لماذا لم تكتشف «المخابرات المركزية» هجمات 11 أيلول رغم كل التحذيرات؟

لماذا لم تكتشف «المخابرات المركزية» هجمات 11 أيلول رغم كل التحذيرات؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٧ سبتمبر ٢٠١٩

أصبح فشل وكالة المخابرات المركزية الأميركية في ملاحظة المؤشرات المُنذرة بوقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ أجهزة المخابرات.
 
كانت هناك لجان وتعديلات وتحقيقات داخلية وأكثر من ذلك. من ناحية، هناك مَن يقول إن وكالة المخابرات المركزية لم تلحظ إشارات تحذير واضحة. ومن ناحية أخرى، هناك أولئك الذين يزعمون أنه كان من الصعب للغاية استشعار التهديدات مسبقاً، وأن الوكالة الأميركية فعلت كل ما هو ممكن منطقياً.
 
 
 
 
 
ولكن ماذا لو كان كلا الطرفين مخطئاً؟
يقول موقع ماثيو سيد، مؤلف كتاب Rebel Ideas: The Power of Diverse Thinking «أفكار المتمردين: قوة التفكير المتنوع» لموقع BBC Mundo: سأخبركم بشيء، ماذا لو كان السبب الحقيقي وراء عدم تمكن وكالة المخابرات المركزية من اكتشاف المؤامرة أكثر دقة مما يعتقد أي طرف من الأطراف؟ وماذا لو أخبرتكم أن هذه المشكلة تتجاوز أجهزة الاستخبارات وتؤثر اليوم في صمت على آلاف المنظمات والحكومات والفرق الأمنية؟
 
فبينما ركزت العديد من التحقيقات على ما فعلته الوكالة أو ما قالت إنها فعلته بالمعلومات المتاحة قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، عاد قليل منها إلى الوراء أكثر لفحص الهيكل الداخلي لوكالة الاستخبارات المركزية نفسها، وعلى وجه الخصوص سياسات التوظيف.
 
من منظور تقليدي، كانوا لا يهزمون؛ إذ كان المحللون المحتملون يخضعون لمجموعة من الاختبارات النفسية والطبية وجميع أنواع الاختبارات. وليس هناك شك في أنهم استعانوا بأشخاص استثنائيين.
 
وفقاً لأحد العملاء القدامى في وكالة المخابرات المركزية: «كان الاختباران الرئيسيان من أنواع امتحانات القبول بالجامعة لتحديد ذكاء المرشح وتاريخه النفسي لفحص حالته العقلية».
 
ويضيف: «استبعدت الاختبارات أي شخص لم يكن متميزاً في كليهما. في العام الذي قدمتُ فيه طلبي، قبلوا مرشحاً واحداً بين كل 20 ألف متقدم. وعندما قالت وكالة المخابرات المركزية الأميركية إنها استعانت بالأفضل، كان ذلك صحيحاً».
 
ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء المجندين بدوا متشابهين للغاية: ذكور، بيض، أنجلوسكسونيون، أمريكيون، بروتستانت.
 
 
 
 
 
«الهوموفيليا» في المخابرات المركزية الأميركية
هذه ظاهرة شائعة في التوظيف، وتسمى أحياناً «الهوموفيليا»: يميل الناس إلى توظيف أشخاص يعتقدون أنهم يشبهونهم. وظاهرة يميل الشخص فيها إلى أن يكون محاطاً بأشخاص يشاركونه وجهات نظره ومعتقداته.
 
في الواقع، تشير عمليات المسح للدماغ إلى أنه عندما يجسّد الآخرون أفكارنا الخاصة فإن ذلك يحفز مراكز المتعة في أدمغتنا.
 
في دراستهم حول وكالة المخابرات المركزية، كتب خبيرا الاستخبارات ميلو جونز وفيليب سيلبيرزاهان: «أول سمة ثابتة لهوية وثقافة وكالة المخابرات المركزية من عام 1947 إلى 2001 هي تشابه موظفيها من حيث العرق والجنس والإثنية والخلفية الطبقية».
 
ووجدت دراسة أجراها المفتش العام حول ممارسات التوظيف أنه في عام 1964، كان هناك فرع من وكالة المخابرات المركزية الأميركية، يسمى مكتب التقديرات الوطنية، «لم يكن به موظفون سود أو يهود أو نساء، وضم عدداً قليلاً من الكاثوليك».
 
بحلول عام 1967، وفقاً للتقرير، كان هناك أقل من 20 أميركياً من أصل إفريقي من بين حوالي 12 ألف موظف غير إداري تابع لوكالة المخابرات المركزية، واستمرت الوكالة في تلك الممارسة بعدم توظيف الأقليات من فترة الستينيات وحتى الثمانينيات.
 
وحتى عام 1975، كان مجتمع الاستخبارات الأميركي «يحظر صراحةً توظيف المثليين جنسياً».
 
 
 
 
 
واشنطن لم ترَ بن لادن في البداية تهديداً حقيقياً عليها
أعلن أسامة بن لادن الحرب على الولايات المتحدة من كهف في تورا بورا في فبراير/شُباط عام 1996. وأظهرت الصور رجلاً له لحية تصل إلى صدره. كان يرتدي جلباباً تحت زي القتال.
 
اليوم، بالنظر إلى كل ما نعرفه عن الأهوال التي تسبب فيها، يبدو إعلانه تهديدياً. لكن مصدراً من وكالة المخابرات الأميركية الرئيسية قال لموقع BBC Mundo إن وكالة المخابرات المركزية «لم تستطع تصديق أن هذا السعودي الطويل الملتحي، الذي يجلس القرفصاء حول نار المعسكر، يمكن أن يشكل تهديداً للولايات المتحدة».
 
بمعنى آخر، بالنسبة إلى مجموعة كبيرة من المحللين، بدا بن لادن بدائياً وغير مؤذٍ نسبياً. عبّر ريتشارد هولبروك، مسؤول حكومي كبير في حكومة الرئيس السابق كلينتون، عن ذلك على هذا النحو: «كيف يمكن لرجل في كهف أن يتفوق على قادة العالم في مجتمع المعلومات؟»
 
وقال آخر: «لقد عجزوا ببساطة عن تبرير الحاجة إلى تخصيص موارد لمعرفة المزيد عن بن لادن والقاعدة؛ لأن الرجل كان يعيش في كهف، الأمر الذي، بالنسبة لهم، كان التخلف بعينه».
 
سوء تقدير كبير وقعت فيه المخابرات المركزية
الآن، فكر في ما يمكن أن يستنتجه شخص أكثر دراية بالإسلام من مشهد بن لادن نفسه.
 
وفقاً لورانس رايت في كتابه عن أحداث 11 سبتمبر/أيلول الذي حاز من ورائه جائزة بوليتزر، نظم بن لادن عمليته «متذرعاً بتصورات ذات مغزى عميق لكثير من المسلمين ولكنها مجهولة فعلياً لأولئك الذين لم يكونوا على دراية بهذا الدين».
 
كتب جونز: «الجزء المتعلق باللحية وإشعال النار هو دليل على وجود نمط أوسع استخف به الأمريكيون غير المسلمين، حتى أكثر عملاء المخابرات خبرة، بالقاعدة لأسباب ثقافية».
 
أما بالنسبة للكهف، فقد كانت له دلالة رمزية أعمق. مثلما يعلم أي مسلم تقريباً، لجأ النبي محمد إلى كهف بعد فراره من مطارديه في مكة. بالنسبة للمسلم، الكهف مقدس. يمتلئ الفن الإسلامي بصور نوازل الكهوف (الأعمدة الهابطة).
 
صاغ بن لادن غربته في تورا بورا باعتبارها هجرته الشخصية، مستخدماً الكهف رمزاً لذلك. ومثلما قال أحد العلماء المسلمين: «لم يكن بن لادن بدائياً؛ لقد كان استراتيجياً. كان يعرف كيف يتعامل مع التصورات القرآنية لتحريض أولئك الذين سوف يصبحون لاحقاً شهداء في هجمات 11 سبتمبر/أيلول».
 
وقد خُدع المحللون أيضاً من حقيقة أن بن لادن كثيراً ما كان يصدر تصريحات على هيئة شِعر. بالنسبة إلى المحللين من الطبقة الوسطى البيضاء، بدا هذا الأسلوب غريباً وعزز فكرة «مُلّا بدائي في كهف».
 
بالنسبة للمسلمين، يحمل الشعر معناً مختلفاً؛ إنه مقدس. في الواقع، كانت حركة طالبان تعبّر عادة عن نفسها بالشعر. غير أن الوكالة الأميركية كانت تدرس تصريحات بن لادن باستخدام إطار رجعي منحاز.
 
وقال جونز وسيلبيرزاهان: «الشعر نفسه لم يكن فقط بلغة أجنبية، (وهي) العربية؛ بل جاء أيضاً من عالم فكريّ يبعد سنوات ضوئية عن مقر وكالة المخابرات المركزية».
 
بحلول عام 2000، زاد عدد من رأتهم الاستخبارات الأميركية «رعاعاً مناهضين للحداثة غير متعلمين» الذين تبعوا بن لادن ليصل عددهم إلى 20 ألف شخص، كان معظمهم من الحاصلين على التعليم الجامعي وغالباً في مجال الهندسة.
 
حاز يزيد صوفات، أحد الباحثين في مجال استخدام الجمرة الخبيثة كسلاح بيولوجي لتنظيم القاعدة، على شهادة في الكيمياء. وكان كثير منهم على استعداد للموت في سبيل إيمانهم.
 
في هذه الأثناء، كان بول بيلار، المسؤول البارز في وكالة المخابرات المركزية (أبيض، متوسط العمر، تلقى تعليمه في إحدى جامعات النخبة) يستبعد احتمال وقوع هجوم إرهابي كبير.
 
وقال: «سيكون من الخطأ إعادة تعريف مكافحة الإرهاب على أنها مهمة التعامل مع إرهاب «كارثي» أو «فظيع» أو «إرهاب هائل»، في حين أن تلك المسميات لا تمثل في الواقع معظم الإرهاب الذي من المرجح أن تواجهه الولايات المتحدة».
 
ومن العيوب الأخرى في المباحثات التي جرت في وكالة المخابرات المركزية، ترددها في تصديق أن بن لادن سيشن حرباً على الولايات المتحدة.
 
 
 
 
 
لماذا سيبدأ بن لادن حرباً لن يستطيع الفوز فيها؟
لم ينجح المحللون في الوصول إلى القفزة المفاهيمية التي تسمح لهم بفهم أنه بالنسبة للجهاديين، لا يجب أن يتحقق النصر على الأرض؛ بل في الجنة.
 
في الواقع، كان الاسم الرمزي الذي أطلقه تنظيم القاعدة على هجمات 11 سبتمبر/أيلول هو «العرس العظيم»؛ لأنه في أيديولوجية الانتحارية، يكون يوم وفاة الشهيد هو أيضاً يوم زفافه، عندما تستقبله العذراوات في الجنة.
 
كان يمكن لوكالة المخابرات المركزية الأميركية تخصيص المزيد من الموارد للتحري عن القاعدة. كان يمكن أن تحاول التسلل إلى التنظيم، لكنهم لم يتمكنوا من فهم الحاجة الضرورية لذلك. لم يخصصوا المزيد من الموارد لأنهم لم يدركوا وجود تهديد يُذكر.
 
لم يسعوا إلى اختراق القاعدة لأنهم تجاهلوا الثغرة في نظرتهم. ولم تقتصر المشكلة فقط على عدم القدرة على الربط بين الشواهد في خريف عام 2001، لكنها تسببت في خطأ خلال جميع مراحل دورة الاستخبارات.
 
 
 
 
 
التشابه أضعف جهاز الاستخبارات الأول في العالم
يقول ماثيو سيد، كان النقص في عدد المسلمين داخل وكالة المخابرات المركزية الأميركية هو مجرد مثال يشرح كيف أن التشابه أضعف جهاز الاستخبارات الأول في العالم، فهو يعطي فكرة عن كيفية أن مجموعة أكثر تنوعاً كانت ستتمكن ليس فقط من فهم أكبر ليس للتهديد الذي تمثله القاعدة؛ لكن أيضاً فهم المخاطر في جميع أنحاء العالم؛ وكيف ستمكِّن الأطر المرجعية المختلفة، ووجهات النظر المختلفة، من تكوين توليف أكثر اكتمالاً، ودقة، وقوة.
 
على سبيل المثال، نشأت نسبة عالية على نحوٍ مدهش من موظفي وكالة المخابرات المركزية في أسر من الطبقة المتوسطة، وشهدوا القليل من الصعوبات المالية أو غيرها من العلامات المحتملة للتطرف، أو العديد من التجارب الأخرى التي كان من الممكن أن تثري عملية الاستخبارات.
 
في فريق أكثر تنوعاً، كان كل منهم يمثل قوة قيمَّة. كمجموعة، كان لديهم عيوب بلا شك. لكن المشكلة ليست فقط وكالة المخابرات المركزية، إذ تُلاحظ أيضاً عند النظر إلى العديد من المكاتب الحكومية ومكاتب المحاماة وفرق قيادة الجيش وكبار الموظفين العموميين وحتى المديرين التنفيذيين لبعض شركات التكنولوجيا.
 
ونحن منجذبون دون وعي إلى مَن نعتقد أنهم مثلنا، ولكن نادراً ما نلاحظ الخطر؛ لأننا لا نعرف نقاطنا العمياء.
 
عبّر جون كليز، الممثل الكوميدي، عن الأمر كما يلي: «كل شخص لديه نظريات. الأشخاص الخطرون هم أولئك الذين لا يعرفون نظرياتهم، أي أن النظريات التي يعملون وفقها غير مُدرَكة إلى حد كبير».
 
الحصول على المزيج الصحيح من التنوع في المجموعات البشرية ليس بالأمر السهل. إن جمع العقول السليمة، مع وجهات نظر تتحدى وتتحسن وتتباين وتتأكد، هو علم حقيقي.
 
لكن هذا سوف يصبح مصدراً رئيسياً للمزايا التنافسية للمؤسسات، ناهيك عن وكالات الأمن. هذه هي الطريقة التي يصبح بها مجموع الأعداد صحيحة أكثر من مجموع كسورها.
 
من جهتها، اتخذت وكالة المخابرات المركزية خطوات مهمة نحو تنوع كبير منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول. لكن المشكلة لا تزال تطارد الوكالة وكان هناك تقرير داخلي في عام 2015 انتقادياً للغاية.
 
بصفته مدير وكالة الاستخبارات في ذلك الوقت، قال جون برينان: «حلل فريق الاستقصاء بتحليل وكالتنا بعناية وتوصل إلى استنتاج لا لبس فيه، يجب على وكالة المخابرات المركزية ببساطة أن تفعل المزيد لتطوير بيئة القيادة المتنوعة والشاملة التي تتطلبها قيمنا والتي تتطلبها مهمتنا».