هدوء ما بعد العاصفة، العراق نحو الاستقرار

هدوء ما بعد العاصفة، العراق نحو الاستقرار

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٢ ديسمبر ٢٠١٩

 بعد مرور اكثر من 70 يومًا من الاحتجاجات في الشوارع العراقية بمختلف المحافظات، لم يتم احتواء الأزمة في العراق حتى الان مع استمرار بعض الاضطرابات في بعض المدن. كما ان اتساع رقعة الاحتجاجات واستمرار الوضع جعل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي يقدم استقالته مضطراً، والان شوارع بغداد تنتظر موافقة الجهات السياسية لانتخاب رئيس وزراء جديد لرئاسة الحكومة.
 
يمكن اعتبار أساس انطلاق التظاهرات في العراق بأنها مطاليب شرعية وُلدت من رحم المعاناة ورفضا للفساد السياسي والظلم في مختلف مفاصل الدولة، لكن الأيادي الأجنبية الخفية والتدخل غير المشروع لدول مثل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية هي التي تمهد الطريق لأن تتجه الاحتجاجات نحو العنف والعصيان المدني. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها المندسون التابعون لهذه الدول الخارجية خلال الشهرين الماضيين، الا اننا الآن نشهد وضعًا جديدًا يأخذ بالمظاهرات الشعبية نحو التهدئة، وهو بطبيعة الحال نتيجة ليقظة العراقيين ووعيهم اضافة الى جدية القوى السياسية، ومن المحتمل أن نرى استقرارًا نسبيًا وعودة هادئة في المستقبل القريب للبلاد.
 
اعتقالات واسعة النطاق ضد مسؤولين عراقيين فاسدين من الحاليين والسابقين
 
يمكن أن يعزى العامل الأول والأهم في عودة الاستقرار إلى العراق، إلى الإجراءات المتخذة لمكافحة الفساد السياسي والاقتصادي في العراق. وفي هذا الصدد، أصدرت هئية النزاهة العراقية، بيانًا ظهر يوم الاثنين من هذا الأسبوع بمفاده ان ما مجموعه 226 من الوزراء وكبار المسؤولين الحاليين والسابقين، صدرت بحقهم أوامر استدعاء والقاء قبض فيما يتعلق بقضايا فساد مالية وإدارية. ووفقًا للبيان، أكد مكتب التحقيق الخاص في قضايا الفساد المالي والإداري في العراق أنه في الشهر الماضي، صدرت مذكرة استدعاء بحق تسعة وزراء، بمن فيهم وزيرين حاليان وخمسة وزراء سابقون ووزيران أسبقان. كما خضع للأمر القضائي 12 عضوًا في مجلس النواب، بما في ذلك 10 أعضاء حاليين وستة نواب وزراء، بمن فيهم نائب حالي وثلاثة نواب سابقون ونائبان أسبقان.
 
وأفاد البيان عن صدور أوامر استدعاء والقاء قبض بحق 12 محافظ، بمن فيهم محافظ حالي و 11 محافظًا سابقًا و155 عضوًا في مجلس المحافظة بما في ذلك 118 عضوًا حاليًا و26 عضوًا سابقًا و11 عضوًا أسبقا، بالإضافة إلى 32 مديرًا عامًا من بينهم 19 مديراً حاليًا في وزارات النفط والكهرباء والتعليم والصحة والصناعة، ودائرة الوقف السنية، و11 مدير عام سابق في الحكومة ومجلس محافظة بغداد ووزارات التعليم العالي والبحث العلمي والصحة والبلديات والشؤون العامة والنقل ومديرين تنفيذيين سابقين في وزارتي الصحة والنقل. كما نقلت هيئة النزاهة عن مكتب التحقيقات الخاصة للتحقيق في الفساد في العراق، عن صدور ما مجموعه 256 أمرا قضائيا في نوفمبر الماضي، بما في ذلك 221 مذكرة استدعاء و35 مذكرة القاء قبض بحق المتهمين، حيث نفذت منها 51 أمرا واُحيل 68 متهم لمحاكم تحقيق أخرى أو محاكم ذات صلة أو هيئات تحقيق أخرى.
 
في الواقع، كانت الرغبة المشروعة للعديد من المواطنين العراقيين هي محاربة الفساد الاقتصادي والظلم الذي طفح على السطح في السنوات التي تلت عام 2003، والآن يبدو أن جزءًا كبيرًا من المتظاهرين قد أدركوا الإرادة الجادة للحكومة للتصدي للفساد، وأنه من المحتمل في المستقبل القريب أن يشهد الوضع العراقي بعض الهدوء النسبي.
 
رغبة بغداد الجادة في مواجهة التدخل الأجنبي في الشؤون العراقية
 
يمكن رؤية ان عودة الاستقرار النسبي إلى العراق، يرتبط بإرادة الحكومة العراقية الجديدة لمنع تدخل الدول الاجنبية في الشؤون الداخلية. وفي هذا الصدد، أصدرت وزارة الخارجية العراقية بيانًا يوم الاثنين أعلنت فيه أن عبد الكريم هاشم، المسؤول البارز بالوزارة، استدعى سفراء كل من بريطانيا وفرنسا وكندا ومسؤول السفارة الألمانية في بغداد، بسبب صدورهم بيانًا مشتركًا مؤخرًا.
 
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد الصحاف في بيانه أن العراق يحافظ على علاقاته الدبلوماسية مع دول العالم بناءً على مبدأ تفعيل المصالح المشتركة ومواجهة الأخطار المشتركة، وعلى اساس هذا المبدأ تمكن من تأسيس علاقات قوية مع دول العالم وفقا لمبدأ احترام عدم التدخل في الشؤون الداخلية وحفظ السيادة. كما شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية على معارضة الوزارة لمضمون البيان المشترك للسفارات البريطانية والفرنسية والألمانية والكندية، ووصفه بأنه تدخل غير مقبول في الشؤون الداخلية العراقية وانتهاك واضح للمادة رقم واحد من اتفاقية فيينا بشأن تنظيم العلاقات بين الدول. ويأتي هذا البيان بعد صدور بيان من سفارات كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا المشترك الذين دعوا فيه رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى إبعاد قوات الحشد الشعبي عن المظاهرات ومحاكمة مرتكبي مذبحة السنك الأخيرة.
 
الإرادة الجادة للسياسيين العراقيين لتعيين رئيس وزراء جديد
 
يمكن اعتبار مظهر آخر من مظاهر عودة الاستقرار النسبي إلى العراق، الى الارادة الجدية للسياسيين العراقيين لحل الأزمة وانتخاب رئيس وزراء جديد. ووفقًا لتقرير وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) بعد ظهر الاثنين، عقد رئيس الجمهورية برهم صالح اجتماعًا مع قادة التيارات السياسية لمناقشة مسألة تسمية رئيس وزراء جديد في الإطار الزمني الذي حدده الدستور. وأضاف المصدر الذي لم يكشف عن اسمه على أن الرئيس العراقي والقادة السياسيين ناقشوا في اجتماعهم أيضًا آخر التطورات في البلاد، رغم أنه لم يكشف عن القادة السياسيين المشاركين. في حين دعا رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته عادل عبد المهدي يوم الأحد، أثناء اجتماعه مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في بغداد، البرلمان والتيارات السياسية لتشكيل حكومة جديدة تتمتع بسلطة كاملة كونه لا يرغب ان تكون حكومته حكومة تصريف أعمال لفترة طويلة. بالإضافة إلى ذلك، أعلن مسؤولون سياسيون عراقيون آخرون على مدار الأيام القليلة الماضية عن عزمهم على تشكيل حكومة جديدة.