طهران ترفع جاهزيتها وواشنطن نحو «رد محسوب»

طهران ترفع جاهزيتها وواشنطن نحو «رد محسوب»

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢١ يونيو ٢٠١٩

من حرب الناقلات في البحر، إلى الجو هذه المرة، أتت المفاجأة مؤذِنةً بتوسّع الاشتباك على وقع التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وواضعة جميع الأطراف في المنطقة أمام حسابات أكثر تعقيداً وحساسية. لم تتردّد طهران، أمس، في تبني إسقاط الطائرة الأميركية بدون طيار، وبادر حرسها الثوري إلى إعلان الخبر وتحمّل المسؤولية، ونشر فيديو الهجوم لاحقاً، ما أحدث ارتباكاً في الولايات المتحدة بدأ مع نفي الخبر ومن ثم تأكيده، ولم ينته باجتماعات البيت الأبيض. التأمت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليقدّم «البنتاغون» بعد بحث مع مجلس الأمن القومي، مجموعة سيناريوات للرد على العملية الإيرانية، إذ نقلت قناة «الحرّة» الأميركية عن مسؤول في «البنتاغون» قوله: «قدّمنا عدّة سيناريوهات لردّ عسكري ضدّ إيران ومنشآتها، والقرار الآن بيد الرئيس». جاء ذلك بعدما أطلق ترامب تغريدته المقتضبة: «إيران ارتكبت خطأ فادحاً جداً». ذروة الارتباك الذي خيّم على إدارة ترامب، ظهرت أثناء لقاء الأخير مع ضيفه رئيس الوزراء الكندي، حين احتمل الرئيس الأميركي أن هذا «الخطأ» قد يكون عبارة عن ضربة من طريق الخطأ أو تصرّف فردي من شخص «غبي»! وهو تصريح فقد مضمونه سريعاً بعدما نشرت القوات الإيرانية فيديو لعملية إسقاط الطائرة بمنظومة الدفاع الجوي «3 خرداد» المحلية الصنع.
حتى ليل أمس، بقي الاهتمام منصبّاً على تفسير تصريحَي ترامب الملتبسين، وبينهما ردّه على سؤال الصحافيين: «ستعرفون قريباً»، لفهم احتمالات الرد وطبيعته، على حدث طاول الهيبة العسكرية الأميركية، وتسبّب برفع سعر النفط العالمي 4.35 %، و5.56 % في الولايات المتحدة. بدا ترامب في ورطة كون خياراته مرهونة بقراره عدم خوض الحرب، أولاً، ومن ثم صعوبة تحديد الرد تحت هذا السقف تحسباً للرد الإيراني على الرد، ثانياً، فضلاً عن التصريحات شبه اليومية الصادرة من مسؤولي البيت الأبيض الجازمة بأن أي استهداف للمصالح الأميركية في المنطقة سيتم الرد عليه. استهداف حصل أمس بالأمس، مطاوِلاً للمرة الأولى هدفاً أميركياً، وليس لأحد حلفاء واشنطن، وذلك على بعد ساعات فقط من حديث وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، حول «ردع» إيران. بالموازاة، لم يتكشف الكثير بعد عن طبيعة موقف الكونغرس والخيارات التي قدّمها في اجتماعات البيت الأبيض أمس، والتي سيكون لها الأثر البالغ في كيفية التعامل الأميركي. ووفق صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فإن تصريحات ترامب التي أرفقها بالقول «كان الأمر سيختلف كثيراً لو كانت الطائرة مأهولة»، تُعدّ بمثابة «مخرج» له من الأزمة. ويفسّر حجم الإرباك الأميركي ما نقلته الصحيفة نفسها، عن مصادر في «البنتاغون»، من أن الضربة شكّلت مفاجأة لبعض قادة وزارة الدفاع، حيث أن «RQ-4 Global Hawk» المسقطة (يقدّر ثمن هذه النسخة منها بـ 222.7 مليون دولار) طُوّرت في الأساس لتجنّب سلاح مثل المنظومة الإيرانية التي أسقطته.
وإذ تعلو أصوات رافضي الحرب في واشنطن من الحزبين، على المتحمّسين لها من صقور الإدارة كما ظهر في الكونغرس، ربما تكون النتيجة الأقرب للنقاشات الأميركية ما قاله زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، عقب لقائه ترامب أمس، من أن الإدارة «تعدّ ردوداً محسوبة»، بمعنى أنها لا تجرّ الأوضاع نحو الحرب.
حتى جلاء الموقف الأميركي، يتصرّف الإيرانيون على أساس أسوأ الاحتمالات، من خلال رفع جاهزيتهم في الداخل تحسّباً لأي رد فعل عسكري أو أمني. وهو ما أكده، أمس، قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، بالقول إن ما جرى «رسالة واضحة وقاطعة بأن المدافعين عن الوطن الإسلامي جاهزون للرد على كل عدوان أجنبي، وردنا سيكون قاطعاً وحازماً». وفي الخارج، جاهزية لحلفاء طهران، وكذلك للقوات الإيرانية في سوريا، حيث علمت «الأخبار» أن هذه القوات نفّذت استنفاراً في نطاق تواجدها في الشرق السوري تحسّباً لسيناريو اختيار الأميركيين الرد على أهداف خارج منطقة الخليج. رغم ذلك، أبقت المؤسستان العسكرية والسياسية على موقف أن إيران لا تريد الحرب. وفي هذا الإطار، أبلغت طهران، سويسرا، بصفتها ممثلة للمصالح الأميركية لديها، رسالة احتجاج على الخرق الأميركي. كذلك، بعثت الحكومة رسالة إلى الأمم المتحدة جاء فيها: «لا نريد دخول حرب، لكننا نحتفظ بحق الدفاع عن النفس ضد أي اعتداءات».
 
«خرداد 3» ليست الأحدث
للمرة الأولى منذ سنوات، تخضع الدفاعات الجوية الإيرانية الصنع لاختبار ميداني حقيقي. وعلى رغم أن منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، في أغلبها، نسخٌ معدّلة عن منظومات روسية، إلا أن الإيرانيين يؤكدون تطويرها وتحسين أدائها، بما يتناسب مع التهديدات والأهداف، مقابل التشكيك الغربي في قدرات الإنتاج الإيرانية. هذه المرة، كان الاختبار من نصيب منظومة «3 خرداد» الدفاعية الجوية التي أسقطت طائرة الاستطلاع الأميركية المسيّرة «RQ-4 Global Hawk». أزيح الستار عن «3 خرداد» في عام 2014، وهي نسخة معدّلة ومطوّرة من منظومة «بوك M2» الروسية. والمنظومة، كما تعرّف عنها القوات الإيرانية، تمتلك مميزات عدّة تجعلها قادرة على التعامل مع الأهداف المفاجئة والقريبة والمتوسطة، بشكل سريع وسهل عملياً. وهي قادرة على التصدّي للأهداف الجوية حتى ارتفاع 27 كم، وتبدأ التعامل مع الأهداف ابتداءً من بعد 75 كم، ويمكنها الاشتباك مع أربعة أهداف في الوقت نفسه. كما أن المنظومة مصمّمة في الأساس لاعتراض الطائرات و القاذفات و صواريخ «كروز» المجنّحة. ومن أبرز مميزاتها أنها تتحرك وتعمل منفردة، إذ إن الصواريخ ونظام الإطلاق والرادار والاتصالات، جميعها في مركبة واحدة متوسطة السرعة. تجدر الإشارة إلى أن «3 خرداد» ليست الأحدث، ولا الأكثر تطوراً في المنظومات الإيرانية، إذ منذ أيام قليلة فقط أُعلن عن منظومة دفاع جوي جديدة، سُمّيت «15 خرداد».