بعد فشل الانقلاب ما هي خيارات واشنطن في فنزويلا؟

بعد فشل الانقلاب ما هي خيارات واشنطن في فنزويلا؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٥ مايو ٢٠١٩

الممثل الأميركي الخاص لفنزويلا، إيليوت آبرامز، ذكر في ندوة استضافها معهد "أتلانتيك كاونسيل"، في 25 نيسان/ إبريل الماضي، أن بلاده لا ".. تحبذ إقصاء الحزب الاشتراكي الفنزو يلي الموحد (حزب شافيز) عن المشاركة في مسار الديمقراطية المقبل، وله الحق في لعب دور لإعادة بناء بلاده" موضحاً أن واشنطن "تعايشت" مع قادة يساريين وصلوا إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع في السلفادور، وبإمكانها استيعاب الحزب الاشتراكي في السلطة مرة أخرى. وزعم آبرامز أن اختيار مادورو كرئيس للحزب كان "بدعم مجموعة صغيرة من الأفراد الوصوليين، وماضون في العيش الرغيد أسوة بأصحاب المليارات".
 
لكن الإقرار الأميركي بفشل جولة الانقلاب الأخيرة أعاد وتيرة الاهتمام ببعث صيغة قديمة ــ متجددة لتجنيد مرتزقة من غير الجنسية الأميركية والإعداد لمحاولة أخرى. في هذا الشأن استنهضت المؤسسة الحاكمة خطة "خصخصة" الجهد الحربي الأميركي بتسليم المهمة "للقطاع الخاص" الذي ستوكل إليه مهمة تجنيد وتدريب مرتزقة لمهام محدودة. وأعيد إلى الواجهة مشروع شركة "بلاكووتر،" برئاسة الملياردير أريك برينس، الذي هزمته المقاومة العراقية بعد احتلال بلاده للعراق وارتكاب مرتزقته مجزرة ساحة النسور عام 2007 التي ذهب ضحيتها 18مدنياً عراقياً؛ واستمر في العمل تحت اسم جديد "أكاديمي" إذ كانت اليمن ساحة لمقتل مرتزقته المجندين من عناصر عسكرية تم تسريحها من بعض دول أميركا اللاتينية، وعمل كذلك في أفغانستان، ومن ثم استحدث هوية أخرى لأعمال القتل والتدخل العسكري تحت واجهة تجارية "مجموعة خدمات الحدود Frontier Services Group" سجلها في هونغ كونغ.
 
برينس، عرض على الإدارة الأميركية تسلم المهام القتالية في سوريا خلال اشتداد الجدل الداخلي بعد تصريحات الرئيس ترامب معلناً نيته الانسحاب التام منها، قبل تدخل أركان المؤسسة الاستخباراتية والعسكرية الأميركية للإبقاء على تواجد عسكري مباشر هناك.
 
وسائل الإعلام الأميركية أجمعت في تقارير حديثة على أن السيد برينس، المؤيد بشدة للرئيس ترامب، جدّد عرضه السابق للإدارة لإبرام عقد مع مؤسسته لتجنيد قوات مرتزقة للقتال في فنزويلا، قوامها من 4000 إلى 5000 عنصراً "يتحدثون اللغة الإسبانية" بكلفة أولية نحو 40 مليون دولار. وأوضحت أسبوعية "نيوزويك"، في 30 نيسان/ إبريل الماضي، أن مرتزقة برينس سيتم تجنيدهم من "البيرو، الاكوادور، وكولومبيا" وجنسيات أخرى ناطقة بالإسبانية. وأردفت المجلة أن "برينس" عقد سلسلة اجتماعات مع مسؤولين أميركيين وقادة في المعارضة الفنزويلية في منتصف شهر نيسان/ إبريل الماضي لبحث تنفيذ مخططه للإطاحة بالحكومة الشرعية في كاراكاس.
 
التقارير الإعلامية الأخرى أشارت إلى أن جيش برينس "سيوضع تحت تصرف خوان غوايدو، من أولى مهامه شن عمليات استخباراتية" في فنزويلا. وشرع برينس بحملة تبرعات مالية لتمويل العناصر المرتزقة من "مؤيدي الرئيس ترامب وأثرياء فنزويليين خارج البلاد".
 
علل "برينس" مشروع تدخله في فنزويلا، مطلع الشهر الجاري لوكالة "رويترز" للأنباء، قائلاً إن قوات "الجيش الخاصة ستسهم في إحداث تغيير في البلاد عبر دورها في المساعدة لبلورة وضع ديناميكي من شأنه وضع حد لحالة الجمود الراهنة ".
 
لعلّ ما شجّع على تجديد "بلاكووتر" هو أن الإدارة الأميركية الرئيسة وصناع قرارها السياسي أضحت ممثلة بالثلاثي: مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو؛ والمبعوث الرئاسي لفنزويلا إليوت آبرامز، ورابعهم نائب الرئيس مايك بينس. فهذا القطب يحافظ على تعويم سردية إسقاط النظام البوليفاري بالقوة العسكرية والحصار الاقتصادي، مسخراً أبرز الوسائل الإعلامية وأشدها تأثيراً في الحرب النفسية ضد فنزويلا ومؤيديها، ما اضطر "نيويورك تايمز" ونظيرتها الأخرى "واشنطن بوست" للتخلي عن تبجح ادعاءات الثلاثي المفرطة بالتفاؤل وحملته مسؤولية "ترويج معلومات خاطئة" عن حقيقة الأوضاع الداخلية في فنزويلا وتماسك هيئات ومؤسسات الحكم هناك.
 
يومية "واشنطن بوست" خرجت عن المألوف بعنوان حاسم "انهيار خطة المعارضة والبحث عن الخطوة المقبلة" في إشارة صريحة لفشل الرهان على غوايدو وإمكانية التمهيد لاستبداله. "نيويورك تايمز" من جانبها حملت جون بولتون ومايك بومبيو مسؤولية "الادعاءات المفتعلة،" أي المفبركة، بشنهما حرباً نفسية صرح بها الأخير في ادعائه أن الرئيس نيقولاس مادورو يهمّ بمغادرة البلاد بالطائرة متوجهاً إلى كوبا "منفاه الاختياري .. بوساطة روسية". لكن سرعان ما نفته الخارجية الروسية على لسان الناطق الرسمي، ماريا زاخاروفا، ووصفته بالتضليل أسوة بمزاعم واشنطن السابقة بحق الرئيس الأسد.
 
أمام الفشل السياسي في قمة الهرم القيادي الأميركي، أعربت القيادات العسكرية الأميركية عن عدم الرضى عن توريط البلاد في حرب جديدة. فاستضافت البنتاغون يوم الجمعة، 3 أيار/ مايو الجاري، لقاءً رفيع المستوى (في الغرفة المحصنة) لتقييم مغامرة الثلاثي الفاشلة، حضره: جون بولتون، مايك بومبيو، وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان، رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، قائد القيادة الجنوبية كريغ فوللر، مدير الاستخبارات الوطنية دان كوتس، رئيس موظفي البيت الأبيض بالوكالة مايك مولفيني، ومندوبينِ إثنين عن وكالة الاستخبارات المركزية وفق ما صرح به وزير الدفاع بالوكالة لاحقاً دون الولوج في التفاصيل.
 
من أبرز مواقف المؤسسة العسكرية شهادة رئيس هيئة الأركان المشتركة، دانفورد، أمام لجنة الموازنة في مجلس النواب، الأول من أيار/ مايو الجاري، يدحض فيها ادعاءات جون بولتون ومايك بومبيو، مؤكداً "أن الخيارات الراهنة هي في العمل السياسي والديبلوماسي". وفي هذا الاتجاه أوضح قائد القيادة الجنوبية، فوللر، أوضح للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب أن توجه القيادة العسكرية بوضوح هو العمل على "بناء جملة من الشراكات الإقليمية" وهذا ما ينبغي العمل من أجله، أي التحول الديموقراطي" للسلطة، مؤكداً على فشل الرهان بالعمل العسكري الإقليمي "باستثناء كولومبيا" عبر الميليشيات العاملة هناك.
 
في هذا الاتجاه أيضاً عُقد اجتماع في البيت البيض، بعد فشل رهان القطب الثلاثي، أعرب فيه نائب رئيس هيئة الأركان، بول سيلفا، عن قناعة المؤسسة العسكرية بصعوبة الحصول على قرار من الرئيس ترامب لعمل عسكري في فنزويلا قد تتخذ زمناً طويلاً، عشية الإعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة، حسبما أفادت يومية "واشنطن بوست". يبدو أن التغيرات الدولية التي تدركها جيداً المؤسسة العسكرية تشكل عاملاً كابحاً للمغامرات العسكرية المكشوفة، ولو لبعض الوقت، دون أن يعني ذلك الإقلاع عن الخيار العسكري برمته في أي من الساحات الدولية، بما فيها فنزويلا وربما إيران. فالبنتاغون من جانبها تركت باب التكهنات مفتوحاً رافضة التأكيد على نشرها قطع بحرية متعددة بالقرب من شواطيء فنزويلا، مكتفية بتعليقات السياسيين بأن روسيا لديها وجود عسكري هناك وبأنها استخدمت حق النقض في مجلس الأمن وشاركتها الصين بعدم إضفاء شرعية دولية على توجهات واشنطن العسكرية.
 
في تطور ملفت ونادر في الهرم العسكري، اصدرت قيادة القوات الجنوبية بياناً رسمياً، 3 أيار/ مايو الجاري، عقب انفضاض اللقاء رفيع المستوى، سالف الذكر، تصدرته جملة بالغة الدلالة مفادها بأنه "نزولاً عند طلب وزير الدفاع بالوكالة، باتريك شاناهان، سيبقى قائد القوات الجنوبية في واشنطن للمساهمة في تقديم أحدث التقييمات حول الأوضاع في فنزويلا وما آلت إليه الخطط والخيارات العسكرية" المتاحة. وربما يكمن الهدف الحقيقي في ذلك هو ديمومة "الحرب النفسية" ضد فنزويلا. لكن البيان لا يؤشر على نية حقيقية لشن عدوان عسكري أميركي في المدى المنظور. ما يعزز تلك الخلاصة هو تصريح أدلى به "مسؤولينِ اثنين" لنشرة "بوليتيكو"، مساء الثالث من أيار/ مايو، بالقول أن "الاستراتيجية الأميركية (ليست إلا) قعقعة سلاح في وجه رئيس محاصر أكثر من إيذانا بعملية عسكرية أميركية في فنزويلا."
 
وأضافت بوليتكو نقلاً عن مصادرها في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، عقب إعلان الرئيس ترامب عن مكالمته الهاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه بحث جملة قضايا من بينها سوريا وفنزويلا، وتفاديه توجيه أي اتهام لروسيا كما درج كبار مساعديه على ترويجه، قائلة إن "تصاعد التصريحات عن عمل عسكري أميركي من شبه المؤكد أنها جوفاء."