تركيا.. إردوغان وسيناريوات المستقبل الغامض

تركيا.. إردوغان وسيناريوات المستقبل الغامض

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٢ مايو ٢٠٢٠

تمرّ تركيا بمرحلة صعبة ومعقّدة على الأصعدة كافّة، السياسية والعسكرية والمالية، متوقّع لها أن تقرّر مصير الرئيس رجب طيب إردوغان، وحزب «العدالة والتنمية» الذي يحكم البلاد منذ نهاية 2002. وضع كثيرون لهذه المرحلة وتطوراتها المحتملة الكثير من السيناريوات المثيرة، البعض منها له علاقة مباشرة بالأحداث والمعطيات الحالية داخلياً وخارجياً.
ومع الانتقادات العنيفة التي يوجّهها رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، للرئيس إردوغان وأدائه السياسي على صعيد السياستين الداخلية والخارجية (وهو ما انعكس على نتائج استطلاعات الرأي التي أثبتت تراجع شعبية إردوغان و«العدالة والتنمية»)، فقد بات واضحاً أن إردوغان يستعدّ للقيام بـ«شيء ما» للتصدّي لكلا الرجلين وحزبيهما، «المستقبل» و«الديموقراطية والتقدّم»، ومعهما باقي أحزاب المعارضة.
وهنا يبدأ حديث الإعلام الموالي عن السيناريوات المتداولة، بما فيها اتهام المعارضة بالتخطيط لانقلاب ضد إردوغان. جاء الرد سريعاً من المعارضة بكل أجنحتها، لتسأل: «كيف لنا أن نقوم بمثل هذا الانقلاب وإردوغان يسيطر على الجيش والمخابرات والأمن والقضاء منذ محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016 التي قام بها أتباع فتح الله غولن وهم حلفاؤه السابقون؟!».
يدخل على الخط المروّجون لسيناريو معاكس، بحديثهم عن فتور بين إردوغان ووزير الدفاع خلوصي آكار، ليدفع ذلك أصحاب هذا السيناريو إلى الحديث عن احتمالات إقالته من منصبه وتعيين صاحب مصنع الطائرات المسيّرة سلجوق بيرقدار، صهر إردوغان، بدلاً منه أو في منصب وزير الصناعة والتكنولوجيا. من دون أن يهمل آخرون، من المروّجين لسيناريوات أمتع، الحديث عن خلاف داخل العائلة بين الصهر الأكبر وزير الخزانة والمالية براءت ألبيرق، والصهر الأصغر بيرقدار.
ومع أن الحديث عن مثل هذه السيناريوات هو من سمات الشارع السياسي التركي، إلا أن الأمر مختلف هذه المرّة بسبب المعطيات التي رافقت هذه السيناريوات. فقد قرّر إردوغان فجأة نقل قائد العمليات الحربية في القوات البحرية الأميرال جهاد يايجي، إلى موقع غير مهم في رئاسة الأركان، ما دفع الأميرال إلى الاستقالة. تحدّث الوسط الإعلامي عن فتور، وربما توتّر، بين إردوغان وبعض قيادات الجيش، وهو ما اعتبرته المعارضة محاولة منه لإيهام الناس بأن هناك فعلاً مخططاً لإطاحته، مدعوم من الخارج، وهي في هذه الحالة واشنطن التي تأوي الداعية فتح الله غولن. لم يمنع هذا الكلام بعض الأوساط من الحديث عن سيناريو مغاير يشير إلى احتمالات أن تكون استقالة يايجي ثمن «المصالحة التركية ــــ الأميركية» المطلوبة بعد إغلاق ملف «أس 400»، أو صفقة روسية ــــ تركية في ليبيا، باعتبار أن يايجي كان مهندس الاتفاقية التركية ــــ الليبية الخاصّة بترسيم الحدود البحرية بين الدولتين في البحر الأبيض المتوسط. إذ سبق لإردوغان أن أقال العام الماضي قائد القوّات الخاصّة التي قامت بدور أساسيّ في التصدّي لمحاولة الانقلاب، زكائي أكساكللي، والجنرال إسماعيل تاماللي، قائد عملية «درع الفرات» في جرابلس وعملية «غصن الزيتون» في عفرين.
من جديد، تدخل السيناريوات المثيرة على الخط، لتتحدّث هذه المرّة عن محاولات فاشلة محتملة لاغتيال شخصيات مهمّة، ومنها الرئيس إردوغان، وهو ما قد يساعده لكسب تعاطف الشارع، فيدفعه ذلك إلى الإعلان عن انتخابات مبكرة بعد قرارات اقتصادية ومالية تساعده على استعادة شعبيته. يتحدّث هذا السيناريو عن مغامرات جديدة قد يلجأ إليها إردوغان في سوريا وليبيا، بما في ذلك التوغّل شرق الفرات لشحن الشعور القومي لدى ناخبيه القوميين. ولا يستبعد البعض أن يسعى، بوساطة أميركية، في مصالحة تكتيكية مع الأكراد ليساعده ذلك على إبعاد حزب «الشعوب الديموقراطي» (تصل شعبيته إلى 11٪) عن تحالف المعارضة الذي هزمه في الانتخابات البلدية. ثمّة هنا حديث عن صراع الأجنحة داخل الحزب المذكور، وهو ما يعكس اختلاف وجهات النظر بما يتعلّق باحتمالات هذه المصالحة، وبنجاحها ستتغيّر جميع موازين القوى تركياً وسورياً وإقليمياً، علماً بأن هذا السيناريو لا يمنع إردوغان من الاستمرار في سياسات التعسّف ضد «الشعوب الديموقراطي»، وقد أقال وزير داخليته 45 من رؤساء بلديات الحزب، تم وضع معظمهم في السجون بتهمة العلاقة مع حزب «العمّال الكردستاني» المحظور.
مهما يكن محتوى السيناريوات الأخرى، ومعظمها يراهن على الانعكاسات الخطيرة للأزمة المالية التي تعانيها البلاد بعدما فشل إردوغان في جميع مساعيه للحصول على قروض خارجية، فقد بقي هناك سيناريو واحد يتوقّع لتركيا مستقبلاً مظلماً بتفاصيل معقّدة قد ترشّح هذا البلد إلى «ربيع تركي» قادم، إلا في حال نجاح إردوغان في إثبات ما أظهره من حنكة سياسية أوصلته إلى ما هو عليه الآن داخلياً وخارجياً.
سياسة الترهيب تتصاعد
خرجت الكاتبة سافدا نويان، علي إحدى القنوات الإسلامية الموالية للرئيس إردوغان، لتقول إنها وعائلتها «على مقدرة على تصفية 50 شخصاً إذا فكّر الخونة بإلحاق أي ضرر بالرئيس». وعندما كان الشارع السياسي والشعبي والإعلامي يناقش كلام نويان الخطير، واعتبرته المعارضة استفزازاً لحرب أهلية، فوجئ الجميع بموقف المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون. الأخير بارك هذا الكلام بشكل غير مباشر بعدما رفض رئيس المجلس اتخاذ أي إجراء ضد القناة، وهو الذي اتخذ ويتخذ بحجج غير جدّية إجراءات مشدّدة ضد القنوات المعارضة. وبعد أيام خرج موال آخر للرئيس إردوغان، فاتح تازجان، ليقول: «على أعداء إردوغان أن يعوا جيّداً أننا أعددنا جداول الأسماء التي سنتخلّص منها وهم بالملايين. وعلى هؤلاء أن يفكّروا كيف سيحمون نساءهم وبناتهم منا بعد ذلك».
لم يعترض إردوغان على كلام نويان وتازجان، بل هدّد وتوعّد «ذوي النفوس المريضة»، وقال إن «تركيا ستتخلّص منهم قريباً». هذا التصريح، اعتبرته المعارضة بمثابة الرضى، إن لم يكن التأييد، لمثل هذا الأسلوب الخطير الذي قال البعض عنه إن الرئيس يريد له أن يشحن الشعور القومي والديني، بل والعاطفي، لدى أتباعه وأنصاره. وجاء الاستفزاز الأخطر عندما بثّ مجهول، قبل يومين، من مكبّرات الصوت في بعض الجوامع في مدينة أزمير، نشيد المقاومة الإيطالية ضد فاشية موسوليني في الحرب العالمية الثانية «بيللا تشاو».
بقي النهج التقليدي للسلطات، التي استمرّت في اعتقال الصحافيين ومعارضي إردوغان حتى إن كانوا على شبكات التواصل الاجتماعي، هو الأكثر رواجاً، مع الحملة الشنيعة والمسعورة التي يشنّها الإعلام الموالي للرئيس، ومعهم آلاف من «الذباب الإلكتروني» في شبكات التواصل الاجتماعي، ضد كل من يخطر على باله أن يعترض ولو بكلمة بسيطة على أي من سياسات الرئيس وفي أي موضوع كان. لم ينج حتى بولنت أرينج، نائب رئيس الوزراء السابق وعضو المجلس الاستشاري في القصر الجمهوري، من هذه الحملة، فقط لأنه اعترض على كلام الكاتبة نويان وانتقد تلاوة الصلوات في الجوامع في كل أوقات الصلاة وبصوت عال، ليتعرّض لهجوم عنيف جدّاً من الإعلام الموالي لإردوغان.