هل ينجح مؤتمر برلين في تسوية الوضع الليبي؟

هل ينجح مؤتمر برلين في تسوية الوضع الليبي؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٧ يناير ٢٠٢٠

أكدت الحكومة الألمانية رسميا إقامة مؤتمر للتسوية في ليبيا يوم 19 كانون الثاني/يناير في العاصمة برلين، بحضور خليفة حفتر وفايز السراج.
 
وأعلنت أنها دعت حكومات كل من روسيا وتركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والصين وبريطانيا وإيطاليا والجزائر والكونغو، وبمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل.
 
دعوة حفتر والسراج
وتم الإعلان عن دعوة الطرفين الرئيسين في النزاع الليبي المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق مؤخرا، بعد أن كانت بعض الأخبار تشير إلى عدم حضورهم، ولكنهما قررا حضور المؤتمر يوم الأحد.
 
وعن أهمية حضور، حفتر والسراج، المؤتمر يقول عضو البرلمان الليبي جلال الشويهدي في حديث مع "سبوتنيك":
 
"نفس الخطأ يرتكبه غسان سلامة ويحاول أن يجري نفس التجربة في نفس الظروف وسيحصل على النتيجة ذاتها، ألا وهي الفشل، فالمشكلة في ليبيا ليست بين السراج وحفتر، المشكلة منذ البداية كانت في مجلس النواب والمؤتمر الوطني، والذي هو الآن مجلس الدولة".
ويكمل: "خليفة حفتر عمل على بناء قوة عسكرية مسلحة وانقلب على الجميع، حتى على مجلس النواب الموجود في طبرق والمؤيد له، وحفتر حتى لا يعترف بمجلس النواب، فايز السراج لم يكن يوما طرفا في ليبيا، وإنما هو نتاج للاتفاق السياسي".
 
ويتابع الشويهدي: "ودعوة الطرفين إلى برلين دليل على أن غسان سلامة يعمل بطريقة نراها مشبوهة، وبالتأكيد السراج لا يستطيع أن يأخذ أي خطوة إلا بالرجوع إلى القواعد التي يعمل على مشاركتها، ويوم أمس كان في اجتماع مع الجميع من مجلس النواب ومجلس الدولة والقيادات العسكرية والمجتمع المدني وغيره".
 
ويواصل: "لكن خليفة حفتر يريد أن ينظر إليه العالم على أنه يقبض على كل شيء وأن ليس له معارضين في المنطقة الشرقية، وبالطبع لديه معارضين لكن القبضة الأمنية والقمع لا يظهر للعالم، ولكن جثث معارضيه هي فقط التي تظهر".
فيما يقول المحلل السياسي الليبي الدكتور محمد زبيدة في حوار مع وكالة "سبوتنيك": "الحضور أو المشاركة الليبية هي حضور شكلي وغير مؤثر، لأن الوثيقة أو بيان المؤتمر التي حضرتها الحكومة الألمانية جاهزة، وتسريبات محتوى البيان جاهز، وأخذ رأي الطرفين سواء كان ممثل الميليشات أو ممثل الجيش هي بناء على رغبة بعض الدول المشاركة، والتي ترى ضرورة أخذ ملاحظات الطرفين بعين الاعتبار".
 
ويتابع: الجانب الآخر هي أن الورقة التي قدمتها فيما يخص المسار السياسي، وهي دعوة 40 ليبي في التاسع والعشرين من الشهر الحالي، سيكون هذا الوفد لترجمة ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر برلين.
ويردف أن "الطرفين لديهم 13 ممثل في مؤتمر المسار السياسي، رأى الرعاة أن مشاركة الطرفين مهمة لتسهيل عمل الممثلين عن كل تيار في هذا المؤتمر".
 
فيما يرى الباحث السياسي والخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية غريغوري لوكيانوف في لقاء مع "سبوتنيك" بأن الجواب بسيط جدا على هذا التساؤل، ويوضح: "لم تنص الخطة الأصلية لاجتماع برلين على دعوة ممثلين ليبيين إلى المؤتمر، بل كان الاجتماع مقررا للدول الأجنبية المؤثرة في ليبيا، والتي لديها إمكانية التأثير على عملية حل هذا الصراع".
 
ويكمل الخبير الروسي: "انطلق الجانب الألماني لدعوة حفتر والسراج من ضرورة التنسيق مع كافة الدول الأجنبية بشأن هذه المسألة، وبعد ذلك بدأ انتقاد الجهات الرافضة لهذا النهج، وثم بدأ البحث عن طريقة لدمج الممثلين الليبيين بشكل أفضل في هذه المفاوضات".
ويتابع لوكيانوف: "على الرغم من حضورهم، إلا أنه من الواضح أن قائمة المشاركين ليست كافية، فالاهتمام من المشاركين منصب على السراج وحفتر، ولكنهم لا يمثلون كل المشاركين في الصراع الليبي، وإن محاولة اللاعبين الخارجيين تبسيط الصراع الليبي وقصره على طرفين سيؤدي إلى نتيجة عكسية".
 
ورقة الأمم المتحدة
وتداولت وسائل الإعلام ما قيل أنها وثيقة مسربة تتضمن النقاط الأساسية التي أعدتها الأمم المتحدة في الشأن الليبي، تتضمن المسارات الرئيسية للحل وهي السياسي والاقتصادي والمالية والأمنية والعسكرية، وعن إمكانية تنفيذ هذه الورقة يقول البرلماني الليبي:
 
الأمم المتحدة لم تأتي بجديد، فالحل موجود في الاتفاق السياسي، ولكن هناك دول تريد أن تتنصل من هذا الاتفاق، وهي لا تستطيع أن تتنصل عن طريق مجلس الأمن لأنها لن تتحصل على التوافق، فتعمل على حلحلة الاتفاق السياسي من خلال هذه المؤتمرات، كباريس واحد واثنين وأبو ظبي وباليرمو وغيره.
 
ويكمل الشويهدي: "لأن هذه الاتفاقات تجري بين شخصين لا يملكان شيء، فحتى لو مهما ملك حفتر من قوة عسكرية فهو لا يستطيع أن يفرض إرادته على الشعب الليبي، وأنا لا أرى أي اتفاق يحل المشكلة الليبية".
ويواصل: "المشكلة الليبية تتجلى في شخص خليفة حفتر بصراحة منذ البداية، فهو من رفض الاتفاق السياسي وهو من عرقله، ولا أعتقد أن هناك أي حل في ظل وجود هذا الرجل والدول التي تدعمه، ونحن كليبيين قمنا بثورة عام 2011 كي ننزع فرد، ولن نأتي بعد ذلك بشخص آخر، وهذا شيء مستحيل".
 
أما المحلل السياسي زبيدة، فيرى أن الموضوع وكل ما فيه هو محاولة تعديل المجلس الرئاسي من 9 إلى 3، ولكن كنتائج إيجابية على الأرض لا يعتقد أن ما سيتم الاتفاق عليه سيترجم على أرض الواقع.
 
ويوضح: "الإشتباكات ستتواصل في ليبيا بطبيعة الحال، لأن الميليشيات لا تأتمر بأمر شخص واحد، وهي ليس لديها قيادة مركزية تصدر لها الأوامر مثل القوات المسلحة، فالجيش يمكن أن يصدر له المشير أمر بوقف النار ويلتزم بذلك، لكن بالنسبة للميليشات المتواجدة في محاور القتال في طرابلس".
ويضيف: هذه الميلشيات موزعة على 150 ميليشيا ما بين ميليشيات إيديولوجية وجهادية وأخرى تعمل بالوكالة لصالح جهات خارجية، وتحديدا الميليشيات الإسلامية وتأتمر بأوامر الأتراك والقطريين، وهناك ميليشيات تعمل بتهريب الوقود وهي تتبع إيطاليا.
 
أما الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية فيرى بأن جميع المشاركين في المؤتمر يعلنون دعمهم لبعثة الأمم المتحدة ولممثلها غسان سلامة، ويدعمون مبادرته لحل الأزمة، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود هياكل دولية أخرى تعمل في مجال التسوية الليبية.
 
ويواصل: "هيكلية الأمم المتحدة لا تعد مثالية، فهي لا تحظى باحترام الجميع من المشاركين في هذا الصراع، فحكومة الوفاق تلجأ إليها على اعتبارها أنها الجهة الدولية الوحيدة التي تتعامل مع المشكلة، فيما أظهر الجيش الوطني الليبي ازدراءه مرارا لجهود غسان سلامة".
 
ويتابع لوكيانوف: أكبر مثال على ذلك هو الحملة العسكرية عام 2019، وهجوم الجيش الليبي على طرابس، في الوقت نفسه الذي كان فيه الأمين العام للأمم المتحدة في البلاد.
ويضيف الباحث السياسي: لن يكون هناك مؤتمر واحد خارج ليبيا لحل المشاكل الخطيرة، ولن يحل هذا المؤتمر جزء صغير من المشكلات القائمة فيما يتعلق بالأزمة الليبية، بل الشعب الليبي هو فقط من يستطيع حلها.
 
ويكمل لوكيانوف: لا يوجد أي سبب للاعتقاد بأن هناك أمور ستكون في برلين لم تكن موجودة في موسكو، وأن الأطراف ستميل للتوقيع على اتفاق ما، فمن غير المحتمل أن تتفق الأطراف المعنية على سياسة مشتركة، لأن مصالحها متناقضة ومتعددة الاتجاهات للغاية، ولا توجد أدوات حقيقية لحل الأزمة، لذلك تسود التوقعات المشككة في الحل. 
 
موقف الدول الكبرى
وحول الموقف الذي ستتخذه الدول المشاركة في هذا المؤتمر وأهمية مشاركتهم، وتباين رأي مختلف الأطراف، يقول البرلماني الليبي جلال الشويهدي : بالنسبة لبريطانية والولايات المتحدة والصين وروسيا هم أعضاء دائمون في مجلس الأمن، ومن الضرورة أن تكون هذه الدول حاضرة، لكن نستغرب أن تكون هناك بعض الدول موجودة مثل الإمارات، فالذي يربط الإمارات بليبيا هو أنها تبيع الأسلحة والدمار والموت لليبيين.
 
ويتابع: إذا ما رغبوا بأن تكون جميع الدول التي لها يد في الملف الليبي حاضرة فيجب أن تكون قطر موجودة، فهي من أوائل الدول التي لها يد في هذا الملف، وأنا لست مع قطر، لأن قطر سببت العديد من المشاكل في ليبيا، لكنها يجب أن تكون موجودة.
 
ويضيف: "عندما تكون موجودة مصر، فيجب أن تكون جميع الدول موجودة مثل تونس والجزائر، وحتى ربما النيجر وتشاد، أما الاختيار بانتقائية فلا يعمل على هذه المشكلة أبدا".
وكذلك يرى المحلل محمد زبيدة بضرورة وجود الدول الفاعلة في الأزمة، لكنه يعقب: الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن غير متفقة على رؤية موحدة لحل الأزمة، وهذا أحد أسباب عرقلة الحل في ليبيا، فالموقف الروسي على سبيل المثال يرى ضرورة انتصار الحل العسكري على الجماعات الإرهابية وحسم الصراع لصالح الجيش ومن ثم التوجه إلى الحل السياسي.
 
ويتابع: هذا الموقف تتفق إلى حدا ما فرنسا معه،وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة لا ترى ذلك، بل ترى تدوير الأزمة وإكمال عمل تيار الإسلام السياسي في أي جهد دبلوماسي في البلد، تركيا ترى ضرورة انتصار الإسلام السياسي، فالدول المشاركة ليست على قلب واحد، وكل دولة لها رؤية وتوجه في موضوع الحل في ليبيا.
فيما يرى الباحث السياسي غريغوري لوكيانوف أن مجموعة البلدان المشاركة متنوعة، ويفصل: "ألمانيا هي الجهة المنظمة وتتمثل مهمتها في تحقيق بعض الأجندة الإيجابية على الأقل، وإشراك جميع الأطراف في النقاش، نعم هي ليس لديها الكثير من وسائل التأثير على الوضع، بالإضافة إلى أنها لا تملك مصالح محددة في ليبيا، وهذا يوفر بعض الثقة تجاهها".  
 
ويواصل لوكيانوف: "روسيا والولايات المتحدة هي دول تتواصل معها أطراف أو طرفي النزاع بشكل دوري، لكن بالنسبة للبلدين الملف الليبي يشكل المزيد من الصعوبات، من ناحية العمل ومن ناحية السمعة".
ويتابع: لذلك مع مرور الوقت يتخلى البلدان عن تحمل مسؤولية اتخاذ قرارات داخلية، ومن الصعب أيضا القول أن روسيا والولايات المتحدة سيغيران موقفهما، حتى بعد اجتماع موسكو.
 
وختم حديثه: "موقف بريطانيا مميز اليوم، فهي اليوم لا تزال في حالة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وسوف تستمر بسياستها بطريقة منفصلة عنه، لأن الملف الليبي له أهمية خاصة بالنسبة لبريطانيا، ومن حيث المبدأ لها أدواتها الخاصة للتأثير على الوضع، لكن في الوقت الحالي لن يتم استخدامها".