هل تنجح أوروبا فيما فشلت فيه سابقاً؟ إيران وليبيا أقوى اختبار على ذلك

هل تنجح أوروبا فيما فشلت فيه سابقاً؟ إيران وليبيا أقوى اختبار على ذلك

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٨ يناير ٢٠٢٠

بعد تفجُّر الاشتباكات من جديد في ليبيا أوائل العام الماضي، اضطر فريق خاص من دبلوماسيِّي الاتحاد الأوروبي بطرابلس إلى الانتقال إلى تونس، ليفعل ما كان يفعله عدة سنوات، ألا وهو الانتظار.
 
وفي الوقت الذي تعقد فيه ألمانيا قمة برعاية الأمم المتحدة، يوم الأحد المقبل، لرسم مسار يضع نهاية للصراع في ليبيا، التي تشهد اضطرابات منذ سقوط معمر القذافي في 2011- تعتقد القوى الأوروبية أن بوسعها الآن البدء في التغلب على هذا الجمود، والدفاع عن مصالحها على أعتاب أوروبا الجنوبية.
 
السير وراء ترامب
غير أنه مثل خبراء الاتحاد الأوروبي الشاعرين بالملل والمكلَّفين دعم مسؤولي وزارات ليبية في مقرهم المؤقت بتونس خلال السنوات الخمس الأخيرة، تأتي الدبلوماسية الأوروبية في كثير من الأحيان متأخرةً وبعد ضياع قدرتها على التأثير.
 
كما أن الدبلوماسية الأوروبية انكشفت أمام سياسة «أمريكا أولاً» التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
 
وقال مسؤول السياسة الخارجية الجديد بالاتحاد الأوروبي خوسيب بوريل، أمام البرلمان الأوروبي، هذا الأسبوع: «نحن الأوروبيين نتحصن وراء اعتقاد أنه لا يوجد حل عسكري، لأننا لا نريد المشاركة في حل عسكري».
 
أضاف بوريل: «لا أحد سيسعد إذا قامت على الساحل الليبي حلقة من القواعد العسكرية من البحريتين الروسية والتركية في مواجهة الساحل الإيطالي».
وكان الاتحاد الأوروبي، الذي مرت عليه فترة كان فيها قادراً على التباهي بأنه قوة ناعمة ساعدت في تحويل الدول الشيوعية المجاورة إلى اقتصاد السوق، قد أرسل أول بعثة إلى ليبيا لتدريب حرس الحدود في 2013، لكنه اضطر إلى تنفيذ كل عمليات التدريب خارج ليبيا ابتداء من 2015، وعاد إلى ليبيا فترات وجيزة في 2017 و2019.
 
وفي ظل قرب طرق الهجرة بليبيا من الشواطئ الأوروبية وإمداداتها من الطاقة في البحر المتوسط والتي تسعى تركيا وراءها، أصبحت السياسة تجاه بلد كان في السابق يمثل أولوية للاتحاد الأوروبي، رمزاً للخلافات.
 
فقد أيدت إيطاليا، المستعمِر السابق لليبيا، حكومة فايز السراج التي تدعمها الأمم المتحدة بطرابلس، في حين أيدت فرنسا خليفة حفتر قائد ما يُعرف باسم الجيش الوطني الليبي بشرقي البلاد.
 
تنافس أوروبي في ليبيا
عقدت باريس وروما مؤتمرات سلام منافسة، في حين عمِلت روسيا وتركيا، وهما دولتان على خلاف في بعض الأحيان مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتمسك بها الاتحاد الأوروبي، على تهميش التكتل الأوروبي.
 
وجرت أول محادثات بشأن وقف إطلاق النار، الأسبوع الماضي، بموسكو لا في بروكسل.
 
وإلى حد كبير غابت واشنطن، أوثق حلفاء أوروبا، عن المشهد فيما يمثل اختلافاً كبيراً عن 2011، عندما تعاونت الولايات المتحدة وأوروبا تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، في حملة قصف جوي لدعم الانتفاضة التي أطاحت بحكم القذافي.
 
وقال سفين بيسكوب المحلل لدى معهد إجمونت في بلجيكا: «بالشرق الأوسط وشمالي إفريقيا لم تكن لدى الاتحاد الأوروبي قط فكرة واضحة عن أهدافه، ولذلك لم يسلك مسلكاً استباقياً؛ بل كان يستجيب بردود الفعل فقط. لقد سمحنا بضياع فرص كثيرة».
 
«نهج أوروبي»
الآن يلمس الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه أزمة في إيران بسبب تفسُّخ الاتفاق النووي المبرم في 2015، فرصة بليبيا بعد إخفاق موسكو في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حفتر.
 
ويقول بعض سفراء الاتحاد الأوروبي، إن الصدمة التي أحدثتها تداعيات الضربة الجوية الأمريكية بطائرة مسيَّرة، مستهدفةً قاسم سليماني وهو قائد عسكري إيراني، شحذت همة الأوروبيين الذين بدأوا يستقرون على «نهج أوروبي» جديد.
 
وقد أبدت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، هذا الأسبوع، تصميماً جديداً للضغط على طهران، لالتزام الاتفاق، ففعَّلت آلية فض المنازعات، وهو أمر يمكن أن يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
ورغم ذلك ومع اقتراب المؤتمر الذي يُعقد يوم الأحد بخصوص ليبيا، لم تنحِّ إيطاليا وفرنسا حتى الآن خلافاتهما جانباً بالوقوف خلف الحكومة القائمة في طرابلس.
 
وسعت ألمانيا، التي ترى في نفسها قوةً أكثر حيادية من فرنسا وإيطاليا، لشغل مقعد القيادة، فاستثمرت المستشارة أنجيلا ميركل الوقت في طلب الدعم من نظرائها بروسيا وتركيا ومصر.
 
كذلك تريد القيادة الجديدة للاتحاد الأوروبي في بروكسل، أن تؤدي دوراً أكبر على الصعيد الجيوسياسي، ووقف الوهن الذي لحِق بنفوذ أوروبا. وقد بدأت، في أوائل يناير/كانون الثاني، جهوداً دبلوماسية وسط مخاوف من تفجُّر الأوضاع بالشرق الأوسط بعد الضربة الأمريكية التي استهدفت إيران.
 
تحركات أوروبية 
وأجرى كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي محادثات مع السراج في بروكسل، ودعوا إلى عقد اجتماع استثنائي لوزراء خارجية الاتحاد، وأجروا مكالمات مع الرئيس الإيراني، وانضموا إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر عن منطقة الساحل بإفريقيا.
 
وقال مسؤول كبير بالاتحاد الأوروبي يشارك في رسم السياسة الخارجية: «نحن لا نحاول أن تكون لنا سياسة خارجية هجومية… لكن رؤساء الدول بحاجة لفكر جديد أكثر تأكيداً للذات».
 
وقال مسؤولون ودبلوماسيون إن حكومات أجنبية صديقة تريد أن يحقق الاتحاد الأوروبي نجاحاً على المستوى العالمي. وقد دأب زعيم المعارضة في فنزويلا، خوان جوايدو، على المطالبة بمساعدة الاتحاد الأوروبي في زيادة الضغط على الرئيس نيكولاس مادورو.
 
ومنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها، دعت طهران الاتحاد الأوروبي مراراً إلى إنقاذ الاتفاق، بالحفاظ على القنوات التجارية مفتوحة.
 
 
غير أنه في ضوء خروج بريطانيا، التي تمثل هي وفرنسا القوتين العسكريتين الرئيسيتين بأوروبا، من الاتحاد الأوروبي قد يجد الاتحاد أن من الصعب الارتقاء إلى مستوى طموحاته.
 
وليس لدى أي من الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي خطط لنشر قوات في ليبيا. كذلك فقد توقفت عملية صوفيا البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي، وأنقذت مهاجرين قبالة الساحل الليبي، وساعدت في تنفيذ حظر سلاح.
 
كما رفض الحلفاء الأوروبيون دعوات أمريكية في حلف شمال الأطلسي إلى المساعدة في حماية الممرات الملاحية بمنطقة الخليج.
 
وفي بعض الأحيان ثبت أن مجرد الاتفاق على صياغة البيانات مصدر للانقسامات أيضاً.
 
وقال برونو ماكايس وزير شؤون أوروبا السابق بالبرتغال والذي يعمل الآن مستشاراً في السياسة الخارجية: «العلامة الإيجابية هي أن الجميع يتفقون الآن على أن هذا الوضع غير قابل للاستمرار».