المستور والمكشوف

المستور والمكشوف

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢ مارس ٢٠٢٢

نضع النقاط على الحروف، كي لا تكون المواربة ولا التمويه، نتحدث عن الانفعالات بأوصافها، والمسميات بأسمائها، ومعها نتابع كيف يستدعي سؤالٌ سؤالاً آخر؟ هل وصل إنساننا العربي لوحدة التصالح الذاتي؟ هل فهم جمال الجوهر، فذهب لإصلاح المظهر؟ أم إنه مازال بعيداً كل البعد بسبب ما يعيشه ويحياه بين المسكوت عنه والمعلن بين المحرم والممنوع والمسموح به؟ هل أدرك معنى الحرية لينادي باسمها؟ هل استوعب مبادئ الديمقراطية التي تتطلب التخلص من عديد الأفكار التي تتنازعه؟ لماذا إنساننا يلعن حاضره، ويرفض بناء مستقبله؟ هل لأنه مازال يعلي شأن ماضيه، وكأن به يجري عكس مساره الطبيعي، أو أنه يصب في البحر، فلا يفيد ولا يستفيد؟ من المسؤول عن هذا المشهد؟
أيّ إنسان يمتلك جسدين، جسداً ظاهراً له خصائصه التي تشير إليه، ويعرف من خلاله، نطلق عليه الجسد الفيزيولوجي، وجسداً باطنياً غير مرئي، يحمل كل الأجزاء المهمة ونسميه الجسد الكيميائي أو البيولوجي، ووحدتهما تمثل الشفافية والاتزان وفهم كل منهما للآخر يحولهما إلى وحدة، وهنا أفكك هذا الإنسان، فأجد أن جسده البيولوجي يمثل الماضي بكل ما فيه، بينما جسده الفيزيولوجي يمثل المستقبل، الذي يبدو تائهاً في حاضره، وماضي إنساننا ممتلئ بالغرائز والشهوات وثقافة الغزو والقتال والغنائم، رغم أنه متدين من دون وعي، بحكم تبعيته ووراثته وثقافته الدينية والأدبية وصنوفها، وتعلقه الديني الذي يستند إلى عدم اعتراف المؤسسة الدينية بفلسفة الجسد واحتياجاته وضرورة التأمل فيها، ونقل كامل احتياجاته لعالم افتراضي رسم صورة دقيقة عن واقعه، ما أدى إلى سجن الجسد الفيزيائي في جوهر الكيميائي، وإلى منعه من التطور العلمي والثقافي والحضاري الفكري لا الوهمي التقليدي، الذي اعتمد النقل بدل الإبداع، والنقد المعرقل من دون رؤية الإيجابيات والاعتراض بلا وعي على كل ما هو حديث أو مستحدث بعيداً عن البحث فيما يناسب، وهذا ما أريد أن أؤكده، بأن الماضي المسكون في العقل الباطن حبس الجسد في مقتضياته وقيّده، وأباح له أن يفعل ما يريد من دون ضوابط، ولكن في السر مما أخرجه من السياق الاجتماعي العالمي، الذي تقدم كثيراً عليه، وفتح آفاقاً للحوار في الجنس والتشريع الروحي والقانوني الوضعي، وأعطى للجسد مساحات هائلة للحركة والمسير، وبالاعتراف أن من يتحرر من الغرائز والشهوات وأهمها التحرر الجنسي، نجده يتقدم ويتطور بسرعة هائلة، لأن جميع العقد تتحرر وتتفكك، ما يؤدي إلى التفكير المختلف.
لعل فقه اللذات المحرمة توقف عند بنوده المتصلة بالرصانة التي يقبلها العذاب، ويتوقف عند قواعد السلوك التي يتم خرقها بشكل مستمر، ولكن بصمت، ليقع الجميع بين الرجس والطهارة، والمستفيد الوحيد من كل هذا الكهنوت الديني بمختلف أضلاعه عشرات القرون، والمنطق في الشرق لم يتبدل، سبات، مرضى، يمر منه بعضٌ من بوارق الأمل المحمول بين جنبات التمدد والانفتاح والحداثة، سرعان ما يتفكك ليعود إلى البداية.
ألا نحيا اليوم عالة على العالم الفاعل المنتج الساعي إلى ما ينفع الناس؟ ونحن نأكل وننام ونتكاثر ونتحارب ونتعبد، وإننا في هذا الشرق أصحاب الجنة، والباقي في النار.
كيف بنا حتى الآن لم نتعلم؟ فعالم الشمال أخذ من فكر عالم الجنوب وخالطه، فخرج منه بنتائج مبهرة، غذت روحه فصفا، وأضاءت عقله فنما، وحصّنت جسده فتقوّى، وبقينا في شرقنا نطور الضغائن لنتقاتل، ونكفّر بعضنا بصفاقة، ونموت بلا معنى من جراء ذلك ناسبين ذلك للقدر وللشهادة، وإننا بعد ذلك إلى الجنة.
نفق مظلم نقبع فيه بعد أن تحررنا من نير العثماني والأوروأمريكي، ومضت على ذلك عقود، هل حاولنا أن نفتح تحقيقاً، لماذا نحن بقينا في النفق والكل تقدّم؟ أما من شمعة نضيئها لنعلم أين نحن؟ أم إننا غارقون في أننا بارعون لحظة نريد، مقلقون في ممارسة ديننا، ومترددون في سياساتنا الاقتصادية والخارجية، ونرفض أن يكون هناك فهم لعلاقة الدين مع الدولة، وجميعنا يبحث عن ماهية الإلهية، التي ننسبها إليها.
أين نحن في هذا الشرق أمام الكل الذي يعمل لما ينفع الناس والوطن والأمة؟ المستور والمكشوف أمامكم، وأجزم أنكم تعرفون تفاصيل العنوان بدقة، إذاً لماذا المواربة؟ وما معنى أن يكون لدينا أمل ونفهم أن تحقيقه لا يتم إلا بالعمل الجاد من دون مواربة أو مراوغة؟.
د.نبيل طعمة