عجز في القطاع الصحي الإسرائيلي: الجمود السياسي يفاقم الأزمة

عجز في القطاع الصحي الإسرائيلي: الجمود السياسي يفاقم الأزمة

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٤ ديسمبر ٢٠١٩

فاقم الجمود السياسي في إسرائيل أزمة منظومة الرعاية الصحية. أزمةٌ لم تضع الحكومة الانتقالية خطّة لمواجهتها، ما ألحق آثاراً سلبية بالقطاع الصحي الموصوف عالمياً بتقدّمه، إلى أن أتى اليوم الذي يرقد فيه المرضى فوق أسرّة مهمَلة في أروقة المستشفيات!
أمور كثيرة قد تُفرّق بين الإسرائيليين: الاختلافات الأيديولوجية، الانتماءات إلى هويات إثنية وعرقية متنوعة، الخلفيات الاجتماعية، والصراعات الطبقية والدينية... لكنها كلّها تغدو هامشية بمجرّد الاقتراب من نقطة القلق الجامع (بعد الحرب): الصحة! للمفارقة، كانت الطبابة حتى وقت قريب قطاعاً يفخر الإسرائيليون بتقدّمه على مستويات عالمية بسبب معدّاته المتطورة وكفاءاته التخصصية ورقيّ منظومة الرعاية فيه. لكن «المنظومة انهارت، والشتاء هنا، ومرضى كثر سيصبحون ضحايا»، كما قالت صحيفة «معاريف». يحدث ذلك بينما تنشغل المنظومة السياسية بالإعداد لانتخابات «الكنيست» المرتقبة في آذار/ مارس المقبل، فيما تبدو الحكومة الانتقالية عاجزة عن إيجاد الحلول.
هذا العجز انعكس بوضوح على القطاع الصحي الذي بدأ يعاني شحّاً في الميزانيات والقوى البشرية العاملة، عدا البيروقراطية التي تعيق حصول المرضى على علاجات معينة قبل انتظار دورهم لأشهر. ونقلت «معاريف» عن رئيس منظمة «أطباء إسرائيل» و«نقابة الأطباء الإسرائيليين»، زئيف فيلدمان، أنه «يجب تنظيم العقود بين صندوق المرضى والمستشفيات بصورة عاجلة، فهي تنتهي هذه الأيام، كما يجب ضخّ القوى العاملة من ممرضين وممرضات، وتحسين المعايير الطبية من أجل التعامل مع الأعداد الكبيرة للمرضى، ويجب زيادة العلاجات التي تشملها السلّة الطبية، وإضافة أسرّة وأيضاً عيادات ومستشفيات». وأضاف: «هناك حاجة ملحّة إلى خطّة تتعامل مع الاستشفاء المنزلي لكبار السن بتمويل من منظومة الرعاية الصحية... التي تعاني أساساً من عجز بين 3-5 مليارات شيكل سنوياً (1 دولار أميركي يساوي 3.5 شيكلات)». وأشار فيلدمان إلى أن «التعامل مع هذه المشكلات مجمّد منذ 355 يوماً، وقد تبلّغنا أخيراً أن الوضع سيستمر أقلّه حتى انتخابات الكنيست المقبلة، ولكن من يدري ربما يستمر أكثر. منظومة الرعاية الصحية غير قادرة على مواجهة هذه التحدّيات في الأيام العادية، فكيف في أيام مثل هذه؟».
في أحد الأقسام الطبية في مستشفى «زيف» في صفد، هناك 32 سريراً فقط، وفي الأسبوع الأخير وصل 40 مريضاً بينهم ثلاثة احتاجوا إلى تدخّل سريع وتنفس اصطناعي. كلّ هذا تحت رعاية طبيب واحد ومساعدَين اثنين فقط. أما في جناح «ج» في مستشفى «بيلنسون»، فقد عولج الأسبوع الماضي 45 مريضاً، بينهم أربعة احتاجوا إلى تدخل سريع وتنفس اصطناعيّ، مع أن قدرة المستشفى على استيعاب المرضى تقف عند حدود 38 فقط. وتنسحب هذه الحال على مختلف المستشفيات الإسرائيلية، وبينها مستشفيات ذات قدرة استيعابية كبيرة، مثل «رمبام» في حيفا و«الجليل الغربي» في نهاريا.
ويرى مديرو الأقسام الداخلية في المستشفيات أنه ليس لدى الحكومة الانتقالية أيّ خطة للتعامل مع الأزمة التي تفاقمت من جرّاء انتشار الإنفلونزا ونزلات البرد أخيراً، كما أنها غير مستعدة لإيجاد حلول على مدار العام. أما البيانات التي تكاثرت في وسائل الإعلام العبرية أخيراً حول الاستعدادات للشتاء، وبدء تحسين المنظومة الصحية الداخلية، فقد وصفتها «معاريف» بأنها: «لا دببة ولا غابة»، في إشارة إلى مثل يستخدمه الإسرائيليون لوصف الوعود الفارغة. لكن لماذا تفاقمت الأزمة؟ من الصحيح أن الجمود السياسي سبب رئيس لذلك، لكن بالعودة إلى تقرير صدر قبل بضعة أشهر عن مركز «تاوب»، يتّضح أن نظام الصحة يعاني من «إخفاقات منهجية وعيوب أساسية أدت إلى نقص حادّ في عدد الأسرّة، وزيادة في معدّلات الطلب، والأهم فجوات بين المناطق في الوصول إلى العلاج». ووفق التقرير، فإن نظام الاستشفاء والرعاية الصحية تخلّف عن دول «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية» (OECD)، فيما تشير الأرقام إلى أنه في إسرائيل يبلغ عدد أسرّة المستشفيات لكلّ ألف شخص 2.2 مقابل 3.6 في دول المنظمة.
من الصحيح أن عدد الأسرّة لكل 1000 شخص يشهد انخفاضاً في معظم الدول، ولكن في إسرائيل يُعدّ هذا الانخفاض أكثر حدّة، حيث وصل معدّله بين 2002 و2017 إلى 22% مقابل 15% في دول المنظمة في المدّة نفسها. وقد أدى ذلك إلى تقليل أيام الاستشفاء القصير في إسرائيل، إذ بلغت خمسة أيام لكلّ مريض، علماً بأنها في دول المنظمة 6.7 أيام. ويضيف التقرير أنه إذا «كنت بحاجة إلى العلاج... فقد ينتهي بك المطاف منتظراً لأيام في ممرّ أحد الأقسام، أو لساعات في غرفة الطوارئ». هذه العيوب سببها الفشل المنهجي للحكومة في التخطيط وتخصيص الميزانية، علماً بأن عدداً كبيراً من المرافق الصحية تُموّله الحكومة، وحتى تلك غير المملوكة للحكومة تحصل منها على تمويل، الأمر الذي رآه التقرير «خللاً أساسياً في النظام». يُضاف إلى ذلك أنه في إسرائيل يتم تمويل نظام التأمين الصحي الشامل من جباية الضرائب، أي إنه يعتمد هو الآخر على الميزانيات الحكومية.
في الصورة العامة، استثمرت تل أبيب على مدى سنوات في ميزانيات أجهزتها الأمنية وجيشها ومنظومات أسلحتها تحت حجّة التهديدات، في حين أن الميزانيات المُخصّصة للرعاية الصحية كانت تتدنى عاماً بعد عام، حتى بات الإنفاق على الخدمات الطبية من بين أدنى المعدّلات في العالم الصناعي، بعدما لحق به تخفيض إضافي خلال العام الجاري.