تنسيق الجهود العربية

تنسيق الجهود العربية

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٦ مايو ٢٠٢٣

انتهى زمن المناداة بالوحدة العربية وشعاراتها التي تربينا عليها، وتاه التضامن العربي بعد حرب تشرين التحريرية، وضُرب مثلث السياسة العربية الذي تجلى في حواملها سورية والسعودية ومصر، هذه التي جسدت أيضاً مثلث القداسة الروحية ليس بظهورها منها، وأقصد موسى عليه السلام مصر، ومحمد عليه السلام السعودية، والسيد المسيح سورية، التي منها انتشرت الديانات إلى العالم أجمع، من خلال بولص الرسول والدولة السياسية الأموية التي وصلت إلى جبال البرانس على الحدود الفرنسية الإسبانية وأسوار الصين العظيم، وأُخرجت مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد وضرب علاقة "السين سين" وتدمير كامل الجهد العربي من خلال المشروع التدميري الذي أطلق عليه "الربيع العربي"، لتبدأ لغة المطالبة بالحد الأدنى، لغة التنسيق كضرورة قصوى وحاجة ماسة لاستيعاب التغيير الحاصل في مجرى تفكير أبناء الأمة العربية وسواد قياداتها، ومعها التغيّرات العالمية في المواقع القطبية السياسية والاقتصادية، وأيضاً بعد ظهور التنوع في الانتماءات، حتى في بعضٍ من أقطارها، واستمرار تعلقها بالماضي وتقليدها لذاك الفكر الذي كاد يندثر.

لندع الماضي الحديث ضمن أرشيف، ولنغلق على الماضي القديم إلى حد ما، إذ أجدني من الداعين ضمن هذه الظروف الأكثر من رديئة لتنسيق الجهود، وبشكل خاص الأهداف السياسية المسؤولة في اعتقادي عن كامل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بتنوعاتها، وخاصة أن العالم أخذ منحى إعادة تكوين مجتمعاته، وبدأ يلجأ إلى التكتل لمقاومة الظروف الطارئة بكل أشكالها الطبيعية والاصطناعية، فتوحيد الجهود يؤدي إلى معالجة المشكلات والتي تحقق المصالح العربية القطرية، ومن ثم تذهب إلى الهدف الأسمى لمعالجة مصالح الأمة العربية العليا، وهذه المسألة المهمة جداً تتعلق بتفكير القيادات العربية التي يجب أن تسمو إلى نقاط الخلل الحاصل والاستبصار فيها، ومن ثم الإجماع على إيجاد الحلول، وأهمها اعتماد منهج تسير عليه شعوبها، ويأخذون بهم إلى المعرفة ونشر أدبياتها الحديثة التي توضح معنى التحرر من قيود الجهل والتخلف، هذه المعرفة التي لا تشكل أي أخطار على الأديان، لأنها تقوي الإيمان بالحياة والاشتغال لها، فالمعرقة تنجب البحث الذي يؤدي إلى بناء المجتمعات علمياً وتقنياً.

العالم العربي اليوم بحاجة شديدة إلى كفاءة المتخصصين لنهضة العروبة، وهذه النهضة لن تحدث إن لم يأخذ بنواصيها القادة العرب الذين يجتمعون كل عام تحت سقف الجامعة العربية التي تزين طاولاتها أعلامهم، فهل يجتمعون كأشقاء أم كإخوة أعداء، أم كأصدقاء؟ وما موقفهم النهائي من قضية الأمة؟ أم إنه إجماع ومن ثم افتراق على أن يلتقوا في العام التالي؟

ألا يمكن وضع خطة مشتركة لهذا الوجود العربي، يكون من بنودها تنسيق الجهود في الأهداف السياسية وترتيب الحلول للمشاكل والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والروحية، فالعالم اليوم ذهب إلى تكتلات متوسطة وكبرى، أليس حرياً بدول العالم العربي أن توسع مجالات تعاونها وتوحيد جهودها في نطاق جامعة الدول العربية لمعالجة مشاكل ضمن الهدف الأسمى المتكون في المصالح العربية العليا، هذه التي لم تنجح دول عالمنا في حداثته للوصول إلى أي تعاون خلاق، يمنح شكلاً واقعياً لوجودها كأمة عربية، يتغنى بها أبناؤها بالأناشيد والشعر والأغاني فقط، بينما نجحت بعض دوله في بناء علاقات مع دول أخرى، وصلت إلى حدود التحالفات منها لإفادة الأمة، ومنها للاستعانة على بعضها، وهنا أجزم أن المشكلة في الفردية الممتلكة للمشاعر عند العربي المواطن والمهاجر على السواء، هذه التي لم تقدر على تجاوز ذاتها، فالمصائب عند الشعوب الأخرى علمتهم أهمية التعاون والتنظيم بعد استخدامها لكل أساليب الكفاح ضد أشكال وأنواع الاستعمار القديم والحديث، الذي أسكن في كل قطر عربي العديد من المشاكل، يُفعّلها متى شاء.

 هل أدرك العرب حقيقة واقعهم، وأن خبراتهم بالسياسات الأورو أمريكية وما تحمله من فنون المغامرة مازالت قليلة وقديمة، وتجاربهم محدودة؟ لذلك نرى تداعي خبرائهم ووسطائهم من الغرب إلى دولنا العربية، إما لتطوير بعض المشاريع غير الاستراتيجية، وإما للدخول في حل النزاعات الداخلية ضمن القطر الواحد، أو بين أفراد القطر الواحد، أو بين الأقطار المنتمية لهذه الجامعة.

المواطن العربي في أقطاره قلق، يملؤه الشك، ويسود وجوده الغموض، ويحيا الاضطراب، فلا أمان اقتصادياً، ولا استقرار اجتماعياً، يستشعر أن النار جاهزة تحت الرماد، ومهيأة للاشتعال في أي لحظة، وبالمقابل العالم يتطور ويتقدم أبناء الأمة هائمين بين أن يهاجروا، أو أن يبقوا لظاهرة التفاوت المعيشي بين أقطارها، وكذلك في نظم استقلالها التي تراوحت بين المؤكد والمقيد بالتزامات خفية تجاه عالم الشمال والغرب، ومعه تنوع الانتماء إلى العقائد السياسية والروحية، ما أوجد اختلافاً في الطبائع، وأضعف الانتماء للأمة والوطن، ولكن ورغم كل هذا التنافر الذي ساد كثيراً من شعوب الأرض، استطاعت إيجاد حلول لهذه القضايا، وهيمنت عليها، لتعلو الأصوات من شعوب دولنا، لماذا نحن على هذه الشاكلة؟ أليس كل هذه المشاكل سببه القيادات السياسية، وأن عدم وصولها إلى تنسيق في موقفها وقراراتها أدى إلى ما وصلنا إليه؟

فرصة سانحة بعد كل الذي حلّ في مفاصل الأمة من أزمات وأمراض، والقمة العربية القائمة في المملكة العربية السعودية تتحضّر للقاء بين ليلة وضحاها، واستعادة سورية العرب والعروبة والتاريخ لمقعدها يمنحها كما يمنح الجميع فرصةً للنظر في واقعية الأمة والتنسيق من أجل تثبيت وجودها وإعلاء شأنها.

د. نبيل طعمة