الديمقراطية والرأسمالية

الديمقراطية والرأسمالية

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٠ أكتوبر ٢٠٢١

متلازمتان يحتاجهما أيّ نظام سياسي يسعى للنجاح، شريطة أن تتوافر لهما أسس وقواعد، أهمها الدولة المترابطة فيها سلطاتها، المصانة بقوة القانون الذي يطبق على الجميع، والمحاسبة التي لا تستثني أي مخطئ بحق الدولة ومواطنيها، ومن دون ذلك تأخذ الدولة أشكالاً أخرى، تسودها الاضطرابات والانفعالات والتأخر والتخلف، لأن تنميط الدولة يؤدي إلى عزلتها، أياً كان شكلها، بوليسياً، دينياً، أو أيديولوجياً.
مَن فكرة المادية الجدلية نسأل: لماذا انتعشت لحين، ومن ثم أصابها الإخفاق، حتى وإن نجح بعض الدول في تبنى مخرجاتها، حيث استمرت لحين، ولكن للنظر في واقعها، ولنأخذ أمثلة من الدول التي عاشت فيها المادية الديالكتيكية لأكثر من سبعين عاماً، كيف حالها اليوم؟ وكيف اتجهت ومن يدور في فلكها إلى الرأسمالية، أو لم تجبر على أن تلبس شكلاً من أشكال الديمقراطية؟ والصين كذلك اتجهت إلى الرأسمالية، رغم أن حزبها الرئيس مازال يتمتع بعقيدة الديالكتيك.
ضمن هذا المسار لا أخوض في التعاريف، لأن جميعكم عرفها، الدول العربية تعاني بشدة اختلالات عميقة في البنى الاجتماعية والاقتصادية ومعتقداتها الدينية، تؤخر اتجاهها إلى بناء شكل سياسي قوي، لذلك نرى سهولة حدوث تمزقات في تراكيبها الاجتماعية والاقتصادية، هذه التي تتسبب في اختلال شكل الدولة.
الإنسان يمثل عصره، التاريخ ليس أكثر من ذاكرة، يستعرضها، يناقشها، يجادلها، يرفضها، أو يتعلق بها، لكنه ضمن عصره بكل ما فيه من آمال وآلام وأفكار بائدة أو جديدة أو متجددة، يحاول وعليه أن يحاول، هذا الإنسان الذي هو عبارة عن كائن مادي يحيا ضمن كائن حي، يلازمه نشاط فكري في وقت واحد، مطلوب منه في زمنه تجديد نفسه من خلال النهوض والمضي إلى الأمام من دون استسلام للوراء، وبفهمه لوجوده يستطيع التقدم وإدراك الكثير من المعادلات، وأهمها علاقة المال بالبناء والإنتاج وحرية التعامل مع فهم ماله وما عليه وتوسيع مفاهيم حرية المعتقد وحرية التعبير والتنوير الثقافي مع مكافحة الفساد وسيادة القانون، وإدراك أن النجاح السياسي بالممارسة العملية لا بالتنظير، ولا بالسفسطة، وهي أهم مكونات النجاح الاقتصادي، وهي العناصر التي يجب الأخذ بها لإحداث النجاحات والتراكمات، فالواقع حياة، وإيماننا بالحياة يواجه بقوة الانهيارات الفكرية التي تعصف بمجتمعاتنا المتناحرة حول الكيفية التي يجب أن نكون عليها، وتنهي أيضاً ذاك اللهاث حول أي منهج اقتصادي أو اجتماعي وحتى سياسي، لأن الجدل العقيم الذي نتبادله يعتبر من أسوأ المناهج التي تؤخر الوصول إلى السبيل الصحيح الواضح والصريح.
الرأسمالية جوهر الأديان، فهي تحضّ على الكسب والربح والمقايضة في المادة والأعمال الأخلاقية، إنما لا يوجد فيها ديمقراطية، بحكم خضوعها إلى نظم التسليم للغيبي وسيطرة الكهنوت الديني عليها، أي لا يوجد حرية فيها، بل عبودية للإله الكلي، وضغط المديرين لشؤونها وأيضاً نبحث في مناهج الأيديولوجيات والأحزاب، نجد أن هناك التزاماً يخضع له مريدوها، وإذا خرجوا عنها خرجوا منها حالهم حال الخارج من دين.
دققوا معي.. سقطت الشيوعية الماركسية اللينينية، ومعها المادية، وكثير من الأفكار الدينية انكشف، وبدأ يخفت بريقها أمام اتساع منظومة العقل وأفكارها التي اخترقت كل شيء، الرأسمالية الفكرة الأزلية وحدها تتطور بشكل مشوه لعدم وجود منافس.
المال والمادة حياة الشعوب، وكلما ازداد المال وتراكم ازدادت القوة، صراعات هائلة حدثت مع كل ما ذكرت، وصولاً الآن للتحول إلى صراع وحيد، يكون بين الرأسمالية التي هيمنت على شعوب الأرض، وبين الأديان التي تستفرد بها رويداً رويداً، ما يعني أن انكشاف فكرة الديمقراطية سيؤدي حتماً إلى سقوطها، هذا الذي لا تستوعبه جماهير الأيديولوجيات والأديان، والسبب الدائم يكمن في الانهيارات الفكرية الخلاقة التي انجرفت خلف المال، وحولته إلى رأس يقاد به العالم، وإرادته تحويل الجميع إلى تابع له، وإن كان بقي للديمقراطية من شيء فهو اسمها وصورتها لا أكثر ولا أقل، ومع ذلك نجد أن الرأسمالية تحتاج لها كلباس ووجه، كما تحتاج الأديان كمستند تلجأ إليه كلما دعت له الحاجة، وتحاربه عندما يقتضي الأمر، ما يدلنا على أنها تعني القوة القادمة من تراكم المال، والإنسان جُبل على السعي وراءه، وهذا ما يدعوه لحمايته، أما الديمقراطية فهي العلمانية القادمة من القوانين الوضعية التي تظهر الحقوق، أي مالك وما عليك.
إلى أين يتجه العالم؟ من المؤكد إلى الرأسمالية المفرطة، رغم تعفُّن أفكارها وانتشار فسادها، إلا أنها سائدة إلى أن يظهر فكر جديد.
 د. نبيل طعمة