السعودية والإمارات على شفا الطلاق في اليمن

السعودية والإمارات على شفا الطلاق في اليمن

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١ سبتمبر ٢٠١٩

كل ما يُعلن عنه من اتفاقات في الإعلام بين السعودية والإمارات، يكذّبه الميدان خلال أيام قليلة فقط، وكل الأخبار المتداولة حول أن السعودية والإمارات تعملان في اليمن على قلب رجل واحد، لا يصدقها سوى كل ساذج، لأن الخلاف المتفاقم بينهما واضح وغير خفي على أحد. الخلاف بينهما يبرز في جنوب اليمن أكثر منه في الشمال على اعتبار أنهم عاجزون عن اختراق جماعة "أنصار الله" أو العبث معها، لأن نقاطهم الحساسة داخل اليمن وخارجه ستكون بخطر، وهم جرّبوا هذا الأمر مراراً والسعودية لديها خبرة أكثر من الإمارات في هذا الموضوع. بكل الأحوال الأخبار الأخيرة التي رافقت انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة اليمنية التي تسمّى "الشرعية"، أي انقلاب الإمارات على السعودية على اعتبار أن كلّاً منهما يدعم طرفاً منفصلاً عن الآخر، هذه الأخبار سرعان ما حاولت الإمارات بدهاء سياسي امتصاصها وإخراج بيان يعبّر عن وحدة الصف مع السعودية وأنهما متفقتان على كل شيء وخاصة دعم اليمن على جميع المستويات، إلا أن هذا الاتفاق وهذا البيان لم يصمد أكثر من أسبوعين، لتنقلب السعودية مؤخراً على الإمارات من خلال دعم "الشرعية"، لأجل استعادة المناطق التي حاولت قوات الانتقالي المدعومة إماراتياً السيطرة عليها خلال الأيام الماضية. وبالفعل تحرّكت القوات المدعومة سعودياً لتبدأ السيطرة على مدينة شبوة مروراً بمحافظة أبين التي ينحدر منها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ثم التوجّه نحو العاصمة المؤقتة عدن والتمدد إلى محافظة لحج جنوباً. هناك أسباب كثيرة قد تكون خلف التحرك السعودي، نلخصها بالتالي: أولاً: المراقب للوضع في اليمن يجد أن هناك صراعاً وخلافاً واضحاً بين الإمارات والسعودية، بسبب خلاف الأجندات بين الطرفين، ولفترة طويلة كان هذا الخلاف ضمنياً وغير معلن وسهل التستر عليه، لكن تطوّر الأحداث في اليمن وقوة "أنصار الله" المتصاعدة والفضائح والجرائم الإنسانية التي خلّفها التحالف في اليمن وخوف الإمارات من الخروج من اليمن بخفي حنين، كل ذلك دفع الإمارات للانقلاب على حليفتها السعودية علناً في جنوب اليمن، وهذا ما أثار غضب حكام السعودية لاسيما الملك سلمان بن عبد العزيز، إذ قالت مصادر مطلعة لرويترز إن الملك سلمان خطا هذا الشهر في قصره بمكة خطوة غير مألوفة، فأبدى "انزعاجه الشديد" من الإمارات، أقرب الشركاء العرب للسعودية. الإمارات حاولت المضي قدماً دون السعودية، لكن براغماتية الإماراتيين دفعتهم للتهدئة مع الرياض من جديد، ونعتقد بأن استعادة السعودية السيطرة على مناطق خسرتها في الجنوب كان بتنسيق مع الإماراتيين، لحفظ ماء وجه السعودية في هذه الحرب العديمة الجدوى. ثانياً: مصير السعودية في اليمن مرتبط بـ "الشرعية" والقضاء على قوات عبد ربه منصور هادي المدعوم سعودياً، يعني إنهاء الوجود السعودي في اليمن، وهذا الأمر سيكون خطيراً بالنسبة للسعودية، أمام شعبها وجنودها والمجتمع الدولي والعالم بأسره، كيف يمكن لدولة مثل السعودية أن تبدأ حرباً على دولة فقيرة وتدمّر بنيتها التحتية وتخسر مليارات الدولارات في هذه الحرب، ومن ثم تخرج منها دون الحصول على أي امتياز، هذا السؤال برسم حكّام الإمارات. ثالثاً: إذا سمحت السعودية للقوات المدعومة إماراتياً بالسيطرة على المناطق الجنوبية، لاسيما محافظة شبوة، الخاصر الشرقية للأمن القومي السعودي، سيكون أمن السعودية على كفّ عفريت، ولا أحد سيستطيع ضمان حدود السعودية لأن من تدعمهم الإمارات قد يوجّهون للعبث بأمن السعودية في أي لحظة تشعر فيها الإمارات بالخطر، وستكون ورقة ضغط بيد الإمارات، وبالتالي ستضعف موقف السعودية. رابعاً: سيطرة المجلس الانتقالي على الجنوب أظهرت السعودية أنها هشّة أمام حلفاء الإمارات وهذا ليس جيداً بالنسبة لها أمام "أنصار الله " لأن خروجها من الجنوب يعني فشلها في حرب اليمن، وإعلان هذا الأمر صراحة سيقوّض السياسة الخارجية السعودية. يبدو أن الإمارات اكتشفت ضعف السعودية في اليمن، وعرفت أن ما تقوم به الرياض في اليمن غير مجدٍ وليس له أفق، لذلك قررت الإمارات التحوّل لخدمة مصالح وطنية أضيق، وإظهار نفسها في صورة الشريك الأكثر نضجاً الذي بمقدوره تحقيق استقرار المنطقة حتى إذا كان المغزى من وراء ذلك تقليص الخسائر والمضي قدماً من دون الرياض، وهو ما حدث مع الانفصاليين في الجنوب. ظهرت رغبة الإمارات في الانفصال عن السعودية من خلال الانقلاب على حلفائها في الجنوب، ومن خلال تصريحات المسؤولين في المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، ومنهم نائب رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي هاني بن بريك الذي تحدّى السعودية علناً، ورفض الانصياع لدعوات التحالف بتسليم المقرات الحكومية، بل أهانها من خلال حديثه عن صمود "أنصار الله"، وهو ما فعله أيضاً بالمقابل عدد من الشخصيات الإماراتية التي أساءت للسعودية في الإعلام. ولعل ما يعزز حقيقة تغير موقف السعودية هو ما كشفه وزير النقل اليمني صالح الجبواني مؤخراً عندما قال إن السعودية كانت تصل إليها المعلومات عن الجنوب من خلال التقارير الاستخباراتية الإماراتية الكاذبة، وذكر أن السعودية حالياً أصبح لديها قنواتها المباشرة بالاتصال ورؤيتها الخاصة فيما يتعلق بأحداث الجنوب. يذكر أن السعودية تدخّلت في اليمن، في مارس/آذار من عام 2015، لإعادة حكومة هادي إلى السلطة، ومنع أنصار الله من الاستيلاء على المزيد من المناطق الاستراتيجية، لكنَّ الإمارات لم تبدأ إرسال قواتٍ ومعدات إلى اليمن إلَّا في يونيو/حزيران من العام نفسه، بسبب اهتمامها بميناء عدن. يمكن القول إنَّ دعم الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي يُعرِّض شراكتها مع السعودية للخطر، إذ تُقدِّم السعودية والإمارات نفسيهما على أنَّهما جبهةٌ موحَّدة، لكنَّ هادي الذي يقيم في الرياض والمدعوم منها يضغط على الإمارات من منفاه في الرياض، كي تُظهر صدق التزامها بأهداف التحالف العربي في اليمن، إذ ألقى الرئيس اليمني باللوم على الإمارات في استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، وطالب بإخراج الإمارات من التحالف، وردّاً على ذلك، ذهب مسؤول أمني سابق في الإمارات بعيداً، بالإشارة إلى إمكانية اغتيال هادي.