بولتون... الشخص الذي قام بأقذر الأعمال لمصلحة ترامب

بولتون... الشخص الذي قام بأقذر الأعمال لمصلحة ترامب

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٧ يوليو ٢٠٢٠

في مقال للکاتب "جيريمي سوري" رئيس الشؤون العالمية بجامعة تكساس وأستاذ التاريخ بجامعة ليندون جونسون، تناولت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الکتاب الذي ألفه "جون بولتون" مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، وکشف فيه أسرار الرئيس الأمريکي دونالد ترامب تحت عنوان "الغرفة التي شهدت الأحداث".
 
يقول کاتب المقال: "جون إف كينيدي في أسوأ مراحل رئاسته وبعد الهجوم على خليج الخنازير بهدف الإطاحة بالزعيم الكوبي "فيدل كاسترو"، والذي ترافق مع تخطيط وتنفيذ ضعيفين للغاية، قال بالأسف والندم: "لقد رُكِلنا بشدة، بالطبع نحن نستحقها. ولكن ربما يمكننا التعلم من ذلك".
 
ويضيف: لقد درس جون بولتون هذه الفترة من التاريخ الأمريكي، لكنه لم يتعلم الكثير منها. في عام 2019، ألقی مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب کلمةً في جمعية المحاربين القدامى في خليج الخنازير. من كان يعلم بوجود مثل هذه الجمعية في الأساس؟ بعد مرور خمسين عامًا على الحرب الباردة، ومحاکاةً لتصريحات "كينيدي" الحماسية، وعد بولتون بأن تقطع حكومته في نهاية المطاف النفوذ الكوبي والروسي في الجنوب، وتحطم ما أسماه "ثالوث الاستبداد" في فنزويلا ونيكاراغوا وبالطبع كوبا. ولکن موعد الجهود العبثية کان قد حان.
 
بولتون لم يتعلّم الدروس بعد
 
وكتبت فورين بوليسي: "أولئك الذين سمعوا کلام بولتون، لاحظوا بالتأكيد أوجه التشابه بين عبارة "ثالوث الاستبداد" والعبارات السابقة "محور الشر" و"الحزب الشيوعي الموحد" و"دومينو الانهيار". هذه العبارات البسيطة تتجاهل بشكل مغرٍ الفوارق بين الحكومات المختلفة، وتبالغ في مجموعة من التهديدات، وتبالغ في القوة الأمريكية. لقد أدرك كينيدي هذه العيوب في التفكير الاستراتيجي الأمريكي بعد فشل عملية خليج الخنزير، وهو الفشل الذي كرره خلفاؤه الأقل ذكاءً في فيتنام وأفغانستان والعراق وليبيا.
 
بولتون لم يأخذ العبر بعد. کتاب مذكراته بعنوان "الغرفة التي شهدت الأحداث"، يستحق عنوانًا مختلفًا: "كيف تعلمت التوقف عن القلق والوقوع في حب القنابل". هذا الاسم مأخوذ من العنوان الفرعي لفيلم "ستانلي كوبريك" بعنوان "دكتور سترانجيلوف" عام 1964. حتى الجنرال "باك تورغدسون" الشخصية العسكرية في فيم كوبريك، يخجل من جدية بولتون وبساطته وأنانيته. لا يبدو أن بولتون قادر على إدراك أن طلباته للتدخل الأحادي الجانب قد فشلت بشكل متكرر. فصل في كتابه عن أمريكا اللاتينية ينتهي بوعد ساخر عن غير قصد: "فنزويلا ستتحرر".
 
حقاً؟ مثل العراق وأفغانستان؟ يقدم بولتون وعودًا مماثلةً بشأن القوة الأمريكية الأحادية تجاه إيران وكوريا الشمالية. ويدعي أن هذه هي الطريقة الصحيحة للتفكير في مناطق جديدة للصراع. كتب بولتون أن الفضاء الإلكتروني يجب ألا يكون "مختلفًا بشكل خطير عن بقية التجربة الإنسانية: وضع فوضوي يمكن فيه إنشاء هياكل رادعة ضد الأعداء المحتملين، من خلال الاعتماد على القوة والإرادة وبدعم من الأسلحة الهجومية المناسبة، وإقرار السلام في نهاية المطاف".
 
ويعتقد المؤلف أن رؤية بولتون تشبه رؤية "هوبز"، رؤية يعيد فيها وحش أمريكا الأناني جميع الأشرار إلى كهوفهم. يرفض بولتون بناء الأمة والتنمية الاقتصادية في صورة استخدام القوة الصلبة. كما يدين جميع الاتفاقات المتعددة الأطراف التي قد تحدّ بأيّ شكل من الأشكال من التفوّق الأمريكي. بالطبع، ضغط بولتون على ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران والذي كان يهدف إلى الحدّ من القدرات النووية الإيرانية. ويصف أحيانًا اتفاقية باريس للمناخ بـ "اللاهوت تحت ستار السياسة"، ثم يدين اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ومعاهدة الأجواء المفتوحة، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ومعاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية. وفي نفس الفصل، يشيد بانسحاب ترامب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، التي أبرمت في الأصل بين الرئيس الأمريكي السابق "رونالد ريغان" والزعيم السوفياتي السابق "ميخائيل جورباتشوف". وكانت هذه المعاهدة الخطوة الأولى لهؤلاء القادة نحو إنهاء الحرب الباردة، التي اعتبرها بولتون أمراً خاطئاً أثناء تقييمه السريع.
 
بولتون جعل ترامب أسوأ من ذي قبل
 
وتابعت فورين بوليسي في قسم آخر من تقريرها: "ركّز منتقدون آخرون على وصف بولتون لنرجسية ترامب وارتباكه وفساده الفاضح". إن رواية بولتون لطلبات ترامب المتكررة للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ليست جديدةً بأيّ حال من الأحوال، لكنها تظهر أن ترامب ليس خيارًا جيدًا لقيادة العالم الحر. يرفض ترامب تدخل بوتين في انتخابات عام 2016 لأنه يقلل من قيمة فوزه، ولا يتحمل الجهود الرامية إلى صياغة سياسة متماسكة وموحدة تجاه روسيا، والأغرب من كل ذلك أنه يريد الانتفاع مالياً من مثل هذه التفاعلات الدبلوماسية وغيرها. كما يؤيد بولتون مزاعم مجلس النواب في استجواب ترامب. وكان مجلس النواب الأمريكي قد اتهم ترامب بمحاولة أخذ المساعدة الأمنية التي مررها الكونغرس کرهينة، للحصول علی دعم أوكرانيا (وكذلك الصين) بقوة لإعادة انتخابه.
 
ومع ذلك، ما يکشفه بولتون عن ترامب وما يفضحه أکثر بکثير مما ذکرنا، لأن ضعف ترامب وعدم قدرته على القيادة واضحان للجميع مسبقاً. إن طبيعة بولتون العسكرية ليست مفاجئةً أيضًا لأولئك الذين راقبوه طوال حياته المهنية. والنقطة الأكثر وضوحاً ‌التي يمكن استخلاصها من "الغرفة التي شهدت الأحداث"، هي أن بولتون وترامب جسَّدا أسوأ سمات بعضهما البعض، وألحقا أضرارًا مضاعفةً وطويلة الأمد بالمصالح الوطنية الأمريكية والنظام الدولي، وتسببا معاً في دمار العالم. لقد جعل بولتون ترامب حتی أسوأ من ذي قبل.
 
يحاول بولتون تصوير نفسه على أنه عائق أمام الإمبراطور المجنون، لكنه ينسی أن يقدم صورةً مقنعةً عن نفسه على أنه "أوتو فون بسمارك"(أول مستشار في التاريخ الألماني يعرف باسم "المستشار الحديدي"). مطالب بولتون الداعية لعدوان مستمر استفزت ترامب وأثارته، وذلك عندما كان الرئيس بطبيعته مؤيداً لضبط النفس تجاه إيران وأفغانستان وفنزويلا. واصل بولتون التكتيكات التي تبناها الرئيس السابق "جورج دبليو بوش"، وأزال عن طريقه نظرائه الساعين إلى إنقاذ الدبلوماسية المتعددة الأطراف. هنا، يردد بولتون اتهامات نائب الرئيس السابق "ديك تشيني"، ووزير الدفاع السابق "دونالد رامسفيلد"، ووزير الدفاع السابق "بول وولفويتز" ضد وزير الخارجية السابق "كولين باول"، وشخصيات أخرى حكيمة ومحتاطة.
 
مذکرات بولتون مليئة بالهجمات الشخصية على السلوك الضعيف ظاهريًا لوزير الدفاع السابق "جيمس ماتيس" ووزير الخارجية السابق "ريكس تيلرسون" ووزير الخزانة "ستيفن مانوشين". هذه الوجوه الثلاثة المعيبة نالت موافقة الكونغرس، لكن بولتون يعتقد بوضوح أنه لا يحق لها طرح أسئلة صعبة حول خطط التدخل التي کان قد وضعها في مكتبه بالبيت الأبيض.
 
وعلى الرغم من إدانة بولتون لعدم قدرة ترامب على إبقاء "مؤيديه" راضين، إلا أنه هو نفسه يعطي السياسات نكهةً سياسيةً بطرق مماثلة. وعندما يقاوم "ستيفن منوشين" بعض العقوبات المقترحة ضد فنزويلا، يدينه بولتون، ويصفه بأنه "ديمقراطي في الأساس". وعندما عبر "جون كيلي" رئيس موظفي البيت الأبيض الأسبق عن قلقه من أن ترامب قد لا يكون قادرًا على التعامل مع "أزمة حقيقية شبيهة بـ 11 سبتمبر"، رد بولتون بالقول إنه إذا سمحوا للرئيس بالفشل، فإن السناتور "إليزابيث وارن" أو السناتور "بيرني ساندرز" سيكونان أسوأ حالًا منه. والأغرب من کل ذلك، أن بولتون كثيراً ما يهاجم مصداقية الصحافة، وخاصةً واشنطن بوست ونيويورك تايمز. حيث يعتبرهم أعداءً يريدون الإطاحة بالحكومة، وليس صحفيين يسعون إلى فهم البيت الأبيض المضطرب وإطلاع الرأي العام علی ذلك. وفي کلماته، يشجع بولتون الهجمات الخطيرة المناهضة للصحافة الحرة التي تسللت إلى رئاسة ترامب. والمفارقة هي أن بولتون لجأ إلى الصحافة والمقاومة أمام البيت الأبيض للتأكد من توزيع مذكراته. إنه يدرك جيدًا هذه النقطة الفكاهية.
 
سياسات بولتون زادت من نفوذ إيران في المنطقة
 
وتخلص فورين بوليسي إلى أن "الغرفة التي شهدت الأحداث" مليئة بالتفاصيل، وكثير منها فاضح حقاً. لكن هذا السيل من المعلومات يحتوي على حقيقة أعمق حول ما يسميه بولتون بأفكار السياسة الخارجية "المحافظة" في القرن الحادي والعشرين. هذه الأفكار ليست محافظةً للغاية أو فعالةً للغاية.
 
يستخدم بولتون الأدبيات المنسوخة للحرب الباردة، ويتلاعب بالحقائق بنفس الطريقة القديمة لتبرير ما يُنظر إليه على أنه دفاع عن "الحروب التي لا نهاية لها". ويدعو إلى تحرير فنزويلا من الاستبداد، لكنه يدافع عن استمرار المساعدة الأمريكية للسعودية حتى بعد اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي" الصحفي المقيم في واشنطن. ويريد ضمناً أن يقول إن الاستبداد والاغتيالات الخارجية للسعودية أفضل مما هو موجود في فنزويلا. إلا أن الحقائق لا تدعم مثل هذا الشيء.
 
وينطبق الشيء نفسه على إيران أيضاً. إن تقييم بولتون للتهديد الإيراني يترافق مع المبالغة. کما أن ادعائه المتكرر بأن المزيد من القوات الأمريكية في المنطقة سيؤدي إلی احتواء إيران، يتعارض مع ما أظهره التاريخ. إن إنفاق تريليونات الدولارات وخسارة الآلاف من الأرواح الأمريكية في الشرق الأوسط منذ عام 2003، والذي تم بتشجيع بولتون المتملق، زاد من نفوذ إيران فحسب، وكثيراً ما كان على حساب حلفاء الولايات المتحدة.
 
بولتون كان أسوأ مستشار للأمن القومي للرئيس
 
كان بولتون أسوأ مستشار للأمن القومي لرئيسٍ مزج بين الأدبيات الحربية والميول الانعزالية. لقد ساعد في تنقية الشخصيات ذات التوجه الدولي والواقعية والحذرة، وحتى بعض المحافظين الحقيقيين المتبقين خارج دائرة ترامب المتملقة. كما تسبب في استياء الشركاء الدوليين والأتباع القدامی للولايات المتحدة. وقد أثار الحماسة المتعصبة أكثر من أي وقت مضى، وأخذها معه إلى مجلس الأمن القومي، حيث حاول أسلافه، ولو جزئياً على الأقل، الحفاظ على السياسات في مأمن من التطرف الإيديولوجي. وبهذه الطريقة، قام بولتون بالكثير من أقذر الأعمال لترامب.
 
ربما كان الرئيس نفسه يعرف ما كان يفعله. إذا کان ترامب ينظر إلى كل شيء من منظور سياسي شخصي، فإن بولتون كان مفيدًا جدًا له. لقد ذلَّل العديد من العقبات أمام ترامب. حيث تكشف مذكرات بولتون عن دوره البارز في هذا الصدد، على الرغم من محاولاته في أن يظهر بمظهر متدين.
 
لقد تعلم كينيدي وغيره من المفكرين في مجال السياسة الخارجية العديد من الدروس من عملية خليج الخنازير والحرب الباردة. ولکن يستمر بولتون ومؤيدوه في المقاومة، على الرغم من أنهم يتعذبون في کل لحظة بسبب دورهم في العديد من السلوكيات الكارثية لترامب.