«محاولة انقلاب» بعد إقالات وتعيينات: قطار تصفية الإسلاميين انطلق في السودان

«محاولة انقلاب» بعد إقالات وتعيينات: قطار تصفية الإسلاميين انطلق في السودان

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٤ يونيو ٢٠١٩

يتجه «المجلس العسكري» نحو إقصاء الإسلاميين من أروقة السلطة، بذريعة محاولتهم تنفيذ انقلاب عسكري ضدّ حكمه المدعوم من الرياض وأبو ظبي والقاهرة، ما يشي بأن السودان دخل في صلب صراع المحاور، في ظلّ تهدئة مع الحراك الشعبي تدفع بها وساطة مدعومة أميركياً
بعد تهدئة مع تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير»، وتعليق العصيان المدني تمهيداً لجولة جديدة من المفاوضات في إطار وساطة إثيوبية مدعومة أميركياً، أعلن المجلس العسكري، أمس، رسمياً، إفشال مخطط «انقلاب عسكري»، بعد يوم من أنباء متضاربة حوله، وتوقيف عشرات الضباط من دون ذكر الأسباب. لكن بالنظر إلى الموقوفين وانتماءاتهم، تبدو «المحاولة الانقلابية» ذريعة لتصفية نفوذ الإسلاميين في المؤسسة العسكرية، وخصوصاً أن «الانقلاب» لم تسبقه مؤشرات كما في الانقلابات التاريخية في البلد، وجاء تتويجاً لقرارات وتعيينات وإحالات إلى التقاعد لضباط في الجيش وجهاز الأمن والمخابرات.
وعلى رغم تأكيد رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب أحمد بابكر، في بيان أمس، أن «هناك إجراءات قانونية وفق النظم واللوائح العسكرية وتحقيقات جارية حوله»، يبقى ما حدث أول من أمس مبهماً، بالنظر إلى الإعلان عنه عبر قناة سعودية أولاً، ثم نفيه تالياً، قبل تأكيده لاحقاً. وبحسب ضابط في الجيش السوداني، تحدث إلى «الأخبار» رافضاً الكشف عن اسمه، فإن هناك روايتين متداولتين حول توقيف الضباط الـ 68، الأولى أن «متابعة ومراقبة جرتا للضباط الإسلاميين داخل الجيش، من قِبَل لجنة تم تكوينها من المجلس العسكري، سَلّمت قائمة بأسماء الضباط لحميدتي (نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو)، الذي كلّف بدوره اللواء أيسر العطا بمتابعة الملف. وعندما تم التحفظ على اللواء العطا من قبل المجلس العسكري، تم تفتيش مكتبه حيث وُجدت القائمة، التي أُلقي على أساسها القبض على الضباط». أما الرواية الثانية فتقول إن ما حصل هو متابعة ورصد «لضباط لديهم آراء سلبية ضد المجلس والدعم السريع، كانوا قد صرحوا بها في لقاءاتهم، وقد تم تسريب هذه الآراء إلى الاستخبارات التي باشرت بإلقاء القبض عليهم» للتحقيق معهم.
على أي حال، تتلاقى الروايتان في أن مراقبة الضباط تمت على مدى فترة زمنية، سواء كان الملف مع «حميدتي» أو طرف آخر في «العسكري»، علماً بأن الأولى هي المرجّحة، في ظلّ تنامي نفوذ قائد قوات «الدعم السريع» في المؤسسة العسكرية. وهو ما يرفضه الكثير من الضباط، ولا سيما أن «حميدتي» يعمل على تجنيد مئات الشباب (خصوصاً أبناء القبائل) في صفوف «الدعم السريع»، لتصبح الأخيرة قوة موازية مستدامة الولاء لمحور السعودية والإمارات. احتمالٌ من شأنه، إذا ما تحقق، زعزعة أمن البلاد، حتى من وجهة نظر الجارة مصر؛ أولاً بسبب التهور الذي تتّسم به قوات «حميدتي» كما بدا في الهجمات على المحتجين، وثانياً كون «الدعم السريع» لا تمتلك خبرات الجيش الذي خضع لتدريب على مدى 70 عاماً.
ويؤكد حديثَ الضابط في الجيش، الخبير الأمني طارق محمد عمر علي، الذي يقول لـ«الأخبار» إن «عملية كشف الضباط تمت عبر رصد تحركاتهم واجتماعاتهم الدورية»، مؤكداً أنها بدأت منذ «عدة شهور». وأوضح أن «هؤلاء الضباط كانوا على صلة بالقادة الإسلاميين المعتقلين في سجن كوبر» في مدينة بحري في الخرطوم، حيث يقبع الرئيس المخلوع عمر البشير منذ عزله. وبيّن أن الضباط المعتقلين «كانوا إسلاميين منظَمين قبل انقلاب الإنقاذ العسكري عام 1989 (انقلاب البشير)، ومن بينهم لواء (رفض ذكر اسمه) كان مشرفاً على إدخال الطلاب الإسلاميين إلى الكلية الحربية». وختم بأن «ما يحدث هو استمرار لعملية اجتثاث الإسلاميين من كل المؤسسات النظامية والأمنية».
إزاء ذلك، يبدو أن «العسكري» بدأ بالفعل تنفيذ مخطط «تطهير» الجيش لحماية سلطته من أي انقلاب، وتنفيذاً لوصاية داعميه الخارجيين، السعودية والإمارات ومصر، المعروفين بموقفهم ضد ما يسمى «الإسلام السياسي»، الأمر الذي لمّح إليه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، يوم إعلان استئناف المفاوضات الثلاثاء الماضي، باعتباره أن «السودان يمرّ بمرحلة حساسة بعد سنوات ديكتاتورية البشير والإخوان». وقد بدا، في هذا الإطار، الإعلان عن «محاولة الانقلاب» تتويجاً لسلسلة إقالات وتعيينات بدأت منذ اليوم الثاني للانقلاب على البشير (11 نيسان/ أبريل)، مع إطاحة الفريق عوض بن عوف، الذي يُنظر إليه كامتداد للرئيس المخلوع في علاقته بالتيار الإسلامي، بالتزامن مع حملة استهدفت مقارّ «الحركة الإسلامية». وتأتي الخطوة الأخيرة بعدما هدّأ المجلس جبهة الحراك الشعبي، الذي يشارك كثير من قادته العسكر الخوف من الإسلاميين، ولا سيما الذين كانوا جزءاً من نظام الرئيس المخلوع، كونهم شاركوا في قمع الاحتجاجات في عهد البشير، فيما يتهم هؤلاء قادة التحالف المعارض بمحاولة إقصائهم من المفاوضات، ويعيبون عليهم «تجاهل الشريعة الإسلامية»، وخصوصاً منهم «تجمع المهنيين السودانيين» الذي يقود الاحتجاجات، و«الحزب الشيوعي السوداني».
وعلى رغم أن الإسلاميين انقسموا إلى عدة أطراف، إلا أنهم لا يزالون يحافظون على نفوذ كبير في البلد الذي حكموه لثلاثة عقود، سواء داخل الجيش أو المؤسسات التي نشأت برعاية حزب «المؤتمر» الذي كان حاكماً في عهد البشير. وهي مؤسسات تُعدّ موازية في الدولة، من سبيل «قوات الدفاع الشعبي»، التي أسسها نظام «الإنقاذ» بمنأى عن قيادة الجيش، وقد قامت بدور كبير في قمع الاحتجاجات، أو «الاتحاد الوطني للشباب»، الذي شكّل المعبر الرئيس للقيادات المحسوبة على الإسلاميين إلى الدولة، بالإضافة إلى «الحركة الإسلامية» التي تعتبر المرجعية الفكرية لحزب البشير (تأسس عام 1991). ولذلك، كان من بين مطالب المعتصمين أمام مقار الجيش حلّ هذه المؤسسات، والكشف عن أرصدتها، وتحويل الفاسدين منهم إلى محاكمات عادلة.
بناءً على ما تقدم، يبدو واضحاً أن السودان دخل، في ظلّ حكم العسكر، حلبة الاصطفاف الإقليمي، في ظلّ دعم سياسي ومالي لرئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، ونائبه «حميدتي»، اللذين عملا معاً طوال سنوات على تنسيق المشاركة السودانية في حرب اليمن. فالعلاقة التي نمت مع الرياض وأبو ظبي لا تقف عند حدود «ثورة مضادة» تُبقي حكم العسكر فحسب، بل تتعدّاها إلى العمل على إمرار مصالح الداعمين الخارجيين من «بوابة» البحر الأحمر. هو أمر لا يظهر أن السودان سيستفيد منه، بالنظر إلى تجربة البشير منذ عام 2014، وصولاً إلى إطاحته، إذ لم ينتعش في تلك الفترة اقتصاد البلاد، ولم ترفع العقوبات الأميركية، على رغم اتجاهه في آخر سنوات حكمه نحو «تطهير» نظامه من الإسلاميين الذين صعد بدعم منهم إلى السلطة عام 1989، إلى أن حاول أن يبرز نفسه كزعيم «قومي» من دون جدوى.