زعماء أوروبا الثلاثة في كييف: رسالة دعم... أم ضغط؟

زعماء أوروبا الثلاثة في كييف: رسالة دعم... أم ضغط؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٧ يونيو ٢٠٢٢

 استُقبل قادة الدول الثلاث الأكبر في الاتحاد الأوروبي، الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني ورئيس الوزراء الإيطالي، بأصوات صفّارات الإنذار لحظة وصولهم بالقطار إلى العاصمة الأوكرانية كييف، في زيارة اعتَبرها البعض إشارة دعم قويّة لنظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي في مواجهته لروسيا. وتأتي الزيارة في ظلّ سعي أوكرانيا للحصول على وضع الترشيح لعضويّة الاتحاد، حيث يستعدّ المجلس الأوروبي لإصدار قراره بهذا الشأن خلال قمّته الأسبوع المقبل، من دون وجود أيّ توافق إلى الآن. لكنّ أجواء من التوجّس تسود أروقة النظام الأوكراني، من أن يكون الزعماء الثلاثة قد أتوا لإبلاغ زيلينسكي برغبة الغرب في إنهاء الحرب المستمرّة منذ أشهر، بأيّ صيغة ممكنة
وصل المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، إلى كييف أمس، للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في زيارة حملت أهمّية رمزية كبيرة بالنظر إلى توقيتها قبل قمّة المجلس الأوروبي في بروكسل الأسبوع المقبل، والتي ستبحث طلب أوكرانيا الترشّح لعضويّة الاتحاد الأوروبي، وأيضاً في لحظة حاسمة من الحرب، حيث يُواصل الجيش الروسي تقدّمه في جنوب البلاد وشرقها. وعلى رغم أن زعماء غربيين آخرين سافروا إلى كييف منذ بدء العملية العسكرية الروسية في 24 شباط الماضي، إلّا أن الزيارة التي قام بها زعماء أكبر ثلاثة اقتصادات في الاتحاد الأوروبي تحمل ثقلاً رمزياً خاصّاً، ويمكن أن تؤدّي إلى تغييرات سياسية وعسكرية كبيرة في الصفحة التالية من الأزمة الأوكرانية. وكان شولتز وماكرون قد أعلنا في الماضي أنهما لن يسافرا إلى كييف لمجرّد التقاط الصور، فيما انتقد المستشار الألماني زيارة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إلى العاصمة الأوكرانية في نيسان الماضي، معتبراً أن جونسون يحاول الهروب من مصاعبه الداخلية، من دون أن يملك ما يقدّمه حقيقة للنظام الأوكراني.
وشدّد ماكرون، الأربعاء، عشيّة رحلته إلى كييف، على ضرورة إرسال «إشارات سياسية واضحة» إلى كييف، فيما تحدّثت وسائل إعلام ألمانية عن أن المسؤولين الثلاثة الكبار ربّما يحملون وعوداً لنظام زيلينسكي بدعم عسكري استثنائي وشحنات أسلحة جديدة، بعدما تواترت الأنباء عن النجاحات التي يستمرّ الجيش الروسي في تحقيقها شرقيّ أوكرانيا. على أن التوجّس بقي سيّد الموقف في كييف في هذه الأثناء، حيث عبّر مستشار للرئاسة الأوكرانية عن عميق القلق من أن يكون الأوروبيون قد أتوا يحملون مطالب بالاستسلام. ونُقل عن أوليكسي أريستوفيتش قوله: «أخشى أن القادة الأوروبيين يحاولون التوصّل إلى ما يشبه اتفاق مينسك ثالثاً سعياً لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار بحجّة تفاقم المشاكل الاقتصادية والغذائية، واستمرار موت الأوكران والروس بلا طائل». واعتبر أن «الأوروبيين يرون ضرورة أن يقدّموا للرئيس فلاديمير بوتين ما يحفظ ماء وجهه داخليّاً عبر منحه أجزاء من شرقي أوكرانيا، وإتاحة الفرصة أمام تسوية تتيح لروسيا فرصة العودة إلى المجتمع الدولي تجنُّباً لانفجار الأزمة على مستوى عالمي». وعزّزت تصريحات على هامش الزيارة أدلى بها مسؤول دبلوماسي فرنسي، من قلق الأوكرانيين، إذ قال المسؤول المذكور للصحافيين إنه يجب أن يكون معلوماً أنه «بمجرّد انتهاء الحرب، ستكون هناك حاجة إلى إجراء (حوار) بين موسكو وكييف للتوصّل إلى صيغة تبني سلاماً مستداماً، مع ضمانات أمنية لأوكرانيا، ولروسيا أيضاً حول طبيعة العلاقة بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي».
عدم وضوح الرسائل وراء هذه الزيارة، ربّما ينمّ عن وجود خلافات جدّية بين الحلفاء الغربيين حول الخطوة التالية في أوكرانيا، ولا سيّما بعدما بدا جليّاً أن النظام في كييف يواجه معضلات كبيرة عسكرية ولوجستية في مواجهته لروسيا، وتتآكل معنويات جيشه وقدرته على الاستمرار في القتال بعد أكثر من 100 يوم على اندلاع الأعمال الحربية، في الوقت الذي بدت فيه سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي غير فعّالة في الضغط على موسكو، بل وأتت بنتائج عكسية ضدّ مصلحة الغرب، ولا سيما لناحية خلق الأجواء الملائمة لتمتين العلاقات الروسية - الصينية. وتنوء اقتصادات أوروبا تحت ثقل متزايد بسبب التضخّم المتصاعد، والضغوط على إمدادات الطاقة، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، كما تَورُّم ميزانيات التسلّح، وهي مصاعب لن يمكن استيعابها حصراً بطبع المزيد من عملة اليورو. وعلى الرغم من أن البعض اعتبر تصريحات لماكرون أخيراً بشأن ترك الباب موارباً تجاه تسوية ما تحفظ «ماء وجه بوتين» مُوجَّهة للاستهلاك المحلي في أجواء الانتخابات التشريعيّة الجارية في فرنسا، إلّا أنها تعكس أفكاراً متداولة في المطبخ الأوروبي، حيث الصورة تبدو قاتمة بالفعل، وهو أمر يدرك الأميركيون أن عليهم التعامل معه قبل أن يتحوّل إلى تمرّد واسع. وستكون بروكسل، الأسبوع المقبل (23 و24 حزيران)، مسرحاً لهذه الخلافات، إذ سيحاول المجلس الأوروبي، بضغط شديد من المفوّضية الأوروبية، التوصّل إلى قرار بشأن قبول تَرشّح أوكرانيا (كما مولدافيا وجورجيا) للعضوية في الاتحاد. وتتباين وجهات نظر الدول الأعضاء بشدّة حول ذلك، ما يعيد إلى الأذهان أجواء الانقسام الشديد الشهر الماضي، أثناء محاولة التوصّل إلى حظر على واردات النفط الروسي إلى القارّة.
وبينما تدعم دول مثل سلوفاكيا وبولندا وجمهوريات البلطيق بشدّة قبول الطلبات وتوسيع حدود الاتحاد، فإن دولاً أخرى مثل الدنمارك والبرتغال تدفع في اتّجاه عدم التسرّع في ذلك. وقال أنطونيو كوستا، رئيس الوزراء البرتغالي، أمس، إن «الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يمنح أوكرانيا أملاً زائفاً في الانضمام إلى التكتّل». وأضاف: «ينصبّ تركيزي على الحصول من المجلس الأوروبي في انعقاده المقبل على التزام واضح بشأن توفير مساعدات عاجلة وبناء منصّة طويلة الأجل لدعم تعافي أوكرانيا»، مشيراً إلى أنه «من أجل هذا الدعم الواضح والفوري، لسنا بحاجة إلى فتح مفاوضات أو إجراءات في هذه اللحظة ستستغرق سنوات عديدة - يقول ماكرون عقوداً ولا أقول عقوداً - ولكن بالتأكيد لفترة طويلة. الخطر الكبير هو خلق توقّعات كاذبة تتحوّل إلى خيبة أمل مريرة». وبالطبع، فإن وجهة نظر أكبر ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي، سيكون لها وزنها في هذا المجال، وخصوصاً منها فرنسا التي تضطلع بدور حاسم، بالنظر إلى أنها تتولّى حالياً الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد، وهي بهذه الصفة مسؤولة عن التوسّط في أيّ نقاش بين بلدان التكتّل. ويُستشفّ من تصريحات ماكرون خلال زيارته لمولدوفا قبل انتقاله إلى كييف، أن فرنسا قد تلقي بثقلها وراء قبول عضوية مولدوفا وأوكرانيا، مع فتور واضح تجاه الطلب الجورجي. على أن القرارات تُتّخذ في بروكسل بإجماع الدول الأعضاء، ولذا فإن حديثاً يدور حول طريق ثالث - تدعمه باريس -، أشبه بمرحلة انتقالية يُطلب فيها من المرشّحين الوفاء بشروط محدّدة قبل قبولهم أعضاء كاملين، لكنهم يبقون حتى ذلك الحين شركاء في إطار موازٍ يسمح لهم بناء علاقات قوية مع الاتحاد. وإذا كان هذا الطرح مخرجاً ممكناً للأوروبيين، فإنه سيكون من دون شكّ بمثابة صدمة للأوكرانيين، قد تؤكّد توجّسهم من إمكان تخلّي الغرب عنهم في منتصف الطريق.