حرب حفتر على «الإسلاميين»: ميليشيات طرابلس رأس حربة «الوفاق»

حرب حفتر على «الإسلاميين»: ميليشيات طرابلس رأس حربة «الوفاق»

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٠ يوليو ٢٠١٩

عام 1911، وفوق مجموعة من المزارع الصغيرة في طرابلس، انحنى طيار إيطالي يدعى جوليو غافوتي خارج طائرته، وألقى قنبلة صغيرة فوق جنود أتراك. كان ذلك أول استعمال مسجل لطائرة كسلاح حربي. اليوم، يواجه رجال الميليشيات الليبيون المدافعون عن العاصمة تهديداً أكثر فتكاً قادماً من السماء: طائرات مسيَّرة تُطلق قنابل دقيقة. يقال إن الطائرات المسيرة قُدمت من الإمارات، التي تمثل «متطفلاً معهوداً» في ليبيا ما بعد الثورة، إلى الميليشيات التي يقودها جنرال متمرد يدعى خليفة حفتر.
 
كان حفتر ضابط جيش أثناء حكم معمر القذافي، ثم صار متعاوناً مع الـ«سي آي إي»، وأقام شمال فرجينيا لعقدين، وهو يراكم الآن الدعم الدولي ويوسع مجال سيطرته على رأس «الجيش الوطني الليبي» المنصب ذاتياً، زاعماً أن البلاد غير مستعدة للديموقراطية. يَعد حفتر بفرض النظام عبر تأسيس حكم سلطوي، هو أيضاً عدو مكرس للإسلاميين، وقد قال لي عند لقائه عام 2014، إنه توجد ثلاثة خيارات أمامهم: «أن يقتلوا، أو يسجنوا، أو يغادروا البلاد».
حين أطلق هجومه على حكومة «الوفاق الوطني» في الرابع من نيسان/ أبريل هذا العام، أعلن حفتر أنه «يُطهّر» المدينة من الميليشيات الفاسدة والإسلاميين. تُمثل هذه التعهدات غطاءً رفيعاً للاستيلاء على السلطة، وقد سمى مبعوث الأمم المتحدة التحرك «انقلاباً». على أي حال، يشمل «جيش حفتر» عدداً من الميليشيات القبلية والسلفية الغارقة أيضاً في الفساد. وبعد أيام على الحرب، تلقى حفتر مكالمة شخصية من الرئيس دونالد ترامب الذي أثنى على «رؤيته» لليبيا (في 15 نيسان/ أبريل). ورغم أن الولايات المتحدة دعمت حكومة «الوفاق»، إلا أن حفتر تمتع طويلاً بدعم عسكري من نظامين مستبدَّين مفضلين لدى ترامب: مصر والإمارات، وكذلك من فرنسا وروسيا. وقد عوّل داعمو حفتر الدوليون على دخول «سريع ودموي» إلى العاصمة، لكن ذلك لم يحدث، في حين أظهرت الميليشيات الطرابلسية التي أمل أن تنضم إلى جانبه مقاومةً شرسة.
أوقف معارضو حفتر «غزوه» وهم واثقون بقدرتهم على دفعه خارج غرب ليبيا. لكن الميليشيات المختلفة في الجبهة، موالية اسمياً فقط للحكومة المركزية الضعيفة، على رغم أنها تدفع لبعضها البعض بشكل جيد مقابل القتال. وفي حال هُزم حفتر، يمكن أن ينشب صراع حول السلطة بين المنتصرين.
في إحدى أمسيات الشهر الماضي، التحقتُ بمجموعة من رجال الميليشيات المعادين لحفتر في أطراف طرابلس. فوق سطح فيلا مدمرة، أخذ شاب طويل ونحيل يراقب الجبهة عبر منظار ليلي. كان الهواء مثقلاً برائحة غلال حلوة وفاسدة. وكانت قوات حفتر على بعد ثلاثمئة متر، على الجانب الآخر من بستان زيتون يطوّقه شجر العرعر. وعلى يسارنا، كان يوجد وميض رصاص كاشف، وهدير رشاشات ثقيلة، وصوت سقوط القذائف. محتمياً وراء جدار خرساني، كان قائد السطح يستمع باهتمام إلى جهاز اتصال سرقه من قوات حفتر.
«صفر ــــ اثنان، صفر ــــ أربعة. توجد جثث في التايغر!».
«صفر ــــ أربعة. أخرجهم من هناك!»
«لا أستطيع، لا أستطيع، يوجد رصاص كثيف!».
«التايغر» هي ناقلة جند مصفحة، أرسلها الإماراتيون، ودمرها مقاتلو حكومة «الوفاق». كان بإمكاننا رؤية بقاياها المشتعلة وراء السياج. ظن مقاتلو حفتر أنها أصيبت بصاروخ مضاد للدبابات، لكن مقاتلي حكومة «الوفاق» أمروا بالتراجع «لأننا سنستهدفها من الجو». وتُرجح درجة الدقة أن القصف تم بطائرة مسيرة يعتقد أنها من تركيا، وليس عبر طائرات «الوفاق» المهترئة.
قائد قوات الوفاق (في الموقع) يسمى محمد الضراط، لكنه ينشط بكنية «غلاو»، وهو مهندس دمث في آخر عقده الرابع، قابلتُه آخر مرة في صيف 2016، خلال حرب دامت سبعة أشهر ضد «داعش» في مدينة سرت وسط البلاد. يقول حفتر إنه يحارب إرهابيين في طرابلس، لكن «غلاو» ليس الميليشياوي الوحيد الموالي لحكومة «الوفاق» الذي حارب ضد التنظيم الإرهابي. أراني كثيرون جروح شظايا ورصاص خلّفتها المعركة. فقدَ بعض هؤلاء إخوة وأبناء عمومة. حينها، تمتع المقاتلون بغطاء جوي ومعلومات استخبارية من العسكريين الأميركيين العاملين في غرب ليبيا. لكن بعد فترة قصيرة من هجوم حفتر على العاصمة، غادر هؤلاء الأميركيون البلاد. وفي ذلك الوقت، اتصل ترامب بحفتر، وهو «أمر يقلقنا» كما قال لي «غلاو». وقال أيضاً إن الدفاع عن طرابلس أصعب من القتال ضد «داعش»، حيث «نحارب الآن ضد جيش وليس منظمة إرهابية»، مضيفاً: «لم نتوقع أن تستمر كل هذا الوقت».
فوجئتُ بأن الميليشيات التي تحارب حفتر متناسقة ومترابطة بشكل جيد، على رغم أن بعضها كان يتقاتل قبل أشهر قليلة. قابلت شاباً من طوارق أقصى جنوب ليبيا يحارب في ميليشيا مستقرة في طرابلس تحوي صفوفها مكوناً سلفياً كبيراً، وتسمى «قوة الردع الخاصة». يوجد مقاتلون من بنغازي، هجرهم حفتر في الأعوام الماضية، وتتملكهم رغبة في الانتقام. ويغطي هؤلاء وجوههم لأن لهم عائلات في الشرق، قد تتعرض بدورها للانتقام. يُقلق الأمازيغ (المعروفون شعبياً باسم البربر)، المنحدرون من الجبال الغربية، حول رؤية حفتر العربية الإقصائية، وقد قال لي أحد قادتهم العسكريين إن «أول ما يفعله أي ديكتاتور هو ملاحقة الأقليات». بعض المقاتلين قالوا لي إنهم يحاربون بدفع من الحس المدني من أجل «حماية الثورة» ومنع «عسكرة الدولة». يحارب البعض لمصلحتهم الخاصة. ويتصرف البعض الآخر مثل مافيات جشعة قسمت طرابلس إلى إقطاعيات. إحدى أكبر هذه المجموعات هي «كتيبة النواصي» المسماة تيمناً بمدرسة تعليم ركوب خيل في حي شرقي. صارت «النواصي» مقربة من قيادة حكومة «الوفاق»، وهي تحمي منشآتها. اتهمت الأمم المتحدة الكتيبة بابتزاز المال من «الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية»، لكنها أيضاً إحدى أهم المليشيات الموثوقة في حربها ضد حفتر. لا شك في أن الكتيبة ستسعى إلى تحقيق نفوذ أكبر بعد الحرب، لكن وزير الداخلية الإصلاحي، فتحي باشاغا، قال لي إنه لن يسمح بذلك: «لا تسامح فقط لأنك قاتلت حفتر».
لكن الميليشيات التي تثير أكبر المخاوف تنحدر من مسقط رأس باشاغا، مدينة مصراتة الساحلية، مركز القوة الاقتصادي والصناعي في ليبيا، التي تبعد مسافة قيادة ثلاث ساعات شرقي العاصمة. لقد دافعت الميليشيات عن المدينة ضد القذافي خلال حصار دام ثلاثة أشهر عام 2011، ووفرت أيضاً أغلب المقاتلين في المعركة ضد «داعش». الآن، عاد بعض هؤلاء إلى القتال ضد حفتر، وهم يدفعون ثمناً باهظاً: يبلغ عدد قتلى مصراتة نصف خسائر قوات «الوفاق». يخشى قادة ميليشيات أخرى أن مصراتة سوف «تستخلص فاتورة» هذه الخسائر في شكل تعيينات في الوزارات ونفاذ للمقرات المالية في العاصمة.
(فريديريك ويري، عن موقع «لندن ريفيو أوف بوكس»)