تعثر مفاوضات صنعاء والرياض لا ينهي الاتصالات

تعثر مفاوضات صنعاء والرياض لا ينهي الاتصالات

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٦ ديسمبر ٢٠١٩

تحصر واشنطن الضوء الأخضر للمفاوضات السعودية مع صنعاء بهدنة هشة. يرسل الأميركيون، عبر الوسيط العماني، رسائل ضغط على طهران كي تقنع الحوثيين بالاشتراك في مفاوضات سياسية من دون وقف إطلاق النار ورفع الحصار. أما الهدف؛ فتحييد اليمن عن المواجهة الإقليمية على الأرض، وربطه بها على طاولة المفاوضات مع إيران. إزاء ذلك، ورغم عدم انقطاع قناة التفاوض اليمنية السعودية، فإن دون التوصّل إلى اتفاق وشيك جملة عقبات.
تكاد تبدو الحرب في اليمن أنها بلغت النهاية، لانتهاء جدواها على الأقل، لكنها بانتظار إعلان «رسمي» بالأمر. يؤكد طرفا الحرب تقديرات تفيد بأن 80% على الأقل من العنف، من اشتباكات وغارات وقصف متبادل، توقّف منذ أسابيع. المشهد الراهن رسمته معادلات المواجهات في الأشهر الماضية، والتي بلغت ذروتها مع ضربة «أرامكو»، وكذلك ارتدادات الاشتباك الإقليمي الذي أحدث تحوّلاً في الموقف الإماراتي، وتالياً في موقف السعودية. ما الذي يؤخر إذاً ترجمة كل ذلك في السياسة؟ الجواب يعزوه المطّلعون على سير الاتصالات الإقليمية إلى أمر رئيس: إصرار الأميركيين على ربط ملفات الإقليم جميعها، ولا سيما اليمن، بالمفاوضات مع طهران.
منذ أن انطلق الحوار الإماراتي الإيراني وأعلنت أبو ظبي تغيير استراتيجيتها في اليمن والشروع في الانسحاب شبه الكامل، لا تزال الهدنة بين الإمارات وإيران ثابتة. في طهران، ثمة رضى نسبي لا يخفيه الإيرانيون على التزام الإماراتيين بالتفاهمات، وهو يظهر على شكل «تهدئة» خُفّفت بموجبها حدة الخطاب الإعلامي تجاه أبو ظبي، وانسحب الأمر على حلفاء لطهران في المنطقة التزموا تجنّب الإمارات في تصريحاتهم. لا اتفاق رسمياً ومباشراً بين صنعاء وأبو ظبي بشأن تهدئة مماثلة، إلا أن حركة «أنصار الله»، مستفيدة من التواصل الإماراتي الإيراني، تقابل التهدئة بالمثل. وتؤكد مصادرها استمرار هذه التهدئة في ظل تلمّس تراجع الوجود الإماراتي إلى حد كبير برغم رصد بقاء مجموعات صغيرة في الساحل الغربي والجنوب كظهير لوجستي وأمني للميليشيات المدعومة من قبلها.
في الرياض، يتأكد يوماً بعد يوم أن وليّ العهد محمد بن سلمان، بات مقتنعاً بالاستراتيجية الجديدة لوليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد. اقتناع رسّخه اتفاق الرياض بين الأدوات اليمنية للحليفين، ومن ثم زيارة ابن سلمان للإمارات بموازاة تحريك المفاوضات مع صنعاء. وبالتالي ما يريده ابن سلمان هو استنساخ ما قامت به الإمارات، لا إيقاف شاملاً للحرب. للرياض جملة أسباب تجعل موقفها ضبابياً من إنهاء الحرب بصورة واضحة وسريعة. فهي وإن باتت مقتنعة تماماً بأن الحرب فقدت جدواها، ولا بد من خاتمة تمنع تصاعد الهجمات النوعية كضربة «أرامكو» وتستجيب لوجهتَي النظر الإماراتية والبريطانية، إلا أن المملكة لا تزال تريد الاحتفاظ بماء الوجه بأقصى ما يمكن وتهتّم كثيراً بـ«الإخراج». لذا تفضّل هدنة طويلة الأمد والشروع في مفاوضات سياسية بين اليمنيين، تنقل الأزمة إثرها إلى اليمن وتصبح داخلية فقط، وهو ما تمهّد له ترتيبات الاتفاق الأخير بين حكومة عبد ربه منصور هادي و«المجلس الانتقالي الجنوبي».
كما تعاني السعودية من طريقة التعاطي الأميركي بشأن ملف اليمن. فهي عالقة بين عدم انخراط واشنطن أكثر في الحرب، وهو ما ثبت في أعقاب ضربة «أرامكو»، وبين رفض الأميركيين أن تمضي السعودية إلى الحل من تلقاء نفسها. ووفق مصادر مطّلعة، فإن الأميركيين الذين يتابعون هذه الأيام سير الاتصالات مع العُمانيين، واستدعوا لذلك وزير الخارجية يوسف بن علوي إلى واشنطن، يصرّون على أن تكون الولايات المتحدة هي المفاوض مع إيران في ملف اليمن، لا السعودية. وبالتالي فإن الإصرار الأميركي على تدويل ملف اليمن وربطه بالمواجهة الإقليمية مع طهران، يفرض هدنة تليها مفاوضات سياسية بلا وقف شامل لإطلاق النار، بهدف إبقاء ورقة الحرب مسلّطة وفي الوقت نفسه سحبها من يد إيران كساحة ممكن الاستفادة منها لتحقيق ضغط مقابل على واشنطن والرياض، بما يشبه ضربة «أرامكو»، بحجّة الهدنة.
من هنا، يتضح أكثر ما تقوم به واشنطن لتثبيت هذه المعادلة ولإنجاح سياسة «الضغوط القصوى» قبل المفاوضات، وهي السياسة التي تواجه بأوراق ضغط إيرانية مقابلة تفقدها جدواها، ما يستدعي سحبها أو تفريغها من مضمونها. ففي حين ترسل واشنطن وزير الخارجية العماني إلى طهران، وتسعى في حل الأزمة الخليجية، تعلن عن ضبط سفينة أسلحة إيرانية متجهة إلى اليمن. في الوقت ذاته، يؤكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، أثناء زيارة بن علوي لطهران، أن بلاده تلقّت «رسائل سرية» من الإدارة الأميركية عبر الوسطاء الأوروبيين حول الشروع في التفاوض.
وسط حقل الألغام هذا، سارت المفاوضات السعودية اليمنية في الأسابيع الماضية، سواء عبر الوسيطين العُماني والأردني أو بلقاءات مباشرة. تؤكد مصادر «أنصار الله» أن هذه الاتصالات لا تزال ساخنة، شارحة العُقد التي تحول دون توقّع حلّ سريع. اختبرت صنعاء جدّية الرغبة السعودية بالتهدئة مع تراجع الاشتباكات والغارات وكذلك عدم القيام بردات فعل تصعيدية معتادة تجاه إسقاط الطائرات أو توقيف السفن قبالة الساحل الغربي، وصولاً إلى إطلاق سراح عشرات الأسرى قبل أيام. لكن بالنسبة إلى الجانب اليمني، فإن مقترح الهدنة السعودي لا جدوى من القبول به كمدخل للمفاوضات السياسية التي يروّج لها المبعوث الدولي. المطلوب في صنعاء استثمار «الصمود» في مفاوضات سياسية يكون الباب المؤدي إليها أمران: وقف شامل لإطلاق النار وفك الحصار.
في الأثناء، يتفرّغ المبعوث الدولي مارتن غريفيث، لإمرار المقترح السعودي متجاهلاً مهماته الأخرى، وهو ما تسبّب بغضب في صنعاء وصل الى حد رفض زعيم «أنصار الله» عبد الملك الحوثي لقاء الرجل. لكن الوساطة العُمانية نجحت الثلاثاء الماضي في جمع غريفيث بوفد صنعاء التفاوضي، في مسقط، لتخفيف حدة الخلافات بين الجانبين. العاصمة العُمانية تعجّ هذه الأيام بالتحرّكات الدبلوماسية، من أجل الضغط باتجاه استئناف مفاوضات بداية العام الجديد، ترغب الكويت في استضافتها. وباتت مسقط وجهة سفراء الدول الكبرى لدى اليمن، كما التقى وفد صنعاء التفاوضي أخيراً بعثة الاتحاد الأوروبي. تحرّكات توّجت بتنقّل وزير الخارجية العُماني، في الأسبوعين الماضيين، بين واشنطن وطهران، بما يؤكد توجّه واشنطن نحو ضم اليمن إلى مسار المفاوضات المتعثرة مع إيران، وربما لجعل اليمن محطة البداية لجرّ الإيرانيين إلى التفاوض، عبر الضغط على إيران لإقناع صنعاء بهدنة هشة، وفي الوقت نفسه تحييد اليمن عن المواجهة الإقليمية. حتى حدوث تبدّل في الموقف السعودي، أو في الوساطة العمانية بين طهران وواشنطن، تستبعد المصادر نجاح غريفيث في عقد المفاوضات في الكويت أو غيرها قريباً. مع ذلك، لا تشعر «أنصار الله» بـ«التشاؤم»، وترى أنها في أفضل المراحل نسبة إلى السنوات الأخيرة، وهي مستعدة للانتظار أكثر حتى ينضج الحل بصورة شاملة. ويذكّر قادة الحركة بأن الأيام الأخيرة، رغم التهدئة، شهدت رسائل عسكرية نوعية تكفي للتأكيد بأن الوقت ليس لمصلحة «الأعداء»، أبرزها العمليات المتكررة لإسقاط الطائرات. فيما في المقابل، بحسب المصادر، يتأكّد نفاد الأوراق بيد الخارج، من جهة، ومن جهة ثانية هشاشة اتفاق الرياض بين حلفاء السعودية والإمارات في الجنوب اليمني، وعدم جدواه في تقديم «توحيد جهود الميليشيات» كورقة رابحة لتغيير المشهد الميداني.