي في بلغراد، ألكسندر بوتسان خارتشينكو، القوى الغربية بالسعي عبر «الضغوط والاستفزازات» إلى إجبار بلغراد على التخلّي عن رفض الانضمام إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا، بشأن أوكرانيا. ورأى الرئيس الصربي، ألكسندر فوسيتش، من جهته، أن بريشتينا «تحاول دائماً أن تجعل من نفسها ضحية، والاستفادة من الحالة المزاجية السائدة في العالم، إذ يعتقدون بأنهم يمكنهم اللعب بورقة: أمَر بوتين الكبير بوتين الصغير!»، في إشارة إلى الاتهامات حول مسؤولية روسيا عن إشعال الاضطرابات في البلقان، عبر صربيا. وهي اتّهامات كانت قد عبّرت عنها رئيسة كوسوفو، فيوسا عثماني، بوضوح، عندما قالت إن الرئيس الصربي «يدعم الهياكل غير القانونية في شمال كوسوفو، والتي تتكوّن من العصابات الإجرامية. ومن خلالهم ومن خلال التلاعب بهم، فإنهم يحتجزون الأقلّية الصربية التي تعيش في كوسوفو رهينة لهذه السياسات الخاطئة»، مضيفةً: «نعيش بجوار جارٍ تسيطر عليه روسيا بالكامل. ليست اتّهاماتنا التي تُصعّد الموقف، إن أفعالهم هي التي تُصعّد الموقف وتخلق التوترات».
هذه السردية التي تُلقي باللوم على روسيا في السعي إلى إشعال منطقة البلقان، الخاصرة الرخوة لأوروبا، والتي تماهت معها وسائل إعلام غربية - مِن مِثل «واشنطن بوست» و«بلومبيرغ» الأميركيتَين -، ربطت ما يجري عند الحدود بين الجانبَين بالحرب في أوكرانيا، فنّدتها الـ«برافدا» الروسية، التي بيّنت أنه «في حال تهديد صربيا عسكرياً، لن يساعدها أحد سوى روسيا. لكن في الظروف الحالية، حيث يشارك الجيش الروسي وقوات البلاد ومواردها الأخرى في العملية الخاصة في أوكرانيا، فإن هذا، وفقاً لجميع الخبراء تقريباً، مستحيل عمليّاً».
ألبين كورتي، من ألبان كوسوفو (مواليد عام 1975). هو رئيس الوزراء الرابع والسادس (الحالي) منذ إعلان كوسوفو استقلالها. بدأ مسيرته في قيادة الاحتجاجات بين عامَي 1997 و1998، وعمل في مكتب الممثّل السياسي لـ«جيش تحرير كوسوفو». وفي أعقاب تدخُّل «الأطلسي» في عام 1999، اعتقلته القوات الصربية ورحّلته إلى صربيا، التي حكمت عليه بالسجن 15 عاماً، قبل أن تطلِق سراحه في عام 2001، تحت الضغط الدولي. دخل إلى مجلس النواب للمرّة الأولى في عام 2010، عن حركة «تقرير المصير» التي يرأسها، والتي تُعدّ اليوم الحزب الأكبر في كوسوفو. يشدّد كورتي، لإنجاح الحوار مع صربيا، على وجوب قبول بلغراد باستقلال كوسوفو والجلوس معها حول الطاولة كطرفٍ في الحوار، لا موضوع له. كما يطالبها بالاعتراف بـ«الجرائم التي ارتكبتها في كوسوفو»، إضافةً إلى حلّ ملفَّي المفقودين والتعويضات.
ألكسندر فوسيتش (مواليد عام 1970)، هو رئيس صربيا منذ عام 2017. بدأ مسيرته السياسية مع «الحزب الراديكالي الصربي» في عام 1993، وأسّس «الحزب التقدمي الصربي» في عام 2008. شكّل أولى حكوماته عقب فوز حزبه في عام 2014، وترأّس حكومته الثانية في عام 2016. وفق موقع الرئاسة الصربية، فإن فوسيتش «حقّق نجاحاً تاريخياً من خلال تنفيذ أصعب الإصلاحات الاقتصادية في تاريخ صربيا الحديث (...) أنقذ صربيا من الإفلاس». شارك في المفاوضات مع كوسوفو تحت رعاية الاتحاد الأوروبي، وساهم في التوصّل إلى «اتفاق بروكسل» في عام 2013 (ينصّ على «المبادئ التي تحكم تطبيع العلاقات» بين الجانبَين). يرى فوسيتش أن «الحلّ الوسط (مع كوسوفو) هو الحلّ الوحيد الممكن، ولكن إذا سألتني ما هو الحلّ الوسط، فسوف أخبرك: لا أعرف. ومع ذلك، يتعيّن علينا جميعاً التوصّل إلى حلّ وسط معاً. إذا فشلنا في القيام بذلك، فسوف نترك هذه المشكلة للأجيال المقبلة».