النساء لا يشبهن بعضهنَّ

النساء لا يشبهن بعضهنَّ

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٦ أكتوبر ٢٠٢١

لا عجب إذا عجز الرجال عن فهم النساء، على الرغم من قيادتهم لهن، ووضع الكثير من العقبات أمام صعودهنّ حتى في العوالم المتحررة، وذلك بسبب معرفة أن كيد النساء غلب كيد الرجال وتأثيرهن في الرجال، وإن أخفينه، إلا أنه جلي وواضح، مهما بلغ الرجال من قوة وحضور اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو ديني، فللمرأة شأن وقيمة من ليليث الأولى وصولاً إلى حاضرها لما هي عليه من فطنة وذكاء وحكمة ودهاء وثقافة كسبية أو فطرية متعلمة أم أمية، فهي تشارك الرجل من سريره وأسراره إلى عمله، وآلامه ومع صعوده وحتى في انهياره ومن لقائه إلى رحيله.
إنهنَّ الذكاء المتَّقد والحب الجامع والانفصال اللاذع تأمل عيون المرأة وهي تنظر إلى الرجل، ترَ فيها ضياءً غريباً ورغبات حبيسة وأسراراً دفينة نادراً ما تفصح عنها، وصحيح أن النساء أفقدت الرجال الجنة، لكنهم يرونها على بسمات شفاههن، ومن حركات مؤخراتهن، واهتزاز نهودهن، ومع لمعان عيونهن، وضمن النظرات الحنونة الرقيقة والخجولة الطيبة والقوية الصائدة والحوراء الفاتنة رغم تفاوت جمالهن واختلاف مقاساتهن، إلا أنهن يأسرن قلوب وأذواق الرجال من الصباح حتى آخر المساء، فلكل منهن نصيب أو عاشق أو سيد أو حبيب. 
إنهن إلهام الرجال ومؤنسات وحشتهم ومضيئات سبل ظلماتهم، وإن أسعد أيام الرجال تلك التي تكون مع نساء يقدرن قيمة أفعال الرجال، قارنات أنفسهن بأنهن وراء تلك النجاحات، وإن باستطاعتهن أيضاً تدميرها، إن شئن، ومن ذلك القول المأثور: «وراء كل رجل عظيم امرأة»، وأضيف عليه: تدفعه إلى الهاوية إن خالف أو خان هواها أو آراءها.
«فتِّش عن المرأة» مثل فرنسي تفسيره: وراء كل جريمة يقترفها الرجل امرأة، فهي الدافعة للبناء، وفي الوقت ذاته انفلات متطلباتها تؤدي إلى الهدم في التكوين، هنَّ نصف جنسنا، وضرورة الالتقاء بهن استمرار الحياة، فنجدهن يجسدن احتواء جنسنا في بطونهن ذكوراً وإناثاً لسبعة أو تسعة أشهر، ومن ثم احتواء الرجل في فراشهن وطوال مسيرة حياته، وهذا بعينه معنى حواء، التي تعني الاحتواء، إنها ابنة ليليث، التي ظهرت مع آدم، ومن ثم اكتشفت ذكورته، ومثلت ليله، الذي يسكن إليه بحكم تمثله للنهار، مدونة للتاريخ صيغة رفيقته وصديقته وحبيبته وعاهرته وزوجته، وصحيح أنها أفقدت آدم الجنة بإغرائه له ودعوته ليأكل التفاحة أو التين، لكنه مازال يراها على شفاهها وفي عيونها، يتابعها من خلال حركاتها وسكناتها، تجذبه إليها وكل منا يختار ما يجذبه إليها.
تتحدث النساء بأن الحب فن وحقيقة، هنَّ نوابغ فيه، فهن يدعوننا هكذا، لا تقل إنك تأتي، فلسوف تأتيني اليوم، وفي مساء الغد، والمساء الذي يليه، ولسوف أنتظرك في الرداء الذي تحبه متبرجة كما تود أن أكون متأهبة لإرضاء أهوائك، فإذا شئت حناناً دللتك كطفل، وإذا رغبت في الصمت جلست إليك مستمعة، سأرقص لك بملابس أو عارية، أسدل على وجهي قناعاً أو سافرة، ستجد مني ما يفاجئك، ويخلب لبك، كم ستحبني، وكم سترتجف في أحضاني، وكم سيغشى عليك لفرط كلفك بي.
 أخطأ من قال عند حلول المساء تتساوى جميع النساء، ولم تصب المرأة الأنانية أو التي تريد الحفاظ على حبها أو زوجها عندما تقول له: إن النساء من الخارج ألوان، ومن الداخل أجساد متشابهة لا فرق بينها، وإنهن نسخة واحدة عن حواء، أي إنهن كالبيض، صباغ خارجي ولون وطعم واحد من الداخل، بينما الحقيقة ترينا أن تصنيفهن واضح وجلي، فالمرأة الأم تنجب المرأة القائدة والمديرة والمبدعة والعالمة والمتعلمة والجاهلة والحكيمة والثرثارة والكاهنة والكهينة والكائدة والعرافة والداعرة والعاهرة، وأيضاً تجد منهن الحارة والشبقة والباردة والمنفعلة بعشقها والمنشغلة بحبها والكارهة لوجودها والناقمة على الذكورة والراغبة فيها، وأيضاً هناك المتزنة العاقلة واللعوب الماكرة والخجولة والمتمردة والفاجرة والمالكة لفنون ألعاب النساء، الحب عندهن يعني الإخلاص لهن، وأي شك في هذا المنحى يعني بداية عذاب للرجل، وتطالبه بالاعتراف، وإذا اعترف هتَّته طوال عمره منهية قيادته لها، محملة إياه تبعيات هذا الاعتراف، لذلك تجد أن الرجال يتقنون في إيجاد الأعذار أمامهن، والحب بالنسبة لهن كالموت لا يعترف بالطبقات أو بالثروة أو بالجاه، وهو بالنسبة للرجل شيء يختلف تمام الاختلاف عن وجوده، أما بالنسبة للمرأة فهو وجودها ووجود غيرها، وهو كيانها، فالحب بداية المعرفة، وهو شمس الحياة الثانية، كلما أشرق عليها أضفى على الإنسانية معاني الفضيلة والخير، لذلك تجسد المرأة الحياة، والحياة أنثى ومتنوعة لدرجة هائلة، إنهن النساء، من قال إنهن يشبهن بعضهن، وللعلم إن الرجال أيضاً لا يشبه بعضهم بعضاً.  
د. نبيل طعمة