رغم مسارعة تل أبيب بضم الضفة.. لماذا ستشهد العلاقات الخليجية مع إسرائيل مزيداً من الانفتاح؟

رغم مسارعة تل أبيب بضم الضفة.. لماذا ستشهد العلاقات الخليجية مع إسرائيل مزيداً من الانفتاح؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٢ يونيو ٢٠٢٠

“إسرائيل موجودةٌ سواء أعجبكم ذلك أم لا”، كانت هذه العبارة جزءاً من مشهد عُرض في المسلسل التلفزيوني السعودي “مخرج 7” خلال شهر رمضان الماضي، إذ خلص الممثل راشد الشمراني إلى أنّه كان سيسعد بالعمل مع الإسرائيليين، وجادل بحجةٍ واهية تتهم الفلسطينيين بأنّهم العدو الحقيقي؛ “لإهانتهم السعودية ليلاً ونهاراً”، حسب تعبيره.
أثار المسلسل حينها كثيراً من التكهُّنات حول كونه تمهيداً لاتجاهٍ حقيقي من أجل الاعتراف رسمياً بالدولة التي لطالما ظلت عدواً علنياً للعالم العربي. ويأتي ذلك في وقتٍ تخلّت خلاله عدة دول خليجية عن الماضي، وقدّمت مبادرات سرية وهادئة لإسرائيل حول مختلف القضايا بدءاً من الأمنية والاستخباراتية ووصولاً إلى التعاون التقني، كما تقول مجلة The National Interest الأمريكية.
ووفقاً للتقارير الإعلامية، تواصلت ثلاث دول خليجية مع إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة؛ من أجل الحصول على المعلومات والدعم في مكافحة فيروس كورونا. وتجلّت رياح التغيير علناً بالفعل عام 2018 حين أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال مقابلةٍ مع مجلة Atlantic Magazine الأمريكية، أنّ الإسرائيليين لهم الحق في الحصول على أرضهم، مع التركيز على أنّ مملكة آل سعود تتشارك المصالح مع الدولة اليهودية. وعلى نحوٍ مُماثل، أعلن وزير الخارجية يسرائيل كاتس، العام الماضي، أنّ إدارة ترامب كانت تناقش مع إسرائيل توقيع مبادرة “عدم اعتداء” مع دول خليجية لم يذكر اسمها.
وفي حين ترغب بعض الدول الأعضاء داخل مجلس التعاون الخليجي في إقامة علاقات اقتصادية وأمنية أكبر مع إسرائيل وراء الكواليس، لكن المجتمعات لا ترغب في ذلك. فما هو الوضع الحالي والآفاق المستقبلية لهذه العلاقة؟
كيف تنظر إسرائيل إلى دول الخليج؟
من المنظور الإسرائيلي تتمتّع الدول الخليجية “السنية” بموارد مالية هائلة وقُرب جغرافي من عدوها اللدود، إيران “الشيعية” التي تنظر إليها إسرائيل على أنّها التهديد الرئيسي لوجودها. ومن شأن التحالف الاستراتيجي مع ملكيات الخليج أن يُمثّل خطوةً كبيرة في اتجاه تحويل إسرائيل من قوةٍ إقليمية متوسطة إلى قوةٍ إقليمية رائدة. وفي الوقت نفسه، سيخسر الفلسطينيون مورد قوتهم الإقليمية الكبير المُتبقي: قدرتهم على عرقلة التطبيع مع إسرائيل.
وعلى نحوٍ مماثل، شعرت الدول الخليجية بالتهديد منذ توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة بين مجموعة الـ5+1 (الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا) وإيران. وأصاب القلق عديداً من حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين التقليديين، في ظل خسارة المعارضة السنية بالحرب السورية، والصراع الذي لا يُمكن الفوز به في اليمن، وزيادة حزم إيران ونفوذها الإقليمي، إلى جانب اهتمام إدارة ترامب الضعيف بقضايا الشرق الأوسط.
التخلي الكامل عن القضية الفلسطينية
وفي انتظار رؤية ما إذا كان ولي العهد، محمد بن سلمان، “إصلاحياً حقيقياً”، لكن يبدو أنّه “عقد العزم” على وقف توسُّع النفوذ الإيراني الذي حذّر منه العاهل الأردني عبدالله الثاني، قبل عقدٍ كامل، ووصفه بـ”الهلال الشيعي”. وصار التطبيع الجزئي للعلاقات مع إسرائيل -التي تمتلك القوة العسكرية والإرادة السياسية للحد من نفوذ إيران- مقبولاً وعادياً في ضوء هذه الحقائق الجيوسياسية.
وتُؤدّي إسرائيل “دورها المُتصوّر” بوصفها بوابة تحسين العلاقات مع إدارة ترامب -التي تشمل “صفقةُ القرن” الخاصة بها للسلام في الشرق الأوسط رؤيةً لتقارب عربي إسرائيلي أوسع نطاقاً- مما يساعد في تفسير هذه المواقف المتغيّرة.
ولكن في ظل الدعم الشديد من الرأي العام العربي للقضية الفلسطينية وانتقاده سياسات إسرائيل -واقتراب تنفيذ خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضم الضفة الغربية- تخشى الدول الخليجية من رد الفعل الشعبي العنيف رغم الأدلة المتزايدة على تراجع الرغبة الرسمية لهذه الأنظمة في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
هل دول الخليج مستعدة لهذه المخاطرة الكبيرة؟
وسيظل التساؤل مطروحاً حول ما إذا كانت تلك الدول جاهزة لمخاطرةٍ أكبر بمزيدٍ من الانفتاح حول حجم العلاقات غير الرسمية التي أُقيمت بالفعل مع إسرائيل، إذ لم تحصل تلك الدول على عائدٍ مناسب منها حتى الآن، من وجهة نظرها. في حين تستمتع الرياض والمنامة وأبوظبي حالياً بمكاسب تكفيها من تعاونها السري مع إسرائيل.
وبالنظر إلى تلك التطوّرات، فمن المُرجّح أن تُواصل إسرائيل تأدية دور “العشيقة الدبلوماسية” لملكيات الخليج. في حين تسعد الدول الخليجية بمغازلة إسرائيل إعلامياً، في السر تارة، وفي العلن تارة أخرى، دون أن ترغب إحداها حتى الآن على الأقل، في التورّط بشكلٍ رسمي في هذه العلاقة. ومع عدم إحراز أيّ تقدُّم على المسار الفلسطيني، فسوف تتواصل هذه العلاقة وتتطو ولكن خلف الأبواب المُغلقة على الأرجح.