جونسون في كييف: مدّ الحرب... بمزيد من السلاح

جونسون في كييف: مدّ الحرب... بمزيد من السلاح

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٠ أبريل ٢٠٢٢

من بولندا المجاورة، وصل قطار أقلّ رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إلى العاصمة الأوكرانية، كييف، حيث التقى الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ووعده بأسلحة نوعية متطوّرة من شأنها إطالة أمد الحرب. وتعكس هذه الزيارة، التوجُّه العام لـ»حلف شمال الأطلسي» الذي يبدو مصمّماً على تصعيد أعمال العنف في أوكرانيا، وجعل العملية العسكرية الروسية هناك باهظة الكلفة، على رغم ادعائه بعدم الانخراط، مباشرة، في الحرب القائمة
 في زيارة غير معلنة، وصل رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إلى العاصمة الأوكرانية، كييف، حيث التقى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي. وبحسب مطلعين على تفاصيل الزيارة، فإن جونسون وصل إلى أوكرانيا - وسط استحالة السفر الجوي - في رحلة سريّة بقطار مدني آتياً من شرق بولندا، إلّا أن ذلك لم يؤكّد رسمياً. على أن صوراً للرئيس العتيد في جولة له على الأقدام في العاصمة الأوكرانية رفقة زيلينسكي وجنود أوكرانيين، ملأت الصفحات الأولى لصحف لندن صباح يوم أمس، فيما اعتبر مسؤولون أوكرانيون، بمن فيهم وزير الدفاع، الزيارة «مثالاً للشجاعة، وتجسيداً للديموقراطية والصداقة الحقيقية بين الشعوب»، وأشاد مستشار للرئاسة الأوكرانية بـ»أهمية توقيتها»، وتأثيرها الهائل في معنويات المواطنين الأوكرانيين الذين لم يصدّقوا عيونهم عندما رأوا رئيس وزراء بريطانيا يتجوّل بينهم في قلْب كييف.
وفي تعليق للناطق باسم 10 داونينغ ستريت (مقر رئاسة الوزراء في لندن) على أنباء الزيارة، أكد أن جونسون نقل، خلال لقائه زيلينسكي، تفاصيل عن حزمة عريضة من المساعدات المالية وإمدادات السلاح التي قرّرت بريطانيا تخصيصها إلى الجانب الأوكراني، في إطار ما سمّاه الناطق «دعم المملكة المتحدة طويل الأجل لأوكرانيا، وتضامنها مع الشعب الأوكراني». وأتت زيارة جونسون بعد يوم واحد من إعلانه عن مساعدة عسكرية إضافية للجيش الأوكراني بقيمة 100 مليون جنيه استرليني (حوالى 130 مليون دولار أميركي)، تتضمّن 800 صاروخ مضاد للدبابات، وصواريخ مضادة للطائرات، وما يسمّى بـ»الطائرات الانتحارية من دون طيار». وتُعتبر بريطانيا من أهمّ شركاء أوكرانيا العسكريين، وقد نقلت للجيش الأوكراني أسلحة حيوية مضادة للدبابات، بما فيها نظام «إن-لاو» السويدي الصنع، ودرّبت، في السنوات القليلة الماضية، أكثر من 25 ألف جندي أوكراني في قواعد في بريطانيا، كما أرسلت لكييف مدرّبين ومتعهدين لتدريب كوادر الجيش.
لكن خبراء عسكريين قلّلوا من قيمة الزيارة، بحكم أن القوات الروسية كانت انسحبت بالفعل من المواقع الأمامية حول العاصمة كييف التي وصلت إليها مع بداية المعارك نهاية شباط الماضي، وأن المدينة تعيش، منذ 29 آذار الماضي، أوضاعاً أمنية مستقرة بعدما توقّفت المدفعية الروسية عن استهدافها بالقصف اليومي، ما سمح لعدد من القادة الأوروبيين بزيارتها، ومن بينهم: رئيسة المفوضيّة الأوروبية أورسولا فون دير لاين، رفقة نائبها جوزيب بوريل. وبحسب سياسيين بريطانيين، فإن جونسون يستغلّ الأزمة الأوكرانية مجدّداً للهروب من الأوضاع السياسية الضاغطة على حكومته، وإعادة تسويق نفسه كبطل عالمي، فيما يجاهد وزير ماليته للمحافظة على منصبه بعد انكشاف تهرّب زوجته من دفع ضرائب مستحقّة على مصالحها التجارية، تُقدَّر بملايين الجنيهات، وبينما تعيش بريطانيا واحدة من أسوأ حلقات التضخّم في تاريخها الحديث، وتنخفض مستويات المعيشة بشكل قياسي لم تشهده البلاد منذ الحرب العالمية الثانية. وكان جونسون زار كييف أيضاً في الأوّل من شباط الماضي، قبل أسابيع من انطلاق العملية العسكرية الروسية، وأجرى محادثات مع زيلينسكي، في وقت كانت ترتفع فيه الأصوات داخل البرلمان البريطاني بالدعوة إلى إسقاط حكومة المحافظين التي يرأسها، بالنظر إلى تورّطها بمخالفات صريحة لقوانين فرضت على المواطنين خلال مراحل العزل الشامل أثناء جائحة «كوفيد-19». واعتبر كثيرون، في حينه، أن زيلينسكي أنقذ جونسون من نهاية كانت قريبة لحياته السياسية.
لكن الأخطر في زيارة جونسون، مغزاها العسكري لا السياسي؛ إذ يبدو «حلف شمال الأطلسي» مصمّماً على المضيّ في إغراق أوكرانيا بالمزيد من السلاح على نحوٍ يدفع السلطات اليمينية في كييف إلى التعنّت والاستمرار في تعريض أرواح المدنيين للخطر، خدمة للمشروع الأميركي، وذلك على رغم ادعاءات الحلف بأنه لن ينخرط في أيّ نزاع مباشر في أوكرانيا تجنّباً لنشوب حرب كبرى بين أطراف نووية. وكان 10 دوانينغ ستريت أعلن عن بعض ما حمله جونسون في جعبته من وعود لزيلينسكي بالإمدادات العسكرية، والتي تضمنت - وفق الناطق دائماً - 120 مركبة مدرعة متطوّرة، وأنظمة صواريخ جديدة مضادة للسفن، ومعدات للقتال البري من خوذات ودروع واقية للجسم ونظارات للرؤية الليلية. ويقول خبراء إن هذا النوع من الصواريخ، يمكن أن يلحق أضراراً جسيمة بالسفن الحربية الروسية التي تفرض حصاراً تامّاً على المنافذ البحرية الأوكرانية على البحر الأسود. وعُلم في لندن أن جنوداً أوكرانيين وصلوا بالفعل إلى قاعدة بريطانية للتدرّب على استخدامها.
وقد تبادل كل من جونسون وزيلينسكي الإشادة بالآخر في تصريحات للصحافة. واستغلّ الرئيس الأوكراني زيارة رئيس الوزراء البريطاني لبلاده ووعوده بتسليم أسلحة متطوّرة، للتصويب على دول أعضاء في حلف «الناتو» قال إنها تتجنّب دعم الجيش الأوكراني مباشرةً، من مثل ألمانيا، فيما «المملكة المتحدة تقف إلى جانبنا بلا تردّد في هذه المعركة المستمرة، وتزوّد جيشنا بأسلحة حيويّة لمعارك الدبابات».
وتزامنت زيارة جونسون مع إعلان المفوضية الأوروبية عن تقديم مليار يورو (حوالي 1.1 مليار دولار) لدعم النظام الأوكراني الحاكم، والدول المجاورة التي تستقبل اللاجئين الأوكرانيين. ويريد الجانب الأميركي الذي يقود المواجهة الاقتصادية العالمية المباشرة مع روسيا، من الحلفاء الأوروبيين، تكثيف دعمهم المادي والعسكري للقوات الحكومية الأوكرانية والميليشيات القومية المتطرفة، للاستمرار في استنزاف القوات الروسية التي نجحت في تثبيت جزء كبير من القوة الأوكرانية في الشمال (جوار كييف)، والجنوب (حول أدويسا)، فيما تركّز قوتها النارية لشنّ هجوم كاسح لإنهاء تواجد ما بين 60 و100 ألف من المقاتلين في جوار إقليم دونباس (شرق). ويبلغ تعداد القوات الأوكرانية الرسمية حوالى 600 ألف مقاتل، يضاف إليهم 250 ألفاً آخرين من ميليشيات سلّحها ودربها «الناتو» داخل أوكرانيا نفسها وفي دول الجوار. وبحسب أرقام بولندية رسمية، فإن أكثر من 200 ألف من الأوكرانيين عبروا الحدود نحو بلادهم، للمشاركة في الحرب التي انطلقت في 24 شباط الماضي. وفيما لا يزيد تعداد القوات الروسية المنخرطة في القتال داخل أوكرانيا على 150 ألفاً، فإن المناورة الروسية أشغلت ثلثي القوات الأوكرانية بتحصين العاصمة وميناء أوديسا الاستراتيجي في الجنوب، بينما يتم التعامل مع الشريط البري الرابط بين شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس من خلال إسقاط عاصمة الميليشيات النازية في ميناء ماريوبول ومدينة ميكولاييف الجنوبية، الأمر الذي سيضع الشرق الأوكراني بأكمله في كماشة الجيش الروسي، تاركاً المجال لهروب القوات الأوكرانية المتحصّنة فيه نحو الغرب.