عشية الانتخابات الاسرائيلية: صعوبة التوقعات.. وسيناريوهات محدودة

عشية الانتخابات الاسرائيلية: صعوبة التوقعات.. وسيناريوهات محدودة

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٤ فبراير ٢٠٢٠

 اسبوع يفصلنا عن موعد الانتخابات الاسرائيلية التي ستجري في الثاني من اذار القادم، وهي المعركة الانتخابية الثالثة خلال أقل من عام لعدم نجاح المكونات الحزبية الاسرائيلية في تشكيل ائتلاف حكومي قادر على الفوز بثقة الكنيست. واللافت في هذه الانتخابات عدم قدرة الاحزاب الاسرائيلية المختلفة تحفيز  جمهورها على التفاعل الكافي مع المعركة الانتخابية الدائرة، باستثناء الاحزاب الدينية المتزمتة التي ما تزال تحافظ الى حد كبير على النواة الصلبة لجمهورها وتنتقل به من معركة انتخابية الى اخرى. هذه المعضلة التي تواجهها الاحزاب الاسرائيلية وحالة اللامبالاة التي تسيطر على الشارع الاسرائيلي جراء الوتيرة المتقاربة من المعارك الانتخابية خلال العام الاخير، ظهرت بوضوح في الاسابيع الاخيرة من خلال حضور خجول للشعارات الانتخابية ونشطاء الاحزاب والدعاية الانتخابية على مفارق الطرقات والشوارع الرئيسية في المدن والبلدات الاسرائيلية، والخوف هنا أن تنعكس حالة اللامبالاة الشعبية على نسبة المشاركة في الانتخابات وهو ما قد يؤدي الى الاضرار بصورة كبيرة بفرص الحزبين الكبيرين (الليكود) و قائمة (كحول لفان) في تحقيق انتصار واضح يسمح لاحد الحزبين بتشكيل الائتلاف الحكومي القادم. لكن، من المتوقع أن تشتد المعركة الانتخابية في الأيام القليلة المتبقية حتى موعد الانتخابات، في محاولة لايقاظ الشارع الاسرائيلي ودفعه الى الخروج والمشاركة الفعالة في التصويت.
 
ويجمع المراقبون للحلبة الحزبية في اسرائيل على صعوبة الخروج بتقديرات وتوقعات قاطعة بما قد تحمله صناديق الاقتراع في الثاني من اذار، وأن المعركة الانتخابية الثالثة خلال الـ 12 شهرا الأخيرة قد لا تتمكن من ايصال الحلبة الحزبية الاسرائيلية الى شواطىء تشكيل ائتلاف حكومي مستقر يخرج البلاد من حالة الدوران في دائرة المعارك الانتخابية المتتالية، وهذا يعني الانزلاق من جديد الى معركة انتخابية رابعة. كما أن الاختلاف بين المعركة الراهنة وبين المعركتين الانتخابيتين في شهر نيسان وايلول ان المعركتين كان محورهما بقاء بنيامين نتنياهو في الحكم او رحيله مع التركيز على الملفات الجنائية ولوائح الاتهام التي تلاحقه، أما الانتخابات الراهنة فدخلت الى دائرة جدلها العديد من المواضيع الى جانب قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو كالموضوع السياسي وتداعيات الصفقة الامريكية للسلام وهذا الامر يزيد من حالة الضبابية والغموض بالنسبة لنتائجها. وحسب المراقبين فان الكثير من الناخبين الذين قاموا بدعم قائمة كحول لفان في الانتخابات الماضية لن يصوتوا هذه المرة لغانتس لايمانهم بانه سيعتمد على القائمة العربية.
 
 
هذه الحقائق التي جئنا على ذكرها يدركها زعيم الليكود بنيامين نتنياهو جيدا، وهو يُصر على القتال حتى الرمق الاخير ولا يستبعد امكانية نجاح الليكود ومكونات المعسكر الوطني (اليمين) في حصد 61 مقعدا في الانتخابات المقبلة بدون حزب اسرائيل بيتنا برئاسة افيغدور ليبرمان. ويعمل نتنياهو بجد من أجل تحقيق هذا الهدف عبر اتباع استراتيجية جديدة تقوم هذه المرة على زيادة وتيرة المهرجانات الانتخابية الحاشدة في معاقل الليكود لتشجيع انصار الحزب على المشاركة والتصويت بالانتخابات واستقطاب الاصوات المترددة والممتنعة، وعدم الاكتفاء فقط بالدعاية الانتخابية في العالم الافتراضي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي . وهنا لا بد من الاشارة الى أن  مهمة الليكود تقوم على وقف الوتيرة التي شهدناها في جولتي الانتخابات في نيسان وايلول من العام المنصرم والتي عكست انخفاضا متواصلا في اعداد المؤيدين لليمين،  والعمل على محاولة استعادتهم من جديد، والتغلب على انخفاض نسبة التصويت في معاقل اليمين والعمل من أجل رفعها لتلامس في بعض المعاقل الـ 75% على الاقل وهي مهمة ليست بالسهلة لكن بالامكان تحقيقها، خاصة في ظل التحركات والاندماجات التي حصلت في الجولة الراهنة من الانتخابات والتي تصب في صالح اليمين، وابرزها اندماج حزب (جيشر) برئاسة اورلي ليفي في قائمة واحدة مع حزب العمل وميرتس، هذا الاندماج قد يدفع انصار هذا الحزب ومعظمهم من اليمين البحث عن عنوان آخر لعدم رضاهم عن هذا الاندماج.
 
 
لكن، يبقى التحدي الذي يواجه الاحزاب اليمينية والليكود بشكل خاص هو اقناع اغلبية المجتمع الاسرائيلي الذي يقف في الجناح اليميني للخارطة الحزبية الاسرائيلية بأن الانتخابات في اذار هي انتخابات مصيرية بالنسبة لهذا المعسكر. وترى دوائر مراقبة أن معسكر اليمين الذي يضم في هذه الجولة الانتخابية 3 عناوين هي (الليكود، يمينه وقوة يهودية) بالاضافة الى الاحزاب الدينية المتزمتة، قد ينجح في تحقيق الفوز في الانتخابات المقبلة في حال تمكن من رفع نسبة التصويت بين مناصري هذا المعسكر ، ونجحت حملة الليكود في جذب المزيد من أصوات اليهود من اصول اثيوبية، اي ان المطلوب نسبة تصويت عالية في اوساط اليمين تقلب الصورة المتوقعة، هذا الى جانب انخفاض في نسبة التصويت في اوساط العرب داخل اسرائيل.
 
 
وفي حال تمكن نتنياهو من تحقيق الفوز وتعبئة الرصيد الزمني والدعم الشعبي فان الكثير من احلام اليمين ستتحقق، لكن في حال فشله في ذلك فان اعلان نفتالي بينت وارييه درعي عن تجديد ولائهم لنتنياهو والتأكيد على أنه الخيار الوحيد لتشكيل الائتلاف القادم لن يصمد طويلا، فاعلانات الولاء التي يطلقها قيادات اليمين قد تتلاشى بعد الانتخابات في حال تحقق السيناريوهات السوداء ولم يحقق نتنياهو الفوز المنشود، لتبدأ بعدها رحلة البحث عن المصالح الضيقة للاحزاب واغراءات الحقائب الوزارية.
 
 
 
يدرك بيني غانتس وقائمته (كحول لفان) بأن المواضيع التي كانت تسيطر على حالة الجدل الانتخابي في اسرائيل بالمعركتين الانتخابيتين السابقتين قد تغيرت ، وان موضوع الفساد وقضايا نتنياهو الجنائية لم تعد (بضاعة جاذبة) في ضوء نجاح نتنياهو في الدفع بالعديد من القضايا الى دائرة الجدل الانتخابي العام كموضوع صفقة القرن وتنفيذها والضم ، وايضا الموضوع الاقتصادي واعلان نتنياهو عن رغبته تعيين نير بركت وزيرا للمالية في حال حقق الفوز بالانتخابات القادمة، بالاضافة الى المناكفات التي أظهرت بيني غانتس بالشخص غير القادر على الوقوف في مواجهة نتنياهو في مناظرة انتخابية.  
 
ويرى المراقبون للحلبة الحزبية أن بيني غانتس قد لا يكون البديل الافضل لنتنياهو ولكنه البديل الوحيد الموجود حاليا على الساحة من اجل اقصاء زعيم الليكود، ولهذا السبب يلتف خصوم نتنياهو حوله دعما له، على امل ان يتمكن هذه المرة من تحقيق الفوز المطلوب لاقصاء نتنياهو عن تشكيل الائتلاف القادم، وترى تقديرات سياسية بأن بيني غانتس قد يتمكن من تشكيل ائتلاف حكومي يساري ضيق مدعوم من القائمة العربية في حال لم تحدث الصحوة المطلوبة ولم تنجح الاحزاب اليمينية والدينية المتزمتة في اخراج انصارهم يوم الثاني من اذار لضمان الـ 61 مقعدا.
 
 
الانتخابات الاسرائيلية والسياسة الخارجية
 
 
ليس هناك اليوم في الحلبة الحزبية الاسرائيلية وفي جناح الوسط واليسار فيها اية شخصية سياسية ترفع راية عملية التسوية مع الفلسطينيين بشكل صريح وواضح، بل على العكس تماما هناك ابتعاد دائم عن كل ما يمكن أن يلصق اركان الوسط واليسار بعملية السلام مع الفلسطينيين، وفي بعض الاحيان محاولات الابتعاد والهروب عن الموضوع الفلسطيني يجعل اركان الحلبة اليسارية في اسرائيل يتبنون افكارا ومصطلحات اليمين لادراكهم بأن الاغلبية العظمى في المجتمع الاسرائيلي تعارض عملية تسوية مع الفلسطينيين تكون قائمة على الجولات السابقة التي خاضها اليسار في هذا الخصوص. كما أن هناك شبه اجماع في الحلبة الحزبية الاسرائيلية على اهمية القفز عن الجانب الفلسطيني والتفاوض بشكل مباشر مع ما يعرف بـ (المعسكر العربي المعتدل) للوصول الى حل للموضوع الفلسطيني، وهذا يعني أن السياسة التي يتبعها نتنياهو في ما يتعلق بتشييد المزيد من العلاقات مع العالم العربي والاسلامي وفتح المزيد من قنوات الحوار المباشر العلني والسري ستتواصل بعد الثاني من اذار، وسيتبناها كل من يمسك بمقود القيادة في اسرائيل. وهنا لا بد من الاشارة الى أن الفترة الزمنية الممتدة بين الثاني من اذار 2020 والثالث من نوفمبر 2020 هي من اخطر الفترات الزمنية التي ستحمل معها الكثير من التطورات على صعيد القضية الفلسطينية وعلى صعيد تطبيق ما جاء في صفقة القرن، وقد نشهد مفاوضات استراتيجية بين اسرائيل ودول الدائرة الثانية وبشكل خاص دول الخليج من اجل التوقيع على اتفاقيات امنية واستراتيجية. واذا ما افرزت الانتخابات الاسرائيلية ائتلافا حكوميا مستقرا مهما كان شكله، فالادارة الامريكية التي تعيش موسما انتخابيا مهتمة هي الاخرى بدوران عجلة صفقة القرن، والحقيقة أن المكونات الحزبية الاسرائيلية تُجمع على أن صفقة القرن تحمل بداخلها الكثير من البنود المهمة التي يمكن تطبيقها على الارض تحت المظلة الامريكية، وهي بنود لن تصل اسرائيل من خلال تطبيقها الى نهاية الصراع مع الفلسطينيين وانما ستحسن بصورة كبيرة من قدرتها على مواصلة ادارة الصراع لسنوات طويلة قادمة، ويؤمن المسؤولون في اسرائيل من اليمين واليسار بعدم وجود حلول سحرية تحقق الحل الدائم بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني وبشكل اساس في الضفة الغربية، أما بالنسبة لقطاع غزة فاي حكومة اسرائيلية قادمة ستواصل تغذية الانقسام القائم في الساحة الفلسطينية ومنع أي التقاء بين طرفي الخصام (حماس وفتح) وستعمل على تكريس (دولة غزة) ومحاولة (نفض) اي مسؤولية اسرائيلية عن الوضع القائم في القطاع من خلال الدفع باتجاه (حلول خلاقة) تعمل على تحسين الوضع الانساني وفتح القطاع على العالم بشكل آمن.
 
اما على الجبهة الشمالية الممتدة من لبنان وحتى سوريا، ستواصل اسرائيل بعد الثاني من اذار ومهما كان شكل الائتلاف القادم محاولات منع او على الاقل ابطاء تعميق ايران لوجودها  على الاراضي السورية وستواصل محاولاتها لاحباط نقل المزيد من شحنات الصواريخ الى حزب الله مع الابقاء على الهدوء الحذر القائم على هذه الجبهة الحدودية الطويلة.
 
على الرغم من الوتيرة التي تتلمسها مراكز استطلاع الرأي في اسرائيل لصالح اليمين، الا أن هذه الوتيرة تحتاج الى جهد كبير  لتحقيق الـ 61 مقعدا التي يتمناها نتنياهو في الانتخابات المقبلة. لكن تبقى هذه الانتخابات كسابقاتها انتخابات ضبابية من الصعب توقع نتائجها ، خاصة وأن هناك نسبة من المصوتين تشكل 5-6 مقاعد لم تحسم موقفها حتى اللحظة، رغم أن غالبيتها اصوات محسوبة على اليمين. كما من المستحيل ايضا معرفة ما تحمله لنا الايام والساعات المقبلة حتى موعد الانتخابات من احداث قد تقلب الموازين وتسقط التقديرات واستطلاعات الرأي.  واخيرا،  تبقى امكانية الذهاب الى انتخابات رابعة امكانية واردة وغير مستبعدة، في حال لم يتم تحقيق فوز يكفل لاحد الحزبين الكبيرين تشكيل الائتلاف الحكومي القادم في اسرائيل.