ليبيا ..معركة طرابلس تدخل شهرها الخامس: لا حلول في الأفق

ليبيا ..معركة طرابلس تدخل شهرها الخامس: لا حلول في الأفق

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٥ أغسطس ٢٠١٩

تدخل الحرب في ليبيا، اليوم، شهرها الخامس، فيما تطلق قوات المشير خليفة حفتر هجوماً للسيطرة على العاصمة، وتتوسّع المعارك تدريجياً لتبلغ مدناً أخرى، بدعم من قوى إقليمية وتواطؤ دولي يصعّب الوصول إلى حلّ
في الرابع من نيسان/ أبريل الفائت، أطلقت قوات المشير خليفة حفتر هجوماً على العاصمة طرابلس، وذلك بعدما شنّت حملة ناجحة سيطرت خلالها على أغلب مدن جنوب غرب البلاد. ولتحقيق نتائج سريعة، اعتمدت قوات حفتر مقاربة طوّرتها عبر خبرتها في القتال في مناطق ليبية أخرى، تقوم على محاولة استقطاب أكبر عدد ممكن من الفاعلين عبر الإغراء، وتحييد آخرين عبر التهديد، ثمّ شنّ عمليات دقيقة ومحدودة تقضي على من تبقى من أعدائها. هذه المقاربة حققت نجاحات في البداية. إذ إن قوات تتبع حفتر كانت، يوم إطلاق الهجوم، متمركزة في مدينتَي ترهونة وغريان جنوبي العاصمة، ومدينتي صرمان وصبراتة غربيها. بعض هذه القوات التحقت بالعملية لأسباب أيديولوجية (مجموعات سلفية مدخلية)، لكن الغالبية ارتبطت دوافعها إلى الالتحاق بتحقيق فوائد سياسية ومادية مستقبلاً. حينها، بدا أن دخول القوات المهاجمة إلى العاصمة مسألة وقت لا أكثر، لكن سرعان ما بدأ الوضع في التغير.
في قراءة خلفية المتغيرات التي منعت سقوط العاصمة، يظهر أن بعث مسؤولي حكومة «الوفاق»، المسيطرة على طرابلس، رسائل طمأنة إلى الميليشيات الموجودة في المنطقة، أدى إلى قيام تحالف واسع ذي أسس مناطقية (الدفاع عن طرابلس الكبرى والمنطقة الغربية)، وسياسية (رفض مشروع حفتر لـ«عسكرة الدولة»)، وذلك بعد أشهر من الخلافات، وتوعّد الحكومة (الوفاق) باستهداف التشكيلات العسكرية «غير النظامية». كذلك، كان أحد أهم عوامل نجاح التعبئة التي أطلقتها «الوفاق» هو ثبات قيادات المنطقتين العسكريتين الوسطى والغربية أمام الإغراءات التي قدّمتها لعناصرهما قوات حفتر. ويقود هاتين المنطقتين اللواء محمد الحداد المتحدّر من مدينة مصراتة، واللواء أسامة جويلي من الزنتان، والمدينتان المذكورتان تشكلان ركيزتَي «صمود» حكومة «الوفاق» (على رغم وجود أنصار لحفتر في الزنتان). خلال أيام، جرت عملية الحشد العسكري في مصراتة والزنتان، حيث شكّل المتطوعون الذين شاركوا في موجات الحرب السابقة عمودها الفقري، وقد كان من آثارها المباشرة عزل المدينتين عن مناطق سيطرة قوات حفتر في جنوب العاصمة، وخلق نقاط تركيز استنفدت الكثير من الجهد العسكري.
خطة حكومة «الوفاق» لإحباط الهجوم شملت تكتيكاً مشابهاً لتكتيك قوات حفتر، من حيث تقديم الإغراءات. إذ تحركت مؤسسات الحكومة، وأعلنت عن برامج تعويض لأهالي مدينة بني وليد عن خسائرهم خلال فترة إسقاط نظام معمر القذافي وهجمات تالية تعرضوا لها، ووعدت أهالي سرت بتعويض خسائرهم أثناء القتال ضد تنظيم «داعش» عام 2016، وقد ساهم ذلك في «تحصين» المدينتين إلى حدّ كبير. وبعد تحقيق نجاحات على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وإطلاق عملية حشد عسكري لم تشهدها المنطقة الغربية منذ عام 2011، بقي أمام «الوفاق» التحدي الأكبر، وهو رفع قدراتها التسليحية، وخصوصاً لناحية مواجهة الطيران المسيّر الذي تمتلكه قوات حفتر، والذي وفّرته لها الإمارات، ليأتي من بعده الدعم اللوجستي والتسليحي من مصر وفرنسا.
لم يكن أمام «الوفاق» خيارات كثيرة للحصول على دعم من الخارج، والداعم الوحيد الذي أعلن استعداده لخوض المعركة إلى جانبها هو تركيا. حتى الآن، أرسلت أنقرة عشرات العربات المدرعة والطائرات المسيّرة وشحنات الذخائر، إضافة إلى مستشارين ومدربين عسكريين. وفّر هذا الدعم نوعاً من التوازن في القدرات بين طرفي القتال، وأدى إلى حصول تغيرات ميدانية مهمة، من ضمنها استرجاع «الوفاق» مدينة غريان الجبلية عبر سلسلة من المناورات السياسية والعسكرية، كان فيها للطيران التركي المسيّر دور حاسم. وقد مثّل استرجاع غريان ضربة لقوات حفتر، التي غادرت المدينة على عجل، تاركةً وراءها غرفة عملياتها المتحركة وشحنات من الذخائر (بعضها كشف وجود دعم فرنسي) وعشرات الأسرى. وفي الأسابيع الأخيرة، اكتسب الطيران المسيّر أهمية متزايدة لدى الطرفين، حيث صار التركيز منصبّاً على ضرب خطوط الإمداد والقواعد الخلفية، كما أدخل هذا الطيران مدناً جديدة ضمن بنك الأهداف، وصار وسيلة لتوجيه الرسائل. وفي نهاية الشهر الماضي، شنّ الطيران المسيّر التابع لـ«الوفاق» هجوماً على قاعدة الجفرة الجوية وسط البلاد، ردّت عليه قوات حفتر بقصف مطار الكلية الجوية في مدينة مصراتة، التي لم تتعرض لهجوم من هذا النوع منذ عام 2015.
هذه الجولة من الحرب أدّت إلى دمار كبير في الأطراف الجنوبية للعاصمة، لكنها صارت تتركز على عمليات استهداف دقيق لمراكز حيوية أكثر من تركيزها على القوة النارية في الجبهات المباشرة. ويعود ذلك إلى وجود الطيران المسيّر، إضافة إلى تذمّر المقاتلين من ارتفاع عدد الضحايا من الجانبين، وآثاره على عمليات التجنيد والحشد. ومن مميزات الجولة الأخيرة أيضاً، العجز الدولي عن وضع حدّ للاقتتال أو حتى ترتيب هدنة قصيرة. وقد قوبلت بالتجاهل دعوة المبعوث الأممي، غسان سلامة، إلى هدنة يوم عيد الأضحى، بسبب إصرار اللاعبين الإقليميين على حسم المعركة وبذل جهود دولية في هذا الصدد، بالإضافة الى رفض العسكريين من الطرفين إظهار أي إشارة ضعف أو انكسار. وكانت الولايات المتحدة قد رفضت مشروع قرار بريطاني يدعو إلى إيقاف القتال فقط، فيما عطّلت روسيا وفرنسا سابقاً مشاريع مماثلة في مجلس الأمن. أما الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، فتتولّى مصر تعطيل أيّ تحركات في أروقتهما، قد تفضي إلى تخفيف شدة القتال أو إيقافه.