الخليل وحيداً يطوّقه الاحتلال.. هل اقتربت الانتفاضة الثالثة؟

الخليل وحيداً يطوّقه الاحتلال.. هل اقتربت الانتفاضة الثالثة؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٨ سبتمبر ٢٠١٩

في مشهد تراجيدي أعاد إلى أذهاننا ما حصل قبل 19 عاماً عندما اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون، المسجد الأقصى، عاد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ليعيد نفس المشهد ولكن في الجليل، في الأولى انتفض الفلسطينيون وهبّوا لنجدة القدس وحمايته من تدنيس الصهاينة، واستمرت هذه الانتفاضة التي اندلعت في 28 سبتمبر 2000 لتتوقف بعد خمس سنوات، وبين الانتفاضة السابقة وما جرى يوم الأربعاء السابق في الخليل تدور أحاديث في الكواليس عن موعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، فهل اقترب الموعد وأصبح من الضروري بدء هذه الانتفاضة أم إن هناك جهات فلسطينية تعرقلها خوفاً من تداعياتها على الداخل الفلسطيني، ولكن ألا يستحق الخليل انتفاضة حقيقية تضع حدّاً لتجاوزات الإسرائيليين القانونية والأخلاقية وتوقف هذا المد الاستيطاني السرطاني.
 
نتنياهو اقتحم الخليل الأسبوع الماضي في مشهد استعراضي، أراد من خلاله بثّ الرعب في نفوس الفلسطينيين وبثّ الطمأنينة في قلوب الصهاينة الذين استوطنوا في الخليل وأعدادهم لا تتجاوز بضعة آلاف ومع ذلك تجاوز نتنياهو جميع القوانين الدولية والأعراف وداس على اتفاق الخليل واتفاقية اوسلو، مستغلاً حماية الغرب وأمريكا له وصمت العرب وبعض القيادات الفلسطينية عما يجري في الخليل.
 
نتنياهو أمر بتطويق المدينة وإطباق الخناق على سكانها الأصليين في مشهد لا يذكّرنا سوى بإبادة الأمريكيين للهنود الحمر، حيث حوّل نتنياهو الحرم الابراهيمي والخليل إلى منطقة عسكرية مغلقة وزاد عدد الحواجز العسكرية فيها من 100 إلى 160 حاجزاً عسكرياً يوم الاقتحام، فضلاً عن استعراض مئات المستوطنين الذين يسيطرون على قلب البلدة القديمة في الخليل قوّتهم وأسلحتهم الرشاشة، وهي مشاهد أكدت أن الإسرائيليين غرباء في المدينة ويحتاجون إلى آلاف البنادق لتنظيم خطاب وتأمين زيارة رسمية للمكان.
 
طبعاً هذا الأمر يعدّ تجاوزاً لبروتوكول الخليل أو اتفاق الخليل، وهو بروتوكول تمّ بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية يوم 15 يناير من عام 1997 بهدف إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في مدينة الخليل، أعقب ذلك تقسيم مدينة الخليل إلى منطقتين: منطقة (هـ1) والتي تشكّل 80% من المساحة الكلية لمدينة الخليل وتخضع للسيطرة الفلسطينية.
 
ومنطقة (هـ2)، وتشكل 20% من مساحة الخليل بقيت تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية فيما نقلت الصلاحيات المدنية للسلطة الفلسطينية.
 
لكن يبدو أن نتنياهو وجد أنه أفضل حل لدفع الصهاينة للتصويت له في الانتخابات المقبلة، هو اللعب على الوتر الديني الذي يتمسّك به الصهاينة ويمكن أن يتأثروا به، خاصة وأن المشروع الصهيوني يستقي مفاهيمه وتعاليمه من الرواية اليهودية ولكن تم تسويقه في العالم وخاصة في أوروبا التي تحرّرت من سلطة الإقطاع الديني وسطوة الكنيسة على النشاط العقلي بأنه مشروع علماني وذلك كأسلوب تضليلي للدعاية في الحركة الصهيونية، والمشروع الاستعماري الغربي القائم على وجود أي كيان غريب في قلب النقطة مغايراً عن نسيجها الاجتماعي الحضاري كي يعمل على منع وحدة شعوبها في إطار دولة قومية واحدة على غرار الدول القومية في العالم وذلك بهدف إبقائها في وضع التخلف الحضاري بكل أشكاله ملحقة بالنظام الرأسمالي العالمي والذي سيكون هذا الكيان الغريب من وظيفته السياسية العدوانية الأساسية هي أولاً المحافظة على مصالح دول هذا النظام الرأسمالي الامبريالي العالمي.
 
حاول نتنياهو إيصال مجموعة من الرسائل إلى الصهاينة والعالم، أهمها أنه يريد ضم الخليل وتهويدها على غرار ما يجري في القدس، وكان هذا الكلام واضحاً في خطاب نتنياهو الذي قال علانية، ومن ساحة الحرم الابراهيمي: "نحن لسنا غرباء في مدينة الخليل وسنبقى فيها إلى الأبد".
 
حديث نتنياهو عن الغرباء يؤكده انتشار آلاف من جنوده في منطقة (H2) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة حسب بروتوكول الخليل عام 1997 الذي قسّم المدينة إلى (H1) خاضع للإدارة الفلسطينية و(H2) الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
 
الأمر الثاني كان واضحاً أن نتنياهو يريد التغطية على ردّ "حزب الله" وتداعيات هذا الرد وفشله في تحوّل معادلة الردع لمصلحته وإلهاء الإعلام الإسرائيلي والرأي العام الداخلي باقتحام الخليل، طبعاً وكما ذكرنا سابقاً يشكّل هذا الاقتحام جزءاً من الدعاية السياسية لمواقفه اليمينية المتطرفة ولتغطية حالة الفساد المتهم بها لإرضاء الجمهور الإسرائيلي الذي يغلب عليه الاتجاه العنصري الفاشي اليميني وهذا الأمر يحدث الآن في إطار العملية الانتخابية للكنيست المقرر إجراؤها في الشهر الحالي والذي يطمح بالفوز أمام خصومه السياسيين الأقوياء حتى يبقى يشغل منصبه الحالي لتشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة القادمة.
 
الرد الفلسطيني
 
في الحقيقة كان الرد الفلسطيني باهتاً حتى كتابة السطور، ولاسيما من السلطة الفلسطينية، فالرئيس محمود عبّاس، وكُل المُتحدّثين باسمه كانوا يُعارضون العمَل المُسلّح، ويُؤكّدون دائماً تمسّكهم بالمُقاومة السلميّة، فأينَ هذه المُقاومة السلميّة، ونِتنياهو يقتحم مدينة الخليل، ويقول في خطابه "إنّ اليهود سيبقون في مدينة الخليل إلى الأبد".
 
على المستوى الشعبي يجب أن يكون الرد بمستوى وقاحة نتنياهو وقاسياً بعيداً عن بيان الشجب والاستنكار فعلى المستوى الرسمي يجب الإعلان عن إلغاء اتفاقية الخليل التي أبرمت بين السلطة والكيان كأحد الاتفاقيات التي تفرّعت عن اتفاقية أوسلو وهي اتفاقية كانت في الحقيقة مجحفة بحق مستقبل المدينة وحياة سكانها حيث فتحت المجال واسعاً لتغوّل ممارسات المستوطنين في المدينة ومضايقتهم اليومية للحياة المدنية فيها على شكل إجراءات جنود الاحتلال القمعية في منطقة المسجد الإبراهيمي..
 
أما الرد على المستوى الشعبي فمن المفترض أن يواجه بهبّة واسعة على محاولة نتنياهو إشعال حرب دينية في المنطقة فزيارته للمدينة الفلسطينية الكبيرة والعريقة حيث تعتبر إحدى معاقل الوطنية الفلسطينية واستباحته للحرم الإبراهيمي هي عدوان صارخ على الحقوق الوطنية لأن الخليل كباقي أراضي الضفة الغربية هي جزء من الدولة الفلسطينية العتيدة القادمة حسب مشروع حلّ الدولتين الذي يحظى بإجماع دولي.