الصين تتوغل داخل أراضٍ تدَّعي الهند ملكيتها.. فهل تتحول معارك العصي والحجارة لحرب بين البلدين النوويين؟

الصين تتوغل داخل أراضٍ تدَّعي الهند ملكيتها.. فهل تتحول معارك العصي والحجارة لحرب بين البلدين النوويين؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٩ مايو ٢٠٢٠

في أعالي غرب جبال الهملايا، حيث تلتقي الصين والهند، رشق الجنود بعضهم بعضاً بالحجارة ولوَّح بعضهم بالقضبان الحديدية والعصي في وجه البعض الآخر عند بحيرة بانجونج، في فصل غريب من الصراع الحدودي الصيني الهندي. 
 
وقالت وسائل الإعلام الهندية إن العشرات قد أصيبوا.
 
كانت هناك مواجهة مماثلة في سيكيم، على بُعد أكثر من 1000 ميل، بعد أيام قليلة، وذلك في رقعة حدودية بالمنطقة الشرقية من جبال الهملايا لم تكن من قبلُ بؤرة توتر، حسبما ورد في تقرير صحيفة The Washington Post الأمريكية.
 
أسباب الصراع الحدودي الصيني الهندي وهل يؤدي إلى اندلاع حرب بين البلدين؟
ليس واضحاً بدقة سبب اندلاع الاشتباكات على ارتفاع 14 ألف قدم، حيث يجري التنازع على أجزاء من الحدود، ويشيع أن كلا البلدين أرسل دوريات إلى الخطوط التي يزعم سيادته عليها، ثم يسحبها مرة أخرى.
 
بيد أن احتمالية تصعيد مواجهة عن طريق الحجارة والعصي إلى مواجهة من نوع آخرَ أكثر خطورة، تسبب قلقاً يُسمع صداه في أماكن أبعد تصل إلى واشنطن.
 
وغرد ترامب، الأربعاء 27 مايو/أيار، قائلاً: “أبلغنا كلاً من الهند والصين بأن الولايات المتحدة مستعدة وعازمة وقادرة على التوسط أو الفصل في النزاع الحدودي المستعر الآن بينهما”.
 
هل الأمر جزء من استقواء صيني عام؟
الحدود الغربية الصينية ليست المكان الوحيد الذي تستعرض فيه بكين عضلاتها هذه الأيام.
 
فمؤخراً، واجهت سفن المراقبة البحرية الصينية قارب صيد فيتنامياً وسفينة تنقيب عن النفط ماليزية في بحر الصين الجنوبي خلال الأسابيع الأخيرة، وأغرقت القارب الفيتنامي. وأبحرت بَحرية جيش التحرير الشعبي بحاملة طائرات عبر مضيق تايوان مرتين في الشهر الماضي، مما وضع الجزيرة التي تتمتع باستقلال غير رسمي، في حالة تأهب.
 
ومررت بكين قانون أمن قومي جديداً يخص هونغ كونغ، قد يجرد المدينة بشكل أساسي من حكمها الذاتي المتبقي.
 
وقالت أليس ويلز، مسؤولة شؤون جنوب آسيا بوزارة الخارجية الأمريكية، في الأسبوع الماضي، إن التوترات تذكِّر بأن “العدوان الصيني لا يكون دائماً محض خطابات”.
 
وأضافت في حديثها مع الصحفيين: “سواء كان في بحر الصين الجنوبي أو على طول الحدود مع الهند، فإننا نواصل مشاهدة الاستفزازات والسلوك المزعج من جانب الصين، الذي يثير تساؤلات حول الطريقة التي تسعى بها بكين لاستخدام قوتها المتنامية”.
 
وتضيف جائحة فيروس كورونا عنصراً آخر إلى المسألة. أفاد تقرير لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان، والصادر هذا الشهر، بأن بكين كانت تستغل “تشتُّت” العالم بسبب تفشي الفيروس.
 
قال تايلور فرافيل، الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن الصين على الأرجح أكثر قلقاً بشأن أن يُنظر إليها على أنها ضعيفة بسبب فيروس كورونا، بل أكثر عزماً على مضاعفة الرهان على مطالبات السيادة الخاصة بها، في حين ينظر العالم إلى الجانب الآخر.
 
جذور الصراع الحدودي الصيني الهندي، ولماذا يبدو الأمر مختلفاً هذه المرة؟
تجدر الإشارة إلى أن النزاع الأخير على طول “خط السيطرة الفعلية”، الذي يشكل الحدود غير الرسمية بين الصين والهند منذ أن خاضتا حرباً في عام 1962، أثار استجابة من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
 
من المعروف أن الاشتباكات بالقرب من خط السيطرة الفعلية شائعة. إذ سبق أن أرسلت الهند قواتها لمنع الصين من تشييد طريق بمنطقة دوكلام المتنازع عليها في عام 2017، مما أطلق مواجهات استمرت شهرين، وأثارت مخاوف من اندلاع حرب بين الجارتين اللتين تملكان أسلحة نووية.
 
وظلت العلاقات بين البلدين متوترة، بل تفاقمت من جراء جهود العاصمتين لتأجيج المشاعر القومية.
 
 
ترامب عرض الوساطة بين الصين والهند/رويترز
وبينما يبدو أن البؤرة الواضحة لاندلاع هذا الصراع هي الموقع الحدودي الذي يشهد تصادم كلا البلدين بعضهما ضد بعض، فإن التقارير في الهند تشير إلى أن الصين قطعت شوطاً أبعد هذه المرَّة، مع عبور القوات الصينية إلى داخل الأراضي التي تطالب بها الهند في وادي نهر جالوان، نحو 125 ميلاً شمال بحيرة بانجونج، وأقامت معسكرات هناك.
 
قال المحللون إن اقتحام وادي جالوان يمثل -في حال تأكُّد وقوعه- تغيراً عن النهج المتبع في الماضي.
 
قال أجاي شوكلا، محلل الدفاع الهندي والضابط السابق الذي كتب عن التوترات: “هذا تجاوز غير مسبوق على نحو خطير”، مضيفاً أنه لا يستطيع تذكُّر حادثة مماثلة على مدى ثلاثة عقود، منذ أن وضعت الصين والهند بروتوكولات لبناء الثقة على الحدود. وأوضح قائلاً: “هذا تحرك رفيع المستوى ومنسق ومخطط له من الجانب الصيني”.
 
من المعروف أن ما يعيق معرفة ما يحدث في غرب جبال الهملايا -حيث تواجه منطقة لداخ الهندية منطقة التبت ذات السيادة الصينية- يعزى بدرجة كبيرة إلى صعوبة الوصول إلى هذه المنطقة.
 
وقالت تانفي مادان، الخبيرة بالشأن الهندي في معهد بروكينغز الأمريكي: “التفسير الألطف للموقف الحالي هو أنه أحد الأمور التي خرجت عن السيطرة”.
 
طريق تشيده الهند استفز الصين
ويبدو أن النزاع يتمحور حول تشييد الهند طريقاً رئيسياً في وادي جالوان، الذي يمتد بالتوازي تقريباً مع خط السيطرة الفعلية. يعترض كلا الجانبين على أي مشروعات تنمية تتحدى الوضع الراهن.
 
قالت مادان: “الصين ليست سعيدة بإتمام هذا الطريق وتدشينه في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ولن تسمح بالضرورة للهند بأن يكون لها حضور أقوى في تلك المنطقة بأكملها”.
 
وأفادت وسائل الإعلام الهندية بأن جيش التحرير الشعبي الصيني نشر نحو 5000 جندي في الأراضي التي تطالب بها في وادي جالوان، هذا الشهر.
 
وقال أنوراج سريفاستافا، المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، في الأسبوع الماضي، إن الصين “اضطلعت بأنشطة مؤخراً تستهدف إعاقة الأنماط الاعتيادية الهندية لتسيير الدوريات. إننا ملتزمون التزاماً راسخاً بالحفاظ على سيادة وأمن الهند”.
 
رفض متحدث باسم وزارة الدفاع الهندية التعليق على التوترات مع الصين، ولم يرد على تساؤلات عما حدث في وادي جالوان. في تصريحات أدلى بها للصحفيين هذا الشهر، قلل القائد العام للقوات البرية الهندية، الجنرال مانوج موكوند نارافان، من أهمية الحوادث، بوصفها جزءاً من نموذج قائم لـ”مواجهات مؤقتة وقصيرة الأمد”، بسبب الطبيعة غير المستقرة للحدود.
 
وقلل الدبلوماسيون الصينيون كذلك من حدة التوترات. فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، الأربعاء 27 مايو/أيار، إن البلدين “قادران على حل هذه القضايا بطريقة ملائمة عبر الحوار والتشاور”.
 
بيد أن ما يثير المخاوف هو أنَّ نهج الصين العدائي على الحدود يتزامن مع زيادة أخرى في موازنة الدفاع الخاصة بها، حتى في الوقت الذي يعاني فيه اقتصادها من شبه توقُّف في خضم الجائحة. أعلن قادة الحزب الشيوعي عن زيادة بنسبة 6.6% في موازنة الدفاع هذا الأسبوع، ليصل الإنفاق السنوي على الدفاع إلى 178 مليار دولار.
 
كيف أججت سياسات ترامب عدوانية الصين؟
قالت بوني جلاسر، مديرة مشروع الطاقة الصيني بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إنه على الرغم من انتقاد مسؤولي ترامب لتحركات الصين، يمكن أن تكون التوترات بين الولايات المتحدة والصين قد أدت في الواقع إلى توقف بكين عن مراعاة الغضب الأمريكي.
 
وأوضحت قائلة: “على مدى سنوات، كانت المحافظة على علاقة مستقرة مع الولايات المتحدة أولوية قصوى بالنسبة لبكين، ولعله كان يشكل ضبط نفس جزئياً على سلوك الصين”.
 
اتخذت التوترات حول التجارة والتكنولوجيا وحقوق الإنسان بُعداً جديداً مع ظهور فيروس كورونا المستجد، الذي تلقي إدارة ترامب باللائمة فيه على الصين؛ لسماحها بانتشاره.
 
قالت بوني: “يبدو أن الصين الآن تخلت عن أمل أن تحظى بعلاقات مستقرة مع الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب. سلوك الصين ضد هونغ كونغ، وضغطها على تايوان وحملتها التضليلية العالمية، تشير جميع هذه التحركات إلى أن بكين يمكن أن تكون غير مبالية بردود فعل الولايات المتحدة تجاه قراراتها”