لماذا الحديث الإسرائيلي الآن عن الصواريخ الدقيقة؟

لماذا الحديث الإسرائيلي الآن عن الصواريخ الدقيقة؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ٧ سبتمبر ٢٠١٩

لا يمكن الركون إلى لعبة الأرقام في الصراع مع "إسرائيل". لم يدّعِ حزب الله يومًا أنه يمتلك قدرات عسكرية أكبر من قدرة الجيش الإسرائيلي. في الأصل، إن جوهر نجاح الحزب عسكريًا طوال 37 عامًا يكمن في انتهاجه قتالًا "لا تناظريًا" لتعويض فارق القدرات وتحقيق مستوى من الردع.
لجأت "إسرائيل" مرات عديدة إلى حسابات الأرقام لتبرير أزماتها في محطات مفصلية. نعى الجيش الإسرائيلي عشرات المرات جنودًا في حوادث سير في المنطقة الشمالية طوال فترة احتلاله لجنوب لبنان، في وقت كانت فيه كاميرا "الإعلام الحربي" تدحض الروايات الإسرائيلية.
أمام إجادة الطرفين للحرب النفسية، هناك ثابتة وحيدة تقيس ميزان القوة عند جانبي الحدود: الردع.
لكن مفهوم الأخير بين الطرفين يتمايز بحسب عناصر القوة لدى كل منهما.
كتب الصحفي الإسرائيلي"عكيفا إلدار" مؤخراً متسائلاً "ماذا سيحدث لو أصابت الصواريخ التي أطلقت يوم الأحد 1 أيلول/ سبتمبر من لبنان سيارة الإسعاف العسكرية، وفي اليوم التالي شاهدنا عبر محطات الأخبار التلفزيونية مشاهد لخمس جنازات عسكرية؟".
يقول "إلدار" في مقالته إنه "بهدف إدارة الصراع، تعتمد "إسرائيل" على قدرتها على الردع العسكري، في الواقع القوة العسكرية والتكنولوجية الموجودة تحت تصرفها تفوق سبع مرات قوة كل جار وكل الجيران معًا، لكن الأحداث الأخيرة في الشمال توضح مدى الردع المتبادل وليس فقط من جانب "إسرائيل"، صحيح أن لبنان ينتابه الخوف لأنه يدرك القدرات العسكرية "لإسرائيل"، لكن من ناحية أخرى قام الحزب بردعها لأن الأخيرة تدرك جيدًا خطر تعرّض المستوطنات والمواقع الاستراتيجية للصواريخ.
كلام الصحفي الإسرائيلي المخضرم يدل في هذه المرحلة على أزمة في الحفاظ على الردع على المستوى الإستراتيجي.
ما إن هدد حزب الله بالردّ على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت عناصره في "عقربا" السورية، حتى اتخذّ الجيش الإسرائيلي سلسلة إجراءات ظاهرة وخافية تتقاطع جميعها في استيعاب رد لا ردعه عن تنفيذ تهديده.
في العِلم العسكري، يستمد الردع قيمته من قدرة الرادع على إفهام الخصم أن الذهاب إلى القتال مكلف إلى درجة امتناعه عن التهديد. لكن حزب الله لم يخضع لاعتبار "الردع" بالمعنى التقليدي للمصطلح، بل هو جاهر في العلن بأنه سيرد مرتين واضعًا إسرائيل في موقع الدفاع! بهذا المعنى، فإن أي حديث عن ردع إسرائيلي يبدو غير ذي صلة بواقع الحال.
ولم يقتصر "ضرر" تهديد حزب الله على المسّ بجوهر نظرية الردع الإسرائيلية، بل تعدّى ذلك إلى المس بالوعي الجمعي على مستوى الجبهة الداخلية، بعد أن اضطر مطار "بن غوريون"، على سبيل المثال، إلى تغيير حركة الطائرات المدنية تفاديًا لأي اندلاع محتمل لمواجهة عسكرية.
ومع أن الجيش الإسرائيلي نقل عتادًا عسكريًا هامًا إلى الجبهة الشمالية بعد تنفيذ حزب الله لعملية "أفيفيم"، إلا أن هذه الخطوة بدت أقرب إلى محاولة طمأنة فاشلة للمستوطنين، بعد أن أثار مشهد انسحاب الجنود من أقرب ثكنة عسكرية إلى الحدود مع لبنان حالة من الهلع في "أفيفيم" والمستوطنة المجاورة، حيث بات المستوطنون في مرمى نيران حزب الله بشكل مباشر.
ومن الأمور اللافتة المؤثرة في ميزان الردع الذي تتحدث إسرائيل عنه دومًا هو أن تقديرات شعبة الإستخبارات العسكرية توقعت بالفعل أن يكون الرد في الأسبوع الذي حصل فيه، ومع ذلك لم تمنع كل الإستعدادات الهجوم.
في عناصر "الردع" أيضًا، أن الجيش الإسرائيلي ينتقل إلى مرحلة استدعاء الإحتياط عند عدم "ارتداع" الخصم، بهدف إعادة شحن "بطارية" الردع.
لكن هذه الخطوة، وإن حصلت بشكل محدود، لم تكن ملحوظة في الإعلام، ذلك أنّ إسرائيل نفسها لا تريد الذهاب إلى حرب واسعة غير محسومة.
وقد أشار الخبير في شؤون لبنان وسوريا البروفسور "إيال زيسر" إلى هذه الحقيقة في معرض تعليقه على عملية حزب الله بعد دقائق قليلة من تنفيذها، في وقت كان الإعلام العربي والعالمي يتلمّس إشارات تدحرج الأحداث، فأعلن في مداخلة تلفزيونية على إحدى الفضائيات العربية إن "إسرائيل لا تريد الحرب" شارحًا أسباب ذلك بشكل منطقي.
وهذه المسألة نفسها دليل تخلخل الردع الإسرائيلي الذي قام بنيانه مع إعلان "دولة إسرائيل" على فكرة المبادرة والذهاب إلى أرض العدو، بدل إنتظاره ليأتي هو إليها.
وهنا جوهر المشكلة الراهنة بالنسبة لتل أبيب: يستمد حزب الله قوته من قدرته الصاروخية التي لا تستطيع "إسرائيل" التعامل معها مهما حاولت من إبتكار وسائل ومنظومات دفاعية. وهذا الأمر يفسرّ سبب كل الصراخ الإسرائيلي حول مصانع صواريخ مزعومة هنا وهناك. وكلما اكتشفت "إسرائيل" جديدًا عن قدرة حزب الله الصاروخية، كلما ارتفع صراخها.
الميادين