بعد حادث السفير البريطاني...الصدام الإيراني الأوروبي إلى أين؟

بعد حادث السفير البريطاني...الصدام الإيراني الأوروبي إلى أين؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٤ يناير ٢٠٢٠

تسير الأحداث السياسية في إيران سريعًا نحو أزمة جديدة مع أوروبا، بعد واقعة احتجاز السفير البريطاني في إيران، روب ماكاير، مطلع الأسبوع الجاري، بمزاعم تنظيمه احتجاجات في العاصمة طهران.
 
التصعيد الدبلوماسي لم يتوقف منذ الحادث، حيث استدعت الخارجية البريطانية أمس الاثنين، السفير الإيراني في لندن، للإعراب عن "اعتراضاتها القوية" على توقيف السفير البريطاني في طهران.
 
وهددت طهران لندن بردود فعل قوية، حال ارتكاب المملكة المتحدة أي "خطأ جديد"، مؤكدة أن عليها تحمل تبعات أي عقوبات ستفرضها على الجمهورية الإسلامية.
 
وفي ظل الأحداث المشتعلة، باتت هناك حاجة ملحة للتعرف على مصير العلاقات بين البلدين، والمستويات التي قد يصل إليها التوتر، ومستقبل جهود الوساطة التي تتبعها أوروبا بين إيران وأمريكا لتهدئة الأوضاع المشتعلة بسبب الاتفاق النووي.
 
تصعيد دبلوماسي
ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن بيان الوزارة أن "أي خطأ جديد من بريطانيا ستواجهه إيران، ولندن ستكون مسؤولة عن ذلك، وأن حضور السفير
 
البريطاني يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية". مضيفا: "تهديد إيران بعقوبات جديدة بخصوص ذلك سيثير التوتر بين طهران ولندن".
وكانت السلطات الإيرانية اعتقلت السفير البريطاني في طهران روب ماكاير، السبت، لساعات بتهمة "تواجده في احتجاجات في العاصمة الإيرانية"، وذلك بحسب ما نقلته وكالة "تسنيم" المقربة من الأمن الإيراني، وأضافت المعلومات أنه تم اعتقال سفير بريطانيا عدة ساعات ثم أفرج عنه.
وقال تقرير للوكالة إن السفير كان حاضرا خلال احتجاجات السبت أمام جامعة أمير كبير بطهران، وتم اعتقاله في ذلك الوقت وأطلق سراحه بعد جهود وساطة قامت بها وزارة الخارجية الإيرانية.
 
ومن جانبه قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب في بيان، إنه "في انتهاك صارخ للقانون الدولي، اعتقل السفير البريطاني لدى إيران روب ماكير لفترة وجيزة، خلال مشاركته في مظاهرات شهدتها العاصمة احتجاجا على إسقاط الحرس الثوري الإيراني للطائرة الأوكرانية قبل أن يطلق سراحه".
 
وتابع: "الحكومة الإيرانية في لحظة فارقة، بإمكانها الاستمرار في وضع المنبوذ مع كل ما يستتبع ذلك من عزلة سياسية واقتصادية أو اتخاذ خطوات لوقف تصعيد التوتر وانتهاج طريق دبلوماسي مستقبلا".
 
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني إن التوقيف "انتهاك غير مقبول لاتفاقية فيينا"، وأضاف أن المملكة المتحدة طلبت من السفير حميد بعيدي نجاد ضمانات بألا يتكرر ذلك".    
 
بريطانيا وأمريكا
عادل درويش، المحلل السياسي والصحفي المعتمد لدى مجلس العموم البريطاني، قال إن احتجاز إيران للسفير البريطاني في طهران ساعد رئيس الوزراء بوريس جونسون على إقناع المعارضين من اليسار بأن إيران تصعد ضدهم، وأن النظام الحاكم هناك معادٍ للغرب".
 
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الحادث ساعد جونسون أيضا في إقناع فرنسا وألمانيا بوجهة نظره في تطرف النظام الإيراني، كما استطاع أن يقول للعالم إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان على حق، مع ضرورة إضافة بعد سياسي للاتفاق النووي".
 
وتابع: "رغم انتهاء المعركة الكلامية بين طهران وواشنطن بتهدئة مؤقتة، لكن الخطر الاستراتيجي الذي تمثله المخططات الإيرانية إقليميًا ودوليًا لا يزال قائمًا على المدى الطويل"، وفقا لقوله.
وأشار إلى أنه "قبل الحادث أظهرت إيران بدورها إشارات التهدئة، مرحلياً على الأقل، فقد تبادل الرئيس الإيراني روحاني التباحث في مكالمة تليفونية مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وما تضمنه "البريفينغ" المغلق معنا في داوننغ ستريت، بعد المكالمة، يبعث على التفاؤل بنية إيران، المؤقتة، تخفيض حدة التوتر، كما لم يهاجم المعلقون الإيرانيون بريطانيا، أو يناقضوا معلقين يقترحون وساطة لندن بين إيران وإدارة ترمب".
ومضى بالقول: "لكن تراجع إيران لن يؤدي إلى استقرار المنطقة، أو تخليها عن إثارة المتاعب، وأولها سيكون بإثارة رأي عام في العراق، وهجمات ميليشيات يحركون خيوطها لإخراج القوات الأمريكية، فوجودها عقبة أمام مخطط كان يعمل له قاسم سليماني لفرض هيمنة إيرانية على ممر أرضي عريض يمتد من خيبر حتى البحر المتوسط، عبر العراق وسوريا إلى لبنان، بمساعدة حزب الله اللبناني".
وأنهى حديثه قائلًا: "ما عرف بالغرب كقوة عالمية مهيمنة طوال القرن العشرين، أوشك نفوذه على الانتهاء من المنطقة".
 
نظرة إيرانية جديدة
من جانبه قال محمد غروي المحلل السياسي الإيراني، "بعد اغتيال أمريكا لقاسم سليماني كل ملفات التفاوض وضعت جانبًا، ونستطيع القول إن الملفات كلها تغيرت، وكذلك النظرة الإيرانية للغرب، وملف التفاوض مع أمريكا".
 
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "حادث الاغتيال لم يكن حدثا عابرا، فإيران التي صبرت كل هذه المدة على العقوبات، والتعامل السلبي الأمريكي والأوروبي، لا يمكن أن تصبر على هكذا عملية، فالشخص لم يكن عاديًا، بالنسبة للنظام والشعب".
 
وكشف أنه "ليس هناك أي مجال إيراني للتفاوض، طهران ربما ستغير من سياستها في المرحلة القادمة، خصوصا بعد أن اتضح الهدف البريطاني غير النبيل، حيث تعد شريكة للولايات المتحدة، وتسعى هي الأخرى لإسقاط النظام الإيراني".
وأشار إلى أن "ما قام به السفير البريطاني يستهدف النظام، بريطانيا التي كانت تحاول إسقاط النظام وتدعمه في الخفاء، أظهرت توجهها على العلن، وهو ما ترفضه طهران جملة وتفصيلًا".
وعن فشل أي محاولات أوروبية مستقبلية للوساطة، مضت بالقول: "أوروبا لم تتعامل معنا كما يفترض، الأوروبيون سيشاهدون إيران مغايرة عن ذي قبل، ولم يعد هناك أي أفق للتفاوض، أو انفراجة قريبة، ليس في الملف النووي وحسب، بل في كل ملفات الشرق الأوسط".
علاقات متوترة
وتوترت العلاقات بين طهران ولندن بشكل حاد بعد أن احتجزت السلطات الإيرانية السفير البريطاني، مساء السبت الماضي، لمشاركته في "تحركات مشبوهة" أمام جامعة أمير كبير، أثناء وجوده وسط حشد من المتظاهرين المحتجين على إسقاط إيران بالخطأ طائرة ركاب أوكرانية من طراز "بوينغ 737-800" قرب طهران، فجر 8 يناير، في كارثة أودت بحياة 176 شخصا.
 
وانتقدت الحكومة البريطانية بشدة احتجاز السلطات الإيرانية سفيرها لدى طهران، مشددة على أن هذه الخطوة جاءت "دون أي أرضية ومبررات".
 
من جانبه، أوضحت طهران لاحقا أن السلطات الإيرانية لم تعتقل السفير البريطاني بل تم توقيفه كشخص أجبني يشارك في احتجاجات غير قانونية وأطلق سراحه بعد 15 دقيقة من تحديد هويته.
 
وعلى خلفية هذا الحادث، استدعت الخارجية البريطانية السفير البريطاني، لتتخذ لندن نفس الإجراء بحق سفير طهران، فيما ألمح وزير الخارجية البريطاني إلى إمكانية فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.