السودان..«الانقلاب الخامس»: على طريق تصفية الإسلاميين

السودان..«الانقلاب الخامس»: على طريق تصفية الإسلاميين

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٦ يوليو ٢٠١٩

أثار إعلان المجلس العسكري السوداني الأخير إحباط «محاولة انقلابية» خامسة في البلاد انقساماً في الشارع بين التصديق والتكذيب. وعلى رغم أن المجلس حاول إسباغ إعلانه بطابع الخطورة، إلا أن ذلك لم يمنع مراقبين من الذهاب إلى اعتبار إجراءاته الأخيرة خطوة إضافية على طريق «التطهير» الذي يستهدف الإسلاميين خصوصاً
مشادّة كلامية بين قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، المُلقّب بـ«حميدتي»، وقائد سلاح المدرعات، نصر الدين عبد الفتاح، انبرى خلالها الأخير للدفاع عن الجيش كمؤسسة عريقة، كانت كفيلة بالزجّ بوجوه النظام القديم من الإسلاميين في السجن، في أكبر حملة اعتقالات تطاول منسوبي «حزب المؤتمر الوطني» و«الحركة الإسلامية» منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع، عمر حسن البشير. ولتبرير حملة الاعتقالات الواسعة هذه، كان لا بد من الربط بين المعتقلين ومحاولة انقلابية مفترضة أعلنت عنها القوات المسلحة أول من أمس، لتكون الخامسة من نوعها منذ الـ 11 من نيسان/ أبريل الماضي (تاريخ سقوط البشير). وبحسب بيان القوات المسلحة، فإن مدبّر تلك المحاولة هو صاحب أعلى رتبة عسكرية في الجيش، أي رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب، المعروف بميوله الإسلامية. كما أن من بين الذين شاركوا فيها عدداً من ضباط القوات المسلحة وجهاز الأمن برتب رفيعة، إلى جانب قيادات من «الحركة الإسلامية» وحزب «المؤتمر الوطني»، تم التحفظ عليهم جميعاً وجارٍ التحقيق معهم توطئة لمحاكمتهم.
وعلى رغم أن البيان حاول إضفاء نوع من الخطورة على المحاولة المفترضة الجديدة، عبر القول إنها كانت تتهدّد بـ«عودة نظام المؤتمر الوطني البائد للحكم، وقطع الطريق أمام الحل السياسي وتأسيس الدولة المدنية»، إلا أن جزءاً كبيراً من الشارع السوداني استقبل الإعلان بالتكذيب والسخرية من كثرة المحاولات الانقلابية التي أعلن عنها المجلس العسكري منذ تولّيه زمام الأمور في البلاد. لكن حملة الاعتقالات الواسعة التي رافقت الإعلان الأخير، والتي طاولت إلى جانب ضباط في الجيش والأمن والمخابرات، قادة إسلاميين؛ أبرزهم الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» الزبير أحمد الحسن، ووزير الخارجية الأسبق علي كرتي، ونائب الرئيس الأسبق بكري حسن صالح، جعلت جزءاً آخر ينظر بعين الصدق إلى رواية «العسكري».
عن هذه الرواية، يقول مصدر عسكري فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ«الأخبار»، إن «المحاولة الانقلابية» كانت ارتداداً للمشادة الكلامية التي وقعت بين «حميدتي» وعبد الفتاح، والتي قرر على إثرها رئيس المجلس العسكري، عبد الفتاح البرهان ونائبه إنهاء خدمة قائد سلاح المدرعات. وبحسب المصدر، فقد تم استدعاء عبد المطلب الذي تربطه علاقة صداقة وزمالة مع عبد الفتاح (إذ ينتمي كلاهما إلى سلاح المدرعات)، لإبلاغه بالقرار ووجوب تنفيذه. لكن رئيس هيئة الأركان ماطل في التنفيذ، إلى حين اجتماع هيئة القيادة والأركان حيث تم طرح القضية للنقاش، وفيه رأت هيئة القيادة أنها وحدها التي تقرر إنهاء خدمة أحد الضباط من عدمه وليس المجلس العسكري. وهنا، حدث انشقاق في الرأي بين معارض لإنهاء خدمة رتبة كبيرة في الجيش لمجرد تحقيق رغبة «حميدتي»، وبين مؤيد لها. ووفق رواية المصدر، خرج رئيس هيئة الأركان المشتركة بعد هذا الاجتماع «العاصف» إلى مكتبه، وهناك أجرى اتصالات تم رصدها وتسجيلها من قِبَل المجلس العسكري، طلب خلالها إلى رموز النظام القديم ككرتي والحسن «ضرورة الإسراع في تنفيذ انقلاب» يطيح المجلس الذي أصبح يأتمر بأوامر «الدعم السريع». وأشار المصدر إلى أنه «تمت مواجهة رئيس الأركان بتسجيلات المكالمات الهاتفية، وبعدها تم التحفظ عليه».
في مقابل تلك الرواية، وتأسيساً على حقيقة أن الضباط الذين تم اعتقالهم أخيراً، يجمعهم، إلى جانب الخلفية الإسلامية، رفضهم تمدد قوات «الدعم السريع» وسيطرتها على الوضع في البلاد، إلى حدّ تمركزها عند مداخل القيادة العامة للقوات المسلحة، وقيادات الأسلحة في الولايات المختلفة، يذهب محللون إلى الاعتقاد بأن ربط المحاولة الانقلابية المفترضة بالإسلاميين إنما هو مخطط سعودي ــــ إماراتي يستهدف التخلص منهم إلى الأبد، وتثبيت المجلس العسكري في السلطة خلال الفترة المقبلة. واللافت، في هذا الإطار، أن حملة الاعتقالات لم تَطاول أياً من الذين تجمعهم مصالح مع دولة الإمارات، علماً بأن عدداً كبيراً من وجوه النظام القديم لديهم استثمارات ضخمة في هذه الدولة. وبوضع رموز «الإنقاذ» رهن الاعتقال والتحقيق، يضع قائد «الدعم السريع» نفسه في مواجهة مباشرة مع الإسلاميين، الذين كانوا سبباً مباشراً في إنشاء قواته في يوم من الأيام. وعلى الرغم من أن اعتقال هؤلاء ظلّ مطلب الشارع منذ سقوط نظام البشير، إلا أن تلك الإجراءات لم تزد من أسهم المجلس العسكري ولا رَجُله القوي «حميدتي» لدى الشارع، الذي لم يغفر له ارتكاب مجزرة القيادة العامة في الثالث من حزيران/ يونيو الماضي.
ويخشى متابعون من أن تكون حملة «تنظيف» الجيش من الإسلاميين خطوة على طريق حلّ مؤسسة الجيش السوداني، وإحلال ميليشيا «الدعم السريع» محلّها. ويعزز تلك المخاوف تعيين اللواء شكرت الله، المعروف بولائه لقائد «الدعم السريع»، قائداً لسلاح المدرعات، علماً بأنه أول قائد عسكري قام بتدريب «الجنجويد». وشهدت العاصمة الخرطوم، أمس، انتشاراً كثيفاً لقوات «الدعم السريع»، في وقت أفيد فيه عن سيطرتها على مقار وحدة العمليات في جهاز الأمن الوطني.