قانون «قيصر» من منظور التشريع الأميركي

قانون «قيصر» من منظور التشريع الأميركي

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٦ يونيو ٢٠٢٠

بعد ترحاله الدستوري بين مضارب التشريع الأميركية لمدة ست سنوات مرتدياً أرقاماً متعدّدة، حطّ قانون «قيصر» رحاله في الكونغرس حاملاً الرقم HR5732، متسلّحاً بإجماع مجلسَي النواب والشيوخ. نظراً إلى دقّة المرحلة السياسية، ومنعاً لتجدّد التنازع بين مجلسَي النواب والشيوخ، وحرصاً على المصالح الأميركية، صدر مشروع القانون ضمن موازنة الدفاع للسنة المالية 2020، البالغة 738 مليار دولار. وبالتالي، صار «قيصر» جزءاً مِن «قانون الدفاع الوطني» ونافذاً منذ توقيع الرئيس دونالد ترامب عليه، بتاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر 2019، مع كلّ ما يحمله ذلك من دلالات سياسية.
بعين قانونية حذرة، نرصد أبرز مرتكزات قانون «قيصر» من منظور القوانين الأميركية وأصول التشريع الجزائي، ونقدّم الآتي:
العقوبات على المصرف المركزي السوري:
استناداً إلى قانون الحرب والدفاع الوطني رقم 50 من القانون الفدرالي، استعمل الرئيس الأميركي صلاحياته الاستثنائية لفرض عقوبات على المصرف المركزي السوري لأسباب تتعلّق بمكافحة تبييض الأموال، وذلك خلال 30 يوماً من تاريخ إقرار القانون. لذا، تضمّن العنوان الأول بندين مستقلّين، حيث خُصّص الأول للعقوبات المفروضة على كل شخص أجنبي مقيم على الإقليم الأميركي يُشتبه في انخراطه عمداً في نشاط يتعلق بتبييض الأموال، أو بتقديم دعم إلى الحكومة السورية أو تقديم خدمة مالية مهمّة إلى قطاعات محدّدة في سوريا، وأيضاً فرض عقوبات على الأجانب الذين ينخرطون عمداً في تقديم دعمٍ أو خدمة تؤدي إلى زيادة القدرات العسكرية السورية. ويمكن لنا تصنيف تلك العقوبات إلى نوعين:
- النوع الأول: ويُفرض استناداً إلى الصلاحية الإقليمية فقط.
أ ــــ منع أو تقييد الاحتفاظ أو فتح بعض حسابات الدفع أو حسابات المراسلة إلى مؤسسات أجنبية تعمل داخل الولايات المتحدة الأميركية، سواء لصالح أو لحساب مؤسسات أجنبية (كالمصرف المركزي السوري) خارج الإقليم الأميركي، لمجرّد الاشتباه في تورّطها بجرم تبييض الأموال.
ب ــــ منع أو تقييد فتح حساب مصرفي لمؤسسة مالية في أميركا، إذا كانت تعمل لصالح مؤسسة مالية أجنبية خارج الإقليم، سواء جرى التعامل معها بحساب دفع أو حساب مراسل.
أما النوع الثاني من العقوبات فيُفرض استناداً إلى الصلاحيتين الإقليمية والشخصية، وهي:
أ ــــ منع نقل أموال الأجانب المنخرطين في تعاملات معينة.
ب ــــ تجميد ومصادرة الممتلكات وكلّ الأموال والمصالح الخاصة بالشخص الأجنبي، إذا كانت تلك الأموال والمصالح داخل الولايات المتحدة، أو تقع ضمن الولايات المتحدة، أو ضمن حيازة أو إدارة شخص من الولايات المتحدة. وتستتبع هذه العقوبات تدابير إدارية عقابية وهي إلغاء تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، أو منع الحصول على عفو مشروط في بعض الحالات. ولبيان نطاق تطبيق تلك العقوبات، علينا توضيح بعض المفاهيم الأساسية:
■ مفاهيم للتوضيح:
- الأجنبي، وهو استناداً إلى قانون الهجرة والجنسية، أي شخص ليس مواطناً أو لا يحمل الجنسية الأميركية.
- مصطلح الحكومة السورية وفقاً لقانون المال والخزانة ويشمل:
(أ) دولة وحكومة الجمهورية العربية السورية، وكذلك أي تقسيم أو وكالة أو أداة سياسية فرعية، بما في ذلك المصرف المركزي السوري.
(ب) أي كيان يملكه أو يسيطر عليه، بشكل مباشر أو غير مباشر، ما سبق، أو تمتلك فيه الحكومة السورية حصة 50 في المئة أو أكبر.
(ج) أي شخص تصرّف، أو كان يتصرّف أو يُزعم أنه يتصرّف، بشكل مباشر أو غير مباشر، لصالح أو بالنيابة عن أي من المذكورين.
(د) أي شخص آخر يقرّر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية إدراجه ضمن الفقرات الثلاث أعلاه.
■ العمد
مصطلح «متعمّداً» له مدلول المصطلح بالمادة 566.312 من قانون الخزانة القانون الفدرالي، ويعني أن يكون الشخص على معرفة فعلية، أو كان يجب أن يكون على علم، بالسلوك أو الظرف أو النتيجة. وبالتالي، نجد أن المشترع الأميركي قد أخذ بقرينة العلم المفترض، ولم يكتفِ بالقصد الجنائي العام، وهذا من باب التوسّع في قاعدة التجريم بدون ضوابط قانونية واضحة.
■ السند القانوني للتجريم:
يكون الأجنبي عُرضة للعقوبات المالية بموجب قانون الطوارئ 1701، وأي قانون أو قرار لمجلس الأمن يتعلّق بسوريا.
 
الأفعال المجرّمة بموجب قانون «قيصر»
يعاقب القانون على الانخراط العمدي بنوعين من الأفعال على النحو الآتي:
- إذا قدّم متعمّداً دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً كبيراً، بما في ذلك الانخراط في أو تسهيل معاملة أو معاملات أو خدمات مالية مهمة إلى الحكومة السورية:
النوع الأول: الأفعال العامّة بطبيعتها، وتتضمّن فئتين وهما:
1ـــ الدعم المادي أو المالي أو التقني الكبير إلى الحكومة السورية. ويقصد بالدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي اصطلاحاً، ووفقاً للمادة 542.304 من قانون المال والخزانة الفدرالي الآتي:
مصطلح الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي، يعني أي ممتلكات ملموسة أو غير ملموسة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر العملة والأدوات المالية والأوراق المالية أو أي تحويل آخر للقيمة؛ الأسلحة أو الأعتدة ذات الصلة... أو معدات الاتصالات، أو التقنيات،... أو المركبات أو وسائل النقل الأخرى، أو البضائع، بما في ذلك البيانات الفنية ذات الصلة، مثل المخططات... والمواصفات الهندسية والأدلة أو تعليمات أخرى مسجلة.
ورد الاستثناء الأبرز في إطار الالتزام باتفاقية مقر الأمم المتحدة وذلك لأنّ للقانون هدفاً في دفع الحكومة السورية إلى التفاوض
 
2 ــــ الانخراط في أو تسهيل معاملة أو معاملات أو خدمات مالية مهمة. وتعتبر المعاملات أو الخدمات المالية مهمّة في سياق الأغراض الواردة في هذه المادة، وطبقاً للمادة 566.404 من قانون المال والخزانة الآتية: «لتحديد، ما إذا كانت المعاملة (المعاملات) أو الخدمة (الخدمات) المالية مهمة، يجوز لوزير الخزانة النظر في مجمل الحقائق والظروف. بصفة عامة النظر في بعض أو كل العوامل التالية:
(أ) الحجم والعدد والتكرار.
(ب) الطبيعة المالية وتعقيدها والغرض التجاري منها.
(ج) مستوى الوعي؛ نمط السلوك بسيط أو مركّب.
(د) القرب بين المؤسسة المالية الأجنبية المنخرطة في المعاملة (المعاملات) أو تقديم الخدمة (الخدمات) المالية وحزب الله، أو شخص محظور موصوف في الفقرة (أ) (2) من 566.201، على سبيل المثال، المعاملة أو الخدمة المالية التي تقدّم فيها مؤسسة مالية أجنبية خدمات السمسرة أو المقاصة، أو تحتفظ بحساب أو تسدد مدفوعات لحزب الله.
(هـ) الأثر على أهداف قانون منع تمويل حزب الله الدولي لعام 2015، بما في ذلك:
- المنفعة الاقتصادية أو غيرها أو محاولة منحها إلى حزب الله أو أي متهم بالإرهاب.
- الممارسات الخادعة.
- عوامل أخرى ذات صلة.
ويستنتج من الاطلاع على النطاق القانوني لعبارتَي «دعم وخدمة»، أنهما عبارتان فضفاضتان وواسعتان وتحتملان التفسير والتأويل والاستنسابية، من دون حسيب أو رقيب، ومن دون القدرة على إلزامهم بمعيار واضح. وهذا الأسلوب في التشريع العقابي الغاية منه التشدّد من خلال توسيع الوعاء الجرمي لتسهيل الإيقاع بالخصم المعاقَب، وبالتالي الحؤول دون تفلّته من العقاب.
النوع الثاني من العقوبات الخاصة بقطاعات محدّدة، وهي تستهدف قطاعات محدّدة بعينها لأهميتها على الشكل التالي:
- القطاع المستهدف: تكنولوجيا الصناعة الاستخراجية لقطاع البترول
النشاط: بيع أو تزويد أو تقديم دعم ببدل أو بالمجان ومن دون سقف مالي محدّد للتعاملات.
- القطاع المستهدف: أساسيات الصناعة البتروكيميائية من نفط خام وغاز مسال
النشاط: بيع أو تزويد بسقف مالي محدد للنشاط الواحد 500 ألف دولار أميركي، أما السقف التراكمي فهو 2 مليون دولار خلال سنة.
- القطاعات المستهدفة: قطاع النقل الجوي المدني وقطاعا النقل البحري والاتصالات.
النشاط: بيع أو تزويد قطع غيار أو سلع أو خدمات أو تكنولوجيا
- النطاق الجغرافي: المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية بسقف مالي غير محدّد.
- العقوبات الخاصة بشأن نقل الأسلحة والمواد المتعلّقة بها إلى سوريا. استناداً إلى الصلاحيات الاستثنائية للرئيس الأميركي، يمكنه أن يفرض عقوبات مماثلة لما سبق، على أيّ شخص أجنبي قام بتصدير، أو نقل، أو تقديم دعم مالي أو مادي أو تكنولوجي كبير لقطاعات عسكرية محدّدة، من شأنها أن تساهم بشكل أساسي في زيادة القدرات العسكرية للحكومة السورية.
وبإيجاز مفيد نلاحظ الآتي:
- الأفعال المادية المجرّمة هي: تصدير أو نقل أو تقديم دعم مالي أو مادي أو تكنولوجي إلى تلك القطاعات العسكرية.
- الأجنبي: هنا بمفهوم هذه المادة، وسنداً إلى المادة 594.304 من القانون الفيدرالي، يعني «الشخص الأجنبي» أي مواطن أو مواطن لدولة أجنبية (بما في ذلك أي فرد يكون أيضاً مواطناً أو مواطناً في الولايات المتحدة) أو أي كيان غير منظم فقط بموجب قوانين الولايات المتحدة، أو موجود فقط في الولايات المتحدة. فالأجنبي هنا، له مفهوم موسع يطاول المواطن الذي يحمل الجنسية الأميركية، ولكنّه يُعامل معاملة الأجنبي أي بصفته الأجنبية عند ارتكابه جرم الدعم العسكري.
اما العقوبات الجنائية فهي:
أ ــــ الغرامة المالية وأقصاها 250.000 د. أ، أو مبلغ يساوي ضعف مبلغ المعاملة وهو أساس الانتهاك الذي تفرض عليه العقوبة.
ب ــــ العقوبة الجنائية بحالة القصد. غرامة لا تزيد على مليون دولار للمؤسسات، أو السجن لمدة لا تزيد على 20 سنة أو كلاهما.
أما القطاعات العسكرية المستهدفة فهي:
- امتلاك أو تطوير:
(أ) أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو نووية أو أي تكنولوجيات أخرى
(ب) قدرات باليستية أو صواريخ موجهة (كروز)
(ج) أسلحة تقليدية متطوّرة بأعداد وأنواع تقوّض الاستقرار
(د) امتلاك لوازم دفاعية، أو خدمات دفاعية، أو معلومات دفاعية، وفقاً لقانون الرقابة على صادرات الأسلحة
(ه) امتلاك مواد حددها الرئيس في قائمة أعتدة الولايات المتحدة الحربية من قانون الرقابة على صادرات الأسلحة
ومن الملاحظ في البند (ج)، أنه وضع معياراً سياسياً للتجريم، وهو «مفهوم تقويض الاستقرار»، وهو مصطلح غامض ومطاط ويمكن تأويله في السياسة والأمن باستنسابية عالية.
- في الاستثناء من العقوبات: الاستثناء الدبلوماسي.
ورد الاستثناء الأبرز في إطار الالتزام باتفاقية مقر الأمم المتحدة، وذلك لأنّ للقانون هدفاً رئيسياً يتجلّى في دفع الحكومة السورية إلى التفاوض، أو تقديم تنازل في الميدان، وفق ما يُفهم من العنوان الرابع المتعلّق بتعليق العقوبات. وللرئيس أن يتخلّى عن تطبيق العقوبات لمدة 120 يوماً قابلة للتجديد مرة واحدة، إذا رأى ذلك ضرورياً في إحدى الحالات التالية: تقديم العون الإنساني أو الدعم لتعزيز الديمقراطية للشعب السوري؛ أو لضرورات حماية مصالح الأمن القومي الأميركي.
تنتهي مدة سريان القانون في 31/12/2021