الإنفاق العسكري في زمن التقشف.. هل تستطيع دول الخليج مواصلة التمويل الباذخ لجيوشها بعد أزمتي كورونا والنفط؟

الإنفاق العسكري في زمن التقشف.. هل تستطيع دول الخليج مواصلة التمويل الباذخ لجيوشها بعد أزمتي كورونا والنفط؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٢ مايو ٢٠٢٠

تثير التبعات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا المستجد شكوكاً حول قدرة دول الخليج على تمويل سباق تسلح مُكلِّف يضطرم في المنطقة. ولن يسفر هذا السباق عن إعادة تشكيل الوضع الجيوسياسي لتلك الدول فحسب، بل أيضاً جهودها لجعل جيوشها عماد هويتها القومية الجديدة في وقت تضطر فيه لإعادة التفاوض على عقودها الاجتماعية العتيقة، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
 
عسكرة ما بعد انهيار أسعار النفط
يُشكِّك الانخفاض الكبير في إيرادات تلك الدول، نتيجة لانهيار أسعار النفط والغاز وانخفاض الطلب العالمي انخفاضاً كبيراً، في ما إذا كان بوسع دول مثل السعودية والإمارات الحفاظ على مستوى إنفاق عسكري ضخم يضعها بين أكبر مشتري الأسلحة في العالم.
 
وكان الإنفاق العسكري السعودي والإماراتي مدفوعاً بالحاجة المُتصوَّرة لمواجهة التقدم الإيراني في تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى قدرتها العسكرية النووية المحتملة والوكلاء العرب المدعومين من إيران. وانضمت قطر إلى السباق مؤخراً رداً على المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية المستمرة ضدها منذ 3 سنوات بقيادة السعودية والإمارات.
 
ومن ثم، جعل هذا الإنفاق الضخم الجيشَ محركاً لهوية مبنية على النزعة القومية بدلاً من الدين أو التراث القبلي، وكان يهدف إلى المساعدة في إرساء قواعد عملية الانتقال النهائية، التي قد تكون مؤلمة، إلى اقتصادات ما بعد النفط الأكثر تنوعاً وكفاءة.
 
وخدم هذا الغرض استحداث الإمارات وقطر والكويت التجنيد الإجباري للذكور، وكذلك قرار السعودية فتح باب التطوع في الخدمة العسكرية للنساء خلال العقد الماضي، بالإضافة إلى الجهود الحكومية لتوسيع مشاركة المواطنين في القوى العاملة على حساب العمالة الوافدة والمغتربة، بما في ذلك في القوات المسلحة.
 
الإنفاق على "تعزيز هيبة الجيوش"
وشكَّلت هذه التحركات انفصالاً عن العهد الماضي الذي لم يكن يثق فيه الحكام العرب ثقةً كبيرة بجيوشهم، واستخدموا طرقاً متعددة لحماية أنفسهم من محاولات مدعومة من الجيش لإطاحتهم من السلطة.
 
وتوقَّع الحكام السعوديون والإماراتيون أن يسهم تدخلهم العسكري في اليمن ومشاركة الإمارات في الحرب الليبية في تعزيز هيبة الجيش بعد تحقيق انتصارات سريعة وحاسمة.
 
إلا أنه بمرور 5 سنوات الآن على ذلك، أدى التدخل غير الحكيم في اليمن إلى نتائج مختلطة في أحسن الأحوال. وكذلك فعلت الجهود الإماراتية بدعم خليفة حفتر لإسقاط حكومة الوفاق الوطني الليبي الإسلامية المعترف بها دولياً. ومع ذلك، ربما تكون الإمارات أفضل حالاً من الجيش السعودي الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنَّ صورته تشوّهت بقوة دولياً.
 
تقليص تمويل حرب اليمن وتبعاتها
وبدا في الآونة الأخيرة أنَّ السعودية تعترف ضمنياً بأنها لا تستطيع كسب حرب اليمن عسكرياً. وأشارت تقارير إلى أنَّ الحكومة السعودية تقلِّص تمويلها للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، التي تتخذ من السعودية مقراً لها ويرأسها عبدربه منصور هادي.
 
وبالمثل، عانى المتمردون الليبيون المدعومون من الإمارات بقيادة المشير حفتر من المصير نفسه. إذ تبيَّن أنَّ وعد حفتر قبل أكثر من عام بشن غزو مباغت على العاصمة الليبية طرابلس هو مجرد وهم، بالإضافة إلى أنَّ قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا وضعت متمردي المشير في موقف دفاعي.
 
ويراهن حكام السعودية والإمارات على أن تركيزهم على القيم المرتبطة بالقومية والقوات المسلحة مثل "الوطنية والتضحية والانضباط والواجب ومفاهيم المواطنين النموذجيين الأبطال" سيعزز تقدير الجمهور للجيش على الرغم من سجله المتقلب. وفي الوقت الحالي، يبدو أنَّ هذا رهان فائز.
 
فمن جانبها، نجحت السعودية في اكتساب الدعم الشعبي للقوات المسلحة وحرب اليمن، على الرغم من الانتقادات الدولية واسعة النطاق، وذلك من خلال "رثاء التضحيات الوطنية" للجنود السعوديين، وتعويض عائلات الجنود الذين لحقت بهم إعاقة دائمة أو الذين فقدوا أرواحهم، إلى جانب إنشاء مؤسسات متعددة لضمان حقوق المحاربين القدامى. في حين أضفت دولة الإمارات طابعاً مؤسسياً على تكريم الشهداء العسكريين.
 
ومع ذلك، ففي نهاية المطاف، يثير السجل المختلط للجيشين السعودي والإماراتي تساؤلات حول إلى أي درجة يمكن أن يصبح هؤلاء حملة لواء غير مؤهلين للهويات الوطنية الجديدة.
 
الإنفاق العسكري في زمن التقشف
إضافة إلى ذلك، يطرح هذا سؤالاً عمّا إذا كانت الشعوب في دول مثل السعودية، التي أُجبِرَت على فرض تخفيضات مؤلمة على الإنفاق الاجتماعي من دون إشارة إلى أنَّ النخب تتقاسم العبء مع الشعب، ستستمر في دعم الإنفاق العسكري الضخم في وقت التقشف.
 
وإن أمكن الاستناد إلى وسائل التواصل الاجتماعي للوصول لحكم، فإنَّ كثيراً من السعوديين يثنون على الحكومة لعملها على ضمان عودة المواطنين السعوديين بالخارج إلى المملكة في بداية تفشي الجائحة، وكذلك تمويل الحجر الصحي لمنع انتشار الفيروس، ودعم رواتب القطاع الخاص المتأثرة بحالة الإغلاق بنسبة تصل حتى 60%.
 
ومع ذلك، أعرب عدد لا بأس به من المواطنين عن قلقهم من أنَّ الطبقتين المتوسطة والدنيا هي التي ستتحمل وطأة التداعيات الاقتصادية للجائحة وتساءلوا عن جدوى استمرار صندوق الاستثمار العام وصندوق الثروة السيادية للمملكة في الاستثمار في الجوائز مثل نادي كرة القدم الإنجليزي نيوكاسل يونايتد. ومع ذلك، لم يكن الإنفاق العسكري حتى الآن موضع تساؤل.
 
وتلوح في الأفق قضية معقدة تتمثل في حقيقة أنَّ غالبية الضحايا الإماراتيين والسعوديين في اليمن ينحدرون من إمارات ومحافظات فقيرة في الدولتين، وبعضها موطن لأقليات دينية لها تاريخ من الشعور بالحرمان. ونتيجة لذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت الخدمة العسكرية ستضيّق الفجوات الاجتماعية في نهاية المطاف أم توسّعها.
 
من جانبها، حذَّرت إلينورا أرديماني، الباحثة في شؤون الخليج، "العسكرة تعزز أمن النظام، وبالتالي تخدم الأمن القومي مرتين ضعف.. ومع ذلك، من المحتمل أنَّ تأجيج مشاعر القومية سيزيد من الاستقطاب الإقليمي".       
 
وركَّز تحذير إلينورا على خطر العسكرة في ترسيخ الاختلافات بين دول الخليج. لكن يطرأ سؤال هنا حول ما إذا كان نجاح العسكرة حتى الآن في تعزيز "التلاحم الوطني" يمكن أن يكون له جانب انعكاسي يسفر في ظروف أقسى عن استقطاب وليس عن وحدة.