اعتقال العلماء: النصف سابقون والنصف الآخر لاحقون

اعتقال العلماء: النصف سابقون والنصف الآخر لاحقون

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٣ أغسطس ٢٠١٨

 إجراءات تعسفية جديدة تقوم بها السلطات السعودية بحق رجال الدين والدعاة واعتقالات بالجملة لكبرى الشخصيات الدينية تحت مسميات مختلفة وفي أكثر الأحيان لا يكون هناك أي مبرر للاعتقال، ما يفتح باب التكهنات من هنا وهناك للبحث عن أسباب وتبريرات لذلك بينما تبقى السلطات صامتة لا تقدم أي سبب للناس وللإعلام في تجاهل متعمّد يريد منه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن يسيطر على مفاصل الحكم دون تدخل أحد من الداخل والخارج، وأزمة السعودية وكندا تظهر بوضوح ماذا يريد ابن سلمان من الخارج واعتقال الشيخ صالح آل طالب قبل يومين يظهر أيضاً ماذا يريد أن يقول الأمير الشاب للداخل.
 
منذ يومين اعتقلت السلطات السعودية أحد أهم أئمة خطباء المسجد الحرام في مكة المكرمة بالتوازي مع قيام مليوني مسلم بشعائر الحج في سابقة خطيرة تظهر جموحاً هستيرياً لمحمد بن سلمان نحو السلطة وحساسية من كل من يلمح بشيء يضرّ بمخططات ولي العهد.
 
ماذا فعل آل طالب؟!
 
الشيخ صالح آل طالب "44 عاماً" معروف جداً في السعودية، ولعائلته اسم كبير وفضل كبير في تأسيس السعودية بشكلها الحالي، حتى أن عائلته دافعت ودعمت إنشاءها بكل السبل المتاحة، وأمدّت عائلة آل طالب التي يعود أصلها إلى حوطة بني تميم جنوب الرياض مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود بالمال والسلاح والجنود، ولذلك خصّها لتكون وجهته الأولى بعد الرياض.
 
ولكن مكافأة هذه العائلة جاءت على هذا النحو، وكما هو الحال مع غيره، دون أن تهتم السلطة حتى بتوضيح الملابسات أو الكشف عن تهم إن وجدت، ورغم أن الأشهر الماضية شهدت تأكيد منظمات حقوقية دولية أن حملة الاعتقالات والقمع في السعودية تصاعدت منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد قبل عام، فإن هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها الاعتقالات إلى منبر المسجد الحرام، وفي موسم الحج، وعلى ما يبدو بسبب الدعوة إلى محاربة المنكرات.
 
فقد تحدث الشيخ آل طالب "الحافظ للقرآن عن ظهر قلب" في الخطبة التي ألقاها من على منبر المسجد الحرام، عن المنكرات ووجوب إنكارها على فاعلها، وهو نفسه من دعا في خطبة سابقة على من وصفهم بالطغاة الظالمين، ووجّه خطاباً إلى العلماء ورموز التوجيه لأن يتحملوا عبء الأمانة وأن يكونوا قدوة في الأرض.
 
آل طالب ليس الأول أو الأخير
 
شنّ محمد بن سلمان حملة اعتقالات بحق رجال الدين والدعاة منذ سنتين تقريباً ولم يقدم أي مبرر لأسباب الاعتقال، فقد سبق أن اعتقل على هذا النحو كلّاً من الشيخ سلمان العودة والشيخ عوض القرني وعلي العمري ومحمد الهبدان، وغرم البيشي، ومحمد عبدالعزيز الخضيري، وإبراهيم الحارثي، وحسن إبراهيم المالكي، بالإضافة إلى شخصيات أخرى دينية وسياسية وحقوقية.
 
يبدو أن رجال الدين هؤلاء لم يأتوا على هوى ولي العهد ولم تناسبه خطبهم، خاصة أن لديهم شعبية كبيرة وبعضهم بالأساس معارض لسياسة السعودية في القديم وحتى الآن وبعضهم انضم إلى قافلة المعارضين للحكم بعد أن وصل محمد بن سلمان إلى منصب ولاية العهد حاملاً معه أفكاراً لا تناسب رجال الدين هؤلاء وكثر هم من يعتقدون بأنها لا تناسب أيضاً عادات السعودية وتقاليدها التي يغلب عليها طابع المجتمع المحافظ، وما جاء به ابن سلمان يعارض عادات السعودية وفقاً للكثيرين.
 
وعلى الرغم من أن برامج ولي العهد الإصلاحية لم تأت أوكلها حتى اللحظة لا يزال الأمير الشاب متمسكاً بها من ناحية الشكل لكونها تغطي على بقية الممارسات التي يفعلها بحق المواطنين والدول المجاورة، ومع ذلك لم يسلم من انتقاد الغرب في الفترة الأخيرة.
 
لماذا كل هذه الاعتقالات؟!
 
أولاً: لا تريد السلطات السعودية ولا بأي شكل أن يغرد رجال الدين خارج السرب ويعترضوا على أي قرار يخرج عن ولي العهد مهما كان وفي أي وقت كان وأيّاً تكن نتائجه، ومن يخالف إملاءات السلطات ستكون عواقبه وخيمة أحدها الاعتقال، وقد ظهر هذا الكلام جلياً في تبعات اعتقال الشيخ سلمان العودة قبل عام من الآن.
 
ففي ذلك الوقت نقلت صحيفة "العربي الجديد" اللندنيّة عن مقرّب من العودة أن "الشيخ سلمان قد أتته أوامر من قبل مستشارين إعلاميين في جهات مسؤولة، طالبوه فيها بشتم قيادة قطر شخصياً، ووصفها بالإرهابية والمعتدية، لكن العودة رفض الخضوع للابتزاز"، كما رفض العودة، وفقاً لصحف إماراتيّة، إدانة البيان الذي أصدره الاتحاد العالمي برفض حصار قطر، في حينه، وهو ما اعتبرته السلطات تأييداً لقطر وللاتحاد الذي تعتبره السعوديّة "أداةً سياسيّة أنشأتها قطر من أئمة ودعاة موالين للإخوان (المسلمين)"، وفقًاً للصُحف.
 
ثانياً: هناك هروب واضح من ابن سلمان نحو الأمام في أي مشكلة يتعرّض لها أو تواجهه في محاولة منه لإثبات شخصيته وحضوره وبأنه شخصية مؤثرة وفاعلة وتعلم ماذا تفعل، لذلك نجده يخرج من ورطة ليقع في ورطة أخرى وهكذا دواليك، ناهيك عن كونه يبحث عن النفوذ المطلق في البلاد وإبعاد المؤسسة الدينية ورجالاتها المعارضين لسياسة ولي العهد عن واجهة السعودية، لإتاحة المجال للأمير الشاب لتمرير القرارات التي يطمح لتحقيقها بمفرده.