الهجمة شرسة

الهجمة شرسة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٧ سبتمبر ٢٠٢٢

تتصاعد ليس فقط على سورية، إنما على روسيا وإيران والصين، وعلى الرغم مما نشهده من دول تفعيل الفوضى وتمريرها مع بعض، ممن صنعت ربيع الخراب العربي، يُحاوَل إنهاؤها بالتفاوض المباشر أو غير المباشر، وعبر رعاة لهذه الحدود، وعلى رأسها روسيا وإيران، إلا أن هذا لم يناسب رؤية قوى الغرب بزعامة أمريكا، ورغم أن مصلحة التركي مع حلف النيتو ومع الأمريكي، إلا أنه وجد أن مصالحه مع الروسي والإيراني والعالم العربي أكبر وأفضل، والكل يعلم أنه منفذ رئيس لرؤية الأمريكي في خلق الفوضى «الهدامة»، وفي الوقت ذاته يتقدم لإنهاء هذه الفوضى، وكلما تأخر في عملية الإنهاء أساء إلى حضوره بين الجميع، والكل يعلم أنه مراوغ بين هنا وهناك، فإن لم ينجح فخسارته كبيرة، والسبب نجاح إدارة الرئيس بشار الأسد، الذي قرأ المشهد مبكراً، فذهب لرفع مستويات التنسيق مع روسيا وإيران والصين، الرئيس الأسد الذي خلطوا بعيداً عنه أوراق المنطقة، وحتى أوراق وطنه، إلا أن الذي اكتشفه العالم أجمع المؤيد والمعارض الكيفية التي سار ويسير بها بهدوء وصمت وصبر، وصل في بعض المراحل لشدة الألم، إلا أنه نجح بهدوئه ورويته وعلميته إلى إعادة ترتيب أوراق وطنه داخلياً وخارجياً، وهذا ما لم يعتد عليه الغرب المشعل للحرائق، والمفعل للفتن، والمشجع على الحروب، فإن يأتِ فعل مختلف عن كل أفعال قادة في الشرق الأوسط دعا الجميع للالتفات إليه والتفكير جدياً بآليات جديدة ضمن لغة تفعيل الهجمات عليه.
وأضيف: إن المتغيرات العالمية من خلال الحرب الأوكرانية الروسية فرضت وقائع جديدة ومستجدات أدخلت في تشكيلها الصين مع تايبيه وموضوع الاتفاق النووي الإيراني، إضافة إلى التكتلات السابقة واللاحقة كتجمع «بريكس» وتجمع «شنغهاي»، هذه المتغيرات والأحداث فرضت مستجدات دعت إلى وقف هيمنة القطبية الواحدة وإلى تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وهذه الأحداث أيضاً أفادت العقل السياسي العالمي بشكل عام ودول منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، ما أخذ بها للتفكير من جديد في الانطلاق إلى الأمام مع رؤى جديدة تؤسس لعلاقات مصلحية بين دول الإقليم نظراً للمستجدات الحاصلة، أي إنهاء فكرة ربيع الخراب العربي الذي تحطم نتاج صمود سورية بشخص رئيسها الأسد، فقد تحدى الواقع الذي فرض عليه، وتمسك بوطنه وبمواطنيه، ليقود سورية من الفوضى التي أرادوها إلى الاستقرار والخلاص بعد أن أوقف العدوان إلى حدٍّ كبير، ودحر الإرهاب وحصره ضمن مساحات ضيقة جداً غدت في متناول يده.
ومن هذا كله، نجد أن الغرب كشَّر عن أنيابه، وضاعف هجماته مستخدماً أدواته القديمة الجديدة، من خلال دعم كيانه الإسرائيلي وقيامه معه بالعدوان على البنى التحتية السورية وتصعيده للحصار الاقتصادي، وتدخله لمنع الوصول إلى أي حل توفيقي بين دول تفعيل الفوضى وتمريرها إلى سورية.
المشهد العالمي قاتم جداً، لأنه مضطرب، ولا يوجد سوى سبب واحد لكل هذا الاضطراب الذي تفعله أمريكا، هذه التي أخذت تشعر بأن مكانتها كقوة عظمى بدأت تتلاشى، فقيامة العالم الجديد قبل ما يقرب من مئتين وخمسين عاماً، حيث دونت ذلك على عملتها الورقية الدولار عام 1776م، وتوهجت به إلى أن غدت القوة العظمى الأولى في العالم، كما أنها لعبت على أوراق فرط عقد الاتحاد السوفييتي، ونجحت في عهد غورباتشوف الذي توفي منذ أيام، وكانت إرادتها تحويل روسيا إلى دولة إقليمية، ليحضر الرئيس بوتين ويعيد تشكيل روسيا مستنهضاً قواها. وأرادوا تفكيك إيران التي انتهى فيها عهد الشاه، إلا أن ظهور الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جديد ووصولها إلى العتبة العسكرية النووية، مع تقدمها العلمي على العديد من المحاور أصاب أمريكا بالذهول. أيضاً نجاح الصين في بناء أكبر أسطول عسكري وفضائي، وتحقيقها التنافس الاقتصادي، والتفوق بذلك على الاقتصاد الأورو أمريكي، حرك تايوان باتجاهها، كما حرك قبلها أوكرانيا بوجه روسيا، وحرك العالم الغربي ضد إيران، كما تحرك الغرب مع أدواته ضد سورية، التي حطمت ربيع الخراب العربي، ليظهر لنا من كل هذا أن التخبط الأمريكي، على الرغم من اعترافنا بأنها قوة عظمى لا يستهان بها، إلا أن القارئ للمشهد العالمي المضطرب يرى بوضوح شراسة الهجمات على روسيا من خلال الدعم اللا محدود العسكري والاقتصادي لأوكرانيا وفرض العقوبات الجائرة على الروسي، وتفعيل الدور التايواني لضرب الوحدة الصينية، ومحاولات إخضاع إيران لشروط الاتفاق النووي الذي تريده أمريكا، واستمرار محاصرة سورية، وتصعيد الهجمات الشرسة باتجاهها، ومنع وصول المنطقة للاستقرار، وكل هذا يدعونا للقول: إن الفشل الأمريكي في إدارة العالم غدا أكثر من واضح.
هنا أؤكد أنني لست مع انفلات العالم، وضرورة ضبطه أكثر من ضرورة، ولكن من خلال الرؤى المتعددة التي تحقق العدالة، وتنهي الهيمنة الأمريكية، وإذا نجح العالم ويجب أن ينجح في الوصول إلى نظام عالمي جديد، أجزم بأنه سيتغير نحو الأفضل، والتغيير بدا واضحاً في المواقف الخليجية، التي بدأت تقلص العلاقة مع الأمريكي لمصلحة الحياد العالمي، كما بدأت أوروبا تحذّر على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشار الألماني شولتس، اللذين انتبها إلى حجم الخسائر اللاحقة على أوروبا نتاج التبعية للأمريكي. وفي إفريقيا وأمريكا اللاتينية الأفعال بدت أكثر من متشابهة، أي إن المناخ العالمي أصبح ملائماً جداً لولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وبدأت حديثي بالهجمة الشرسة من الأمريكي على دول العالم، أي على كل من يقف في وجه السياسة الأمريكية، لأنهي بأن هذه الهجمة الشديدة وما يتفرع عنها تعني الاقتراب من الولادة الجديدة التي ينتظرها العالم.
د. نبيل طعمة