الترويج للمنتج المحلي

الترويج للمنتج المحلي

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٩ سبتمبر ٢٠٢١

أكثر من ضرورة، وما تشهده ساحة الوطن يشير إلى حوارات درامية، تتراوح بين الكوميدي والواقعي، وصولاً إلى التراجيدي، والسبب المُنتِج والمُنتَج والمتسوّق، ومن يشرف على هذا المثلث ويراقبه ويتابعه يرَ أن ما يجري يحمل غرضاً في نفس يعقوب، يتحول الجميع إلى ظواهر فلسفية، ليس لها قواعد أو أسس، بل هي عبارة عن اجتهادات، البعض يسعى، والسواد يتلطى خلف أي شيء، أو أي ظاهرة.
 وحدها الأواني الفارغة تمثل أدوات الاحتفاء، والكثرة تتحدث عن منع حدوث الانهيار بعد تجاوزه، والبعض أيضاً يقول: من دونهم لكان حدث بين هؤلاء وأولئك معجزة، أو قارب الوطن بما فيه من إحداث الإعجاز من خلال تراكم الانتصارات، لأن قيامته من بين الذي كان فيه إعجاز حقيقي، ولو لم يحدث هذا لكنا أشباه سوريين، حالنا حال منتجات أشباه الألبان المركبة من العديد من المواد اللا فيتامينية، أي تشبع من دون أن تسمن أو تنمي.
 مؤكّدٌ أن لا أحد يحلم بجمهورية أفلاطون الموغلة في القدم، وطبيعي أيضاً أن نرفض العيش في جمهورية كاليغولا، أو نتعايش معها، أو أن نبقى نتجول في دهاليز الانتظار، ندوّر الزوايا من دون وازع أو ضمير اجتماعي، اقتصادي، إداري، والخوف هنا أن تكون هذه المصطلحات تكتفي بعناوينها، من دون وجود أي مضامين، أي لا تخطيط ولا حلول، وافتقار للرؤية الواقعية والإستراتيجية.
 الناس تعبت من التكهنات والتخبطات، وباتت تريد أفعالاً لا أقوالاً، وتريد من المديرين إدراك أوضاعهم ومساعدتهم العلمية على الإنتاج، لا على الهروب إلى الأمام، لأن هذا يعني استمرار الترويج للخطيئة ضمن مثلث الوطن، فالمشترك بين كل ذلك هو التعقيدات المستمرة، التي تمارس على حياة الوطن بما فيه.
 هل نتفكر بالحاصل ونقاربه؟ من يملك الحق على الشعب؟ طبعاً الدولة، شريطة ألا يحوله إلى تصور أو مقولة، والمعادلة تكون دائماً لدى من يملك الحق على الشعب الذي يحمل روحاً إنسانية، تستحق العدالة والتواصل والرحمة والتعاون والمسؤول عنه، لأن هذا الشعب هو الذي ينصر الدولة، وينتصر لها، من خلال تقديمه لكل ما يملك من فكر ومال وبنين. تفكروا فيما ينتجه مواطنو الدولة في الخارج ومساعدتهم لذويهم في الداخل، الذين يساعدون الدولة على الإنتاج.
في ظل هذه الأجواء الصمت سيّد المواقف من الحكومة، بعض الأصوات تعلو هنا وهناك، رياءً أو ذات أهداف نبيلة أو خبيثة، والوطن يرى أن الحكومة وكأن بها تصرّف الأعمال، على الرغم من أنها تتحدث أنها تعمل بواقعية مع الأمور، وبحسب ما لديها من إمكانات، وهي مضطرة للتصالح والتعامل مع رموز تجارية واقتصادية، لا يعرفها المواطن، ولديه تشكيك بحضورها العملي والافتراضي، وصحيح أن الوقت الراهن يشهد فتح صفحات جديدة مع المتهمين والمهيمنين، لكن شراء الحرية والرفعة يجب أن يكون له مقابل مادي وأخلاقي عملي لا نظري، والتيسيرات التي تقدمها الدولة من خلال التشريعات التي تعدّل القديم منها، وتقدّم الموائم الجديد لفتح صفحات نوعية أيضاً مع الشعب في الداخل، ومع المحيط الخارجي هي من الأهمية بمكان شرحها وتقديمها إعلامياً، يمنح فرصاً لإحداث التجانس بين الدولة ومواطنيها المنتجين، الذين يشعرون بوقوع غبن كبير عليهم جراء علاقة الإنفاق بالاستهلاك، هذه المعادلة التي أضعفت الثقة بالحكومة وبالاقتصاد وبالأخلاق، ما أدى إلى خفض معنويات العمل والإنتاج. 
كيف بنا ندفع ببناء المعنويات؟ هذه المهمة التي أعتبرها أساس أي تقدُّم، وإحلال التفاؤل الحقيقي لا الوهمي تجاه الوضع الراهن، الذي يهيمن على العقول المنتجة والوظيفية وعامة الناس الواقعة بين البطالة المقنعة والبطالة المنتجة للخطيئة والرذيلة والجريمة والهجرة.
المواطن المنتج ينتظر برامج اقتصادية متوسطة الأمد، تريحه وتبعد عنه القلق، وتفتح له الآفاق، وترفع ثقته وإيمانه بوطنه، لأن استمرار بث الشكوك والتناقضات وبطء الحركة في إنتاج التعافي يشجع على الانفلات واستمرار نزيف هجرة العقول والأدمغة والفعاليات المنتجة، ليس فقط من القطاع الخاص، وإنما من العام، والخريجون من الجامعات ومن المصالح الحرفية والزراعية والتجارية هم أبناء وطن، وهم البناة الحقيقيون له، لذلك على السياسة العامة للدولة أن تتدخل بقوة وسرعة، وتدعم وتروِّج للمنتج المحلي بكل أشكاله، وهنا أختم بألا يكون السكوت إلا عن كلام سبقه.
د. نبيل طعمة