«النمط الاستبدادي لترامب يعيد تشكيل أميركا».. الرئيس أصبح فوق القانون بأشد الأشكال خطورة

«النمط الاستبدادي لترامب يعيد تشكيل أميركا».. الرئيس أصبح فوق القانون بأشد الأشكال خطورة

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٦ فبراير ٢٠٢٠

كانت هناك تحذيرات عديدة بشأن الميول الاستبدادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب على مدار فترة رئاسته. وقد نفَّذ ترامب بالفعل مخاوف منتقديه من خلال إضعاف نظام الضوابط والتوازنات المهتز، الذي يكفله الدستور الأميركي. وبمساعدة بيئة يمينية تعزز أفكاره ونزعاته، مضى ترامب قدماً في سردية تربط “المصلحة الوطنية” بمكاسبه الشخصية وحب الوطن بالولاء الثابت لشاغلي المكتب البيضاوي.
 
بينما يشرع ترامب في حملة إعادة انتخابه بكل ثقة وحماس عقب انتهاء محاكمة عزله في مجلس الشيوخ -حيث البراءة دائماً ما كانت تبدو أمراً حتمياً بفضل الحزب الجمهوري، الذي بات أسيراً بالكامل للسياسات الترامبية- فإنَّه يضيف ضغوطاً على حالة الديمقراطية المستقطبة، التي تشهدها الولايات المتحدة الأميركية حالياً.
 
النمط الاستبدادي الجديد في الولايات المتحدة
يقول إيشان ثارور، الكاتب المتخصص في الشؤون الخارجية بصحيفة The Washington Post الأميركية، كانت دعوات ترامب هذا الأسبوع لمقاضاة أعدائه المتصورين وهجومه العلني على القضاة الاتحاديين والمُدّعين العامين، الذين ينظرون قضايا ضد حلفائه، مختلة للغاية، لدرجة أثارت استنكار وزير العدل والمدعي العام الأميركي ويليام بار، الذي كثيراً ما يعتبره معارضو الرئيس “مُنصاعاً بصورة مخزية”.
 
أفاد مراسلو البيت الأبيض لدى صحيفة “The Washington Post” الأميركية أنَّ الرئيس ترامب “يستشيط غضباً ويركز على الانتقام ممّن يشعر أنَّهم خانوه وسعوا إلى عزله”. وذكر مراسلو الصحيفة أيضاً أنَّ الرئيس على استعداد لاختبار حكم القانون إلى مدى أبعد، ويشعر بالارتياح إزاء فعل ذلك إلى حد الشعور بأنَّه مُحصّن ولا يمكن المساس به”.
 
 
 
“ترامب فوق القانون”
في هذا الصدد، قالت جويس وايت فانس، المدعية العامة في المنطقة الشمالية من ولاية ألاباما الأميركية، لمراسلي The Washington Post: “إذا كان الرئيس يستطيع التدخل في قضية جنائية لمساعدة صديق، فلا يوجد إذن ما يمنعه من التدخل لإلحاق أذى بشخص يعتقد أنَّه عدوه”. وأضافت: “هذا يعني أنَّ الرئيس أصبح فوق القانون تماماً بأشد الأشكال خطورة. هكذا تموت الديمقراطيات”.
 
يقول الكاتب إيشان ثارور، خلَّفت ديماغوغية الرئيس أثراً عميقاً في المجتمع الأميركي. فحص تحقيق أجراه زملائي 28 ألف تقرير عن حوادث التنمر في المدارس الأميركية، ووجدوا أنَّ مئات الحوادث قد استُخدمت فيها لغة مستوحاة من خطابات ترامب لمضايقة الأطفال، لاسيما التلاميذ المنحدرين من أصول هسبانية أو خلفية إسلامية أو من أصحاب البشرة السوداء.
 
وكتب زملائي: “منذ تولي ترامب أعلى منصب في البلاد، تسربت لغته التحريضية، التي كثيراً ما تُدان بالعنصرية وكراهية الأجانب، إلى المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة. إذ أصبح الكثير من الأطفال يمارسون التنمر حالياً ضد أطفال آخرين بطريقة تختلف عن تلك التي اعتادوا عليها، حيث يُقلّد أطفال في عمر 6 سنوات الإساءات التي يوجهها الرئيس وطريقة تعبيراته القاسية”.
 
يَنم هذا الاتجاه المقلق عن اعتلال أعمق وانقسامات راسخة. وقد جادل ديفيد روبرتس في مقال نشره موقع “Vox” الأميركي بأنَّ الولايات المتحدة أصبحت في قبضة “أزمة معرفية” متمثّلة في مشروع يميني دام عقوداً لإنشاء فقاعة إعلامية خاصة به تعزز واقعاً سياسياً مستقطباً، تعجز فيه المعسكرات المتنافسة عن قبول حقيقة اختلافهم.
 
وكتب روبرتس: “هذا ما يريده شخص ذو نزعة شعوبية مثل ترامب: أن يصبح التواصل والتوافق بين مختلف الانتماءات أمراً مستحيلاً حتى يصبح الولاء هو المقياس الوحيد، وكل شيء يُختزل إلى نزاع محض من أجل الهيمنة”.
 
 
 
محاولات ضبط سلطة ترامب
لا يزال المشرعون الأميركيون يحاولون ضبط سلطة ترامب. أقرَّ ديمقراطيو مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى ثمانية جمهوريين، تشريعاً يوم الخميس 13 فبراير/شباط، للحد من قدرة ترامب على توجيه ضربات عسكرية ضد إيران في المستقبل. لكن من شبه المؤكد أنَّ ترامب سيستخدم حق النقض (الفيتو) ضد آخر مجهود بذله الكونغرس، وذلك لتأكيد دوره في الإشراف على سلطة تنفيذية تتحلّى بالجرأة.
 
ظهر مسؤولون سابقون في إدارة ترامب لانتقاد سلوك الرئيس وسياساته علناً، من بينهم كبير موظفي البيت الأبيض السابق، جون كيلي. وعلى الرغم من سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري بصورة مؤسفة، لا يزال هناك القليل من النشطاء والسياسيين الجمهوريين على استعداد للمخاطرة بالانشقاق العلني. ويتعرّض أولئك، الذين يفعلون ذلك، لحملة هجوم شرسة من جانب ترامب والموالين له.
 
قال جاسون ستانلي، أستاذ الفلسفة بجامعة Yale الأميركية ومؤلف كتاب ” How Fascism Works” لموقع Business Insider الأميركي إنَّ “الحزب الجمهوري يخون الديمقراطية، وهذه أوقات تاريخية”. وأضاف: “لقد أظهر الحزب الجمهوري أنَّه لا يهتم بالديمقراطية المتعددة الأحزاب، لكن اهتمامه الأكبر ينصبّ على النفوذ، وتعزيز قبضته على السلطة”.
 
وفي السياق ذاته، كتب أوسيتا نوانيفو في مجلة “The New Republic” الأميركية: “أصبح الحزب الجمهوري حالياً معارضاً موثوقاً للمساواة وقوة خبيثة في الحياة الأميركية، مثل سرطان يسري داخل جسد مريض ينكر طبيعة حالته ومدى خطورتها؛ لذا لا ينبغي التغلّب عليه فحسب، بل استئصاله نهائياً من المشهد السياسي الأميركي”. وأضاف أنَّه “لا يمكن ضمان تحقيق ذلك من خلال السياسات الانتخابية أو الإصلاحات الهيكلية فقط، لكن من خلال حملة أخلاقية”.
 
 
 
مقاومة الاستبدادية في أميركا
هذه بالطبع ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الولايات المتحدة انقساماً. استعرضت مقالة مهمة كتبتها المؤرخة الأميركية والأستاذة بجامعة “هارفارد”، جيل ليبور، في مجلة “The New Yorker” الاستجابة العامة للأزمة الديمقراطية التي شعر بها الكثير من الأميركيين في ثلاثينيات القرن العشرين. وشرحت المؤرخة بالتفصيل المشاركة المدنية في برامج “الصفقة الجديدة”، التي أطلقتها الولايات المتحدة استجابة للكساد الكبير، وغزارة المناقشات والمشاريع الفنية المدعومة من الجمهور، فضلاً عن البرامج الإذاعية التي جذبت الملايين في جميع أنحاء البلاد.
 
وفي السياق ذاته، قال المؤرخ الأميركي تشارلز بيرد، عندما شرح في ذلك الوقت كيفية مقاومة الأميركيين لجاذبية الشيوعية أو الفاشية، إنَّ “قبولنا للادعاء الاستبدادي بالمعرفة الشاملة اللامحدودة يتوقف على حكمتنا أو جهلنا”.
 
في الواقع، ثمة الكثير من الجدال الدائر حالياً في أميركا، لكن من الصعب رؤية أي بصيص أمل للمصالحة المدنية.
عربي بوست