«هيئة الحوار» في الجزائر ترفض «المرحلة التأسيسية»: الانتخابات الرئاسية أولاً

«هيئة الحوار» في الجزائر ترفض «المرحلة التأسيسية»: الانتخابات الرئاسية أولاً

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٩ أغسطس ٢٠١٩

استبعدت «هيئة الحوار والوساطة»، المُشكَّلة حديثاً في الجزائر، خيار الذهاب إلى مسار تأسيسي، ووضعت مسألة تعديل الدستور ضمن مهمّات الرئيس المنتخب المقبل. وتتماهى هذه المقاربة مع ما تطرحه الرئاسة والمؤسسة العسكرية، في حين تنقسم المعارضة بشكل واضح حولها، إذ يرفض جزء منها الانتخابات في هذه الظروف
 في أول مواجهة لها مع الإعلام أمس، رسمت «هيئة الحوار والوساطة» المجال الذي ستتحرك فيه لإيجاد حلّ للأزمة السياسية المستفحلة في البلاد منذ أكثر من 5 أشهر. وترى الهيئة، التي يقودها رئيس البرلمان السابق كريم يونس، أن جلسات الحوار ينبغي أن تقتصر على كيفية ضمان انتخابات رئاسية نزيهة، وتأجيل كل الإصلاحات الأخرى إلى ما بعدها، وذلك في ردّ على دعاة المرحلة التأسيسية الذين يطالبون بإعادة النظر في الدستور والقوانين قبل الذهاب إلى الرئاسيات. وهاجم رئيس اللجنة السياسية في «هيئة الحوار»، عمار بلحيمر، الداعين إلى مرحلة تأسيسية، وطلب منهم الاستلهام من التجربة الليبية التي انتهت إلى انهيار الدولة بعد سنة 2011، وهو الطرح نفسه الذي ذهبت إليه العضو الآخر في «الهيئة»، فتيحة بن عبو، التي قالت إن المرحلة التأسيسية تنطوي على مخاطر كبرى، وستؤدي إلى تهديم مؤسسات الدولة، مقترحةً أن يعمل الرئيس المقبل على فتح ملف الدستور والتأسيس لمرحلة جديدة.
وتنسجم هذه الرؤية مع ما ظلّ رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، يدعو إليه في الأشهر السابقة. إذ بالنسبة إليه، لا مجال لـ«مرحلة انتقالية» أو «مجلس تأسيسي»، وكل ما يجب اليوم فعله هو تنظيم الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن من أجل عودة الوضع السياسي إلى طبيعته. كذلك، تمسك رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، في مبادرته للحوار التي انبثقت عنها هذه الهيئة، بحصر كل النقاشات في آليات تنظيم انتخابات رئاسية شفافة. وأظهر قايد صالح، في خطابه أمس، حماسةً لعمل «هيئة الحوار والوساطة»، بعدما وجّه لها في كلمته السابقة انتقادات لاذعة جراء اشتراطها تنفيذ بعض إجراءات التهدئة للشروع في عملها، في حين هاجم الرافضين للحوار بالصيغة المطروحة حالياً، واتهمهم بالارتباط بـ«العصابة»، وهو مصطلح بات يطلقه قائد الجيش على محيط الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وشقيقه. وبحسب قايد صالح، فإن هناك أطرافاً تصرّ على رفض كل المبادرات المُقدَّمة، وتتبنى «شعارات مغرضة ونداءات مشبوهة، تستهدف التقليل من أهمية ما تحقق»، وتتشبث بـ«مطالب غير معقولة تجاوزتها الأحداث».
لكن «هيئة الحوار»، على الرغم من آمال السلطة المعلّقة عليها، تبقى تفتقد الثقة اللازمة داخل الحراك الشعبي، والمعارضة المنظَّمة بمختلف أطيافها. ويعود السبب في ذلك، وفق مراقبين، إلى انطلاقتها المتعثرة؛ إذ تم الإعلان عنها بشكل مفاجئ، ما أعطى الانطباع بأن السلطة تريد فرضها من دون أي استشارة مسبقة، وولّد رفضاً آلياً لها لدى البعض أدى إلى انسحاب عضوين منها، في حين كشفت شخصيات أخرى تم الاتصال بها للالتحاق بـ«الهيئة» عن ملابسات غامضة في طريقة تشكيلها والصلاحيات المخوّلة لها، ما ضعّف صدقيتها لدى الرأي العام. وينطلق آخرون، في رفضهم لـ«هيئة الحوار»، وخصوصاً من أحزاب التيار الوطني والإسلامي، من ضعف تشكيلتها المكونة من بعض الأسماء المغمورة، وضمّها شخصيات محسوبة على نظام الرئيس السابق، على غرار القانوني بوزيد لزهاري، الذي عمل على تفصيل كل دساتير بوتفليقة السابقة. وعلى رغم محاولة «الهيئة» الاستدراك، بدعوة بعض الشخصيات للانضمام إليها، مثل رئيس الحكومة في بداية التسعينيات مولود حمروش، ووزير الخارجية سابقاً أحمد طالب الإبراهيمي، وهما اسمان يتم تداولهما باستمرار في الحراك الشعبي، إلا أنها فشلت في الأمر بعدما جاء جوابهما بالرفض.
وما زاد من متاعب هيئة كريم يونس، رفض السلطة التجاوب مع إجراءات التهدئة التي طلبتها، وفي مقدمها إطلاق سجناء الرأي والمعتقلين من حاملي الراية الأمازيغية، وإصرارها على غلق الإعلام الحكومي في وجه المعارضة، والتشبث بالحكومة على رغم رفضها شعبياً. واللافت أن رئيس الدولة أبدى، في البداية، بعض الليونة إزاء تلك المطالب ووعد ببحثها، إلا أن قائد الجيش خرج بعده في خطاب حادّ قال فيه إنه يرفض تماماً أسلوب «الإملاءات»، والتدخل في عمل العدالة بخصوص سجناء الرأي الذين قال إنه لا وجود لهم. وتواجه هيئة كريم يونس، الذي اشتُهر برفض مساندة الولاية الثانية للرئيس بوتفليقة، المعارضة الأكبر من تكتل «البديل الديموقراطي» الذي يضمّ أحزاب التيار الديموقراطي واليسار التقدمي. ويرفض هذا التيار الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية بالدستور والقوانين الحالية؛ كونها ستؤدي إلى إعادة تدوير النظام وتجديد واجهته المدنية في الحكم فقط، وهو ما يعتبره التفافاً على مطالب الحراك الشعبي. ويدعو التكتل، الذي يُحضّر لندوة وطنية خاصة به نهاية الشهر الجاري، إلى مسار تأسيسي، يتم فيه تعديل الدستور الحالي الذي يعطي صلاحيات واسعة للرئيس، وهو ما يهدد بظهور «بوتفليقة جديد»، بحسبه.
ويتوقف السيناريو الذي سيتم تطبيقه، وفق العديد من التحاليل، على هوية الكفّة التي سترجح في ميزان القوى في الأخير. وهو أمر مرتبط بمدى استمرار الحراك الشعبي وقدرته على دفع السلطة إلى مزيد من التنازل، والاستجابة لمطالبه التي تتضمن في مجملها رفضاً لإجراء الانتخابات في ظلّ السلطة الحالية.