هل حان الوقت لتبدأ أمريكا في تغيير سلوك السعودية؟

هل حان الوقت لتبدأ أمريكا في تغيير سلوك السعودية؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١١ يونيو ٢٠٢٠

يسمح الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية، للنظام في الرياض بمتابعة السياسات المحلية والإقليمية الضارة، التي تعود بنتائج عكسية على كلتا الدولتين. وتحت مظلة الدعم الأمريكي غير المشروط تتصرف السعودية بصورة سيئة، وتخسر واشنطن المصداقية، ليس فقط في السعودية، بل وفي الشرق الأوسط أيضاً.
 
ففي غياب التدقيق من جانب القوة التي تُسلِّح السعودية وتُواصل دعمها، استطاع ولي العهد محمد بن سلمان القضاءَ على الأصوات المعارِضة في المملكة، وأسكت الحركة النسوية الوليدة، واعتقل علماء الدين المنتقدين له، وشنَّ حملة إذلال ضد منافسيه في الأسرة الحاكمة.
 
وحتى مسؤولية ولي العهد المزعومة عن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بقنصلية السعودية في إسطنبول لم يبدُ أنَّها أحرجت الرئيس ترامب، فسرعان ما تبنَّى هذا الأخير توصيف النظام لخاشقجي باعتباره عدواً للدولة، بعد تشكيكه فيما إن كان ولي العهد مسؤولاً عن إصدار الأمر بقتل خاشقجي أم لا.
 
فقال ترامب آنذاك، في تصريحٍ يُلخِّص كيف تعاملت واشنطن مع جريمة بهذا الحجم: “من الممكن جداً أنَّ ولي العهد كان على علم بهذا الحدث المأساوي، ربما كان على علم وربما لم يكن”.
 
استمرَّ ترامب في تجاهل التقارير المهمة من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) ووكالات الأمم المتحدة، وظلَّ غيرَ مستعدٍ للمَساس بعلاقته الشخصية مع ولي العهد السعودي. ونتيجة لذلك، طمأنت إدارة ترامب السعودية بأنَّ الجريمة لن تُغيِّر أبداً العلاقات الوثيقة التي تشكَّلت، فيما أحبطت الرياض أي محاولة لتحقيق العدالة ومعاقبة مرتكبي جريمة القتل الشنيعة هذه.
 
تُعَد الولايات المتحدة أكبر مُورِّد للأسلحة إلى السعودية، وكانت كذلك على مدى أكثر من نصف قرن، لكن لم يستخدِم الجيش السعودي تلك الأسلحة دون مساعدة من المُورِّدين قطُّ.
 
ففي عام 1991، لم تستطع السعودية الدفاع عن حدودها حين غزا صدام حسين الكويت. ولم يشعر البلد بالأمان إلا بعد تجميع قوة عسكرية دولية قوامها 500 ألف جندي، معظمهم أمريكيون، وإرسالها إلى السعودية. وزادت السعودية منذ ذلك الحين ميزانياتها وقدرتها العسكرية، الأمر الذي عاد بالنفع في المقام الأول على مُصنِّعي السلاح الأمريكيين.
 
لكنَّ السعودية بدأت في عام 2015 تختبر قدراتها العسكرية الخاصة. فاستخدمت أسلحتها المُصنَّعة أمريكياً في الحرب على اليمن، التي صارت الآن في عامها الخامس، دون أن تتمكن من تأمين الانتصار السريع الذي كان النظام يتوقعه. وبرهن الصمت الأمريكي على الفظائع السعودية باليمن أنَّه غطاءٌ جيد يمكن أن تُواصل الرياض تحتَه شنَّ الغارات الجوية على واحدٍ من أفقر بلدان العالم العربي، ما عجَّل بأزمة إنسانية كبيرة الحجم.
 
ويسمح دعم واشنطن غير المشروط للرياض لهذه الأخيرة باتباع سياسة إقليمية عدوانية في العالم العربي. فمنذ أصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد عام 2017 مزَّق مجلسَ التعاون الخليجي، الذي تأسَّس عام 1983 بمباركة الولايات المتحدة لتعزيز دفاعات منطقة الخليج ضد إيران.
 
لكنَّ السعوديين تحت قيادة ولي العهد شقَّوا توافق وتعاون الخليج حين تفاقم الخلاف مع قطر. فقادت السعودية والإمارات والبحرين معسكراً ضد قطر، في حين يحاول البلدان المتبقيان في مجلس التعاون الخليحي يائسين الدفع باتجاه مصالحة.
 
وفي حين بقيت واشنطن إلى حدٍّ كبير على الهامش تمكَّنت إيران من صياغة تقارب مع قطر المنبوذة، وهي النتيجة التي ربما لم تكن واشنطن تتوقعها قط. وفي حين كان تشكيل مجلس التعاون الخليجي يهدف لحماية دول الخليج من إيران، وتعزيز مصالح واشنطن في المنطقة، فمن الواضح أنَّ ولي العهد السعودي في الواقع يتصرف وحيداً دون اعتبار للمصالح الأمريكية. ومع ذلك يبقى مدعوماً في واشنطن، لكن لماذا؟
 
تأمل واشنطن أن يصبح ولي العهد محورياً في فرض خطة ترامب-كوشنر للسلام على الإسرائيليين والفلسطينيين. لكنَّ واشنطن تراهن على فرس من المستبعد أن ينجح، فالرياض لم تكن قط، ولن تكون أبداً، العاصمةَ التي يمكن فيها الترويج للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فحتى لو كثَّفت الرياض علاقاتها السرية مع إسرائيل فلن تكون قادرة على تحقيق نتيجة ترضي الفلسطينيين.  
 
وعلاقات الرياض مع الفصائل الفلسطينية المختلفة ليست ودية في الوقت الراهن، ولا يتطلع كثير من الفلسطينيين للحصول على الدعم من ولي العهد. وتُواصل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة شيطنة الفلسطينيين وإلقاء اللوم عليهم في محنتهم. ومِثلُ هذا النهج ليس قادراً على خلق أجواءٍ من الثقة تسمح بمفاوضاتٍ صريحة وبنَّاءة، في حال بدأت تلك المفاوضات في المستقبل القريب.
 
والطرف المُسهِّل للسلام، بحكم التعريف، هو الطرف الذي يقف على مسافة متساوية من جميع المتنازعين على طاولة المفاوضات. وولي العهد بعيد عن أن يكون مفاوضاً؛ لأنَّ سجله حتى الآن يُثبت أنَّه مُتنمِّر أكثر من كونه وسيطاً أو مُسهِّلاً ماهراً.
 
وعلى دعم واشنطن للرياض أن يسترشد بمبدأ جديد يرتبط باعتراف الرياض بأنَّ القمع المحلي يؤدي إلى نتائج عكسية، حتى لو كان مَنَحَ ولي العهد وهم الاستقرار الداخلي في الوقت الراهن. ولا يمكن للقمع المطول إلا أن يرتد بنتائج عكسية ويزعزع استقرار المملكة.
 
علاوة على ذلك، ليس من مصلحة الأمن القومي الأمريكي غض الطرف عن عدوانية النظام في المنطقة، والدبلوماسية الفاشلة في التصالح مع الجيران الخليجيين، التي أدَّت إلى خليجٍ مُمَزَّق، وتزايُد النفوذ الإيراني في المنطقة.
 
ويجب أن يكون أي دعم ومبيعات أسلحة ربما تفكر فيها واشنطن مشروطةً باحترام ولي العهد للمعايير والقيم الدولية، إذ تعتمد مصلحة الأمن القومي لواشنطن في المدى الطويل على وجود شركاء في العالم العربي، متصالحين مع مواطنيهم داخلياً وجيرانهم إقليمياً.