أزمة «سد النهضة»: الخيار العسكري وراء الظهر؟

أزمة «سد النهضة»: الخيار العسكري وراء الظهر؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٢ مارس ٢٠٢٠

موانع كثيرة تحول دون ضربة عسكرية مصرية لـ«سد النهضة». مع ذلك، يَروج حديث كثير عن هذا السيناريو الذي تنفي القاهرة أنها في هذا الوارد، على الأقل حالياً. لكن التهويل يخدم سياسة الضغط التي بدأتها مصر على صعد عديدة، أهمها إرسال مدير مخابراتها إلى دمشق والخرطوم وجوبا، ووفد عسكري إلى أديس أبابا، فهل يضع كل هذا احتمال الضربة وراء الظهر؟
صحيح أن الجيش المصري والأجهزة الأمنية وضعوا الخيارات كافة على الطاولة أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن كل المسؤولين في القاهرة يؤكدون أنه ليس أمامهم سوى «استنفاد جميع الطرق الدبلوماسية والقانونية قبل التفكير في أي خطوة عسكرية تستهدف سد النهضة الإثيوبي»، مع أنه تسبق ملء بحيرة السد أشهر قليلة بعد إخفاق جميع المفاوضات على مدار تسع سنوات تقريباً. يأتي ذلك في وقت يتداول فيه المصريون الحديث القديم عن قصف سدود في إثيوبيا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وهي القصة التي يوجد خلاف حول ثبوتها، فيما يروّج آخرون لتاريخ سيئ الذاكرة في الحروب بين «الحبشة» و«المحروسة» حين هُزمت قوات الخديوي إسماعيل في معركتي «جوندت» و«جورا» (1875 ــ 1876)، وقيل آنذاك إن تلك الهزائم كانت من أسباب إفلاس الخزانة المصرية.
بعيداً من هذا الجو، عَقدت جهات رفيعة اجتماعات كثيرة في الأشهر الماضية لمناقشة أزمة «النهضة» واستمرار التعنت الإثيوبي، مع تقديم تقديرات موقف من جميع النواحي القانونية والسياسية إلى السيسي لاتخاذ القرار. لكن ما هو مؤكد الآن أنه بدأ العمل بالمقترحات «القائمة على الحلول الدبلوماسية والأسانيد القانونية» فور رفض أديس أبابا التوقيع على مخرجات «مفاوضات واشنطن». من الأهداف القائمة لهذه المقترحات الحصول على توقيع السودان ليكون داعماً للقاهرة عند تصعيد الأزمة دولياً، وهي خطوة لا تزال صعبة في ظل التحفظ السوداني خلال الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب. تؤكد المصادر أنه «لم يجرِ التفكير في التوجه نحو الحل العسكري على الإطلاق» برغم الاجتماع الذي عقده السيسي مع قادة الجيش والأفرع فور إعلان إخفاق المفاوضات رسمياً، مع أن هناك تقديرات تشير إلى التهويل الخفي حول ضربة جوية هدفه خدمة التصعيد السياسي، خاصة أن مصر لن تقدم على هكذا خطوة في ظل عاملين مانعين: الأول أن الوساطة الأميركية لا تزال قائمة، والثاني أن المصالح المشتركة للإمارات والسعودية في إثيوبيا تمنع هكذا خطوة.
تكشف المصادر نفسها عن زيارة وفد عسكري مصري رفيع إلى إثيوبيا من دون إعلان رسمي، لإجراء مباحثات حول السد، بالتزامن مع توجه مدير «المخابرات العامة»، اللواء عباس كامل، إلى الخرطوم وجوبا حاملاً رسائل إلى رئيسي البلدين في الشأن نفسه، علماً بأن كامل زار العاصمة السورية دمشق أيضاً، لمناقشة قضايا عدة، منها السد وتفعيل الجامعة العربية وكذلك التعاون السوري ـــ الليبي في مواجهة التدخلات التركية. تشرح المصادر أن الحل العسكري «تبعاته معقّدة وصعبة للغاية، ولا تفكر فيه القيادة على الأقل الآن، خاصة أن تكرار سيناريو السادات في السبعينيات ليس وارداً، وهو أمر لا يرتبط بالظروف التاريخية فقط لكن لاختلاف الموقف الإثيوبي». وتابعت: «مصر عندما استهدفت المشروعات في السبعينيات سألت إثيوبيا عنها أولاً، ولما نفت وجود إنشاءات، استهدف جسم أحد السدود وهو تحت الإنشاء. لم يوجد ما يمكن أن يتسبّب في إدانة القاهرة لأن أديس أبابا نفت من الأساس ورسمياً وجود سد قيد الإنشاء». من جهة أخرى، صار «النهضة» أمراً واقعاً الآن، واستهدافه لن ينهي المشروع بل سيرجئه مع وجود تعاطف دولي كبير مع إثيوبيا وانتقاد حادّ لمصر ستكون عواقبه وخيمة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. والبديل؟ «خلق رأي عام إثيوبي متعاطف مع الموقف المصري لإنهاء حالة التجاذب السياسي الداخلي والمساومات التي تحدث في مسألة السد والانتقادات الدائمة للقاهرة، وهذا الأمر يجري العمل عليه بالتنسيق مع جهات منها السفارة المصرية لدى أديس أبابا»، تختم المصادر.